أخبار عاجلة

ليبيا.. شروخ وتفكك في معسكر الدولة المدنية


فرج كُندي

كاتب وباحث ليبي
عرض مقالات الكاتب

مع انتهاء الحرب على طرابلس التي شنها “خليفة حفتر” على العاصمة طرابلس في أبريل 2019، واستمرت قرابة أربعة عشر شهرًا؛ تعرض خلالها المدنيون والبنية التحتية لأضرار بليغة، مازالت العاصمة تعاني جرّاءها إلى هذا اليوم؛ خاصة ما يتعرض له المدنيون من انفجار الألغام التي خلفتها قوات حفتر ومرتزقة “الفاغنر” الروس.


حفلت مرحلة ما بعد الحرب بمحاولات سياسية داخلية وبمؤثرات خارجية تمخضت عنها حكومة المهندس (عبد الحميد الدبيبة) التي عرفت بحكومة الوحدة الوطنية على أمل أن تكون حكومة كل الليبيين وتسيطر على كافة التراب الليبي خاصة وأن حكومة الوحدة الوطنية نالت الثقة بعدد غير مسبوق من أعضاء البرلمان تجاوز مئة وثلاثين صوتًا.
ولكن (يا فرحة ما تمت) فسرعان ما قام البرلمان في طبرق وبإيعاز من قوى خارجية بحجب الثقة عن الحكومة التي كان الليبيون ينتظرون منها الكثر وطالما كانوا يأملون في ساستهم أن يتفقوا على حكومة تنتقل بالبلاد مما هي عليه من مأزق سياسي اقتصادي، وتفكك في البنى الاجتماعية؛ الأمر الذي ينذر بتفكيك البلاد، والقضاء على وحدة ترابها الذي تسعى له بعض الدول المجاورة والإقليمية، واستمرارها بعد ضياع أمنها واستقرارها.
مرحلة الحرب السياسية بعد الفشل العسكري
بحجب الثقة عن حكومة “عبد الحميد الدبيبة” بدأت مظاهر الشروع في المرحلة الثانية من خطة السيطرة على طرابلس، وهي مرحلة التغلغل السلمي من خلال العمل على تفتيت الجبهة المتمركزة في المنطقة الغربية.
لماذا العاصمة؟
يركز معسكر الكرامة ومن خلفه من قوى إقليمية على السيطرة على العاصمة طرابلس لعدة أسباب جوهرية ومفصلية منها:

  • أن طرابلس هي العاصمة للبلاد منذ عدة قرون وأن إدارة الأقاليم التاريخية الثلاثة المكونة لدولة ليبيا كانت تدار مركزيا من طرابلس باستثناء قليل كان في العهد الملك (1951-1969).
  • أن كل المؤسسات التي تدير الدولة مكان أغلبها ومقرها الرئيسي وتديرها طرابلس.
  • بالإضافة إلى تمركز أكبر كثافة سكانية من الليبيين في طرابلس.
  • تجمع وتركيز معظم الأحزاب والمؤسسات والشخصيات الوطنية وحتى القوى العسكرية التي تؤمن بمشروع الدولة المدنية في المنطقة الغربية بصفة عامة والعاصمة طرابلس بصورة خاصة، ويمكن القول إن طرابلس أصبحت المعقل الأخير للقوى الوطنية الداعمة لمشروع الدولة المدنية .
  • اقتناع كل القوى المتصارعة أن الحسم في المعركة الدائرة سيكون في العاصمة طرابلس ومن يسيطر على العاصمة؛ فهو الذي يمسك بالجزء الأكبر من مفاتيح المسألة إن لم يكن المفتاح الأول.

ومن خلال تمركز قوى المشروع المدني في طرابلس وفشل أصحاب المشروع العسكري واستحالة الحل العسكري تم الشروع في محاولة اختراق وتفكيك المعسكر المدني.
كانت الخطوة الأولى شل حركة حكومة الوحدة الوطنية ومنعها من بسط سيطرتها على كامل التراب الليبي ومنع رئيسها من النزول في بنغازي من قبل قوات الكرامة ومنعه من زيارة الجنوب من قبل القوات العسكرية التابعة لخليفة حفتر في الجنوب مما حصر وجود الحكومة الفعلي على مدن المنطقة الغربية التي لا تقع تحت سيطرة قوات خليفة حفتر.
الخطوة الثانية كانت في اختراق صفوف القوى الفاعلة في المنطقة الغربية من خلال اختراق صف قوي وكان له تأثير في المنطقة الغربية متمثلًا في شخص السيد “فتحي باشاغا” وزير الداخلية السابق في حكومة رئيس المجلس الرئاسي الذي كان يرأسه “السيد فايز السراج ” والذي كان له دور بارز في صد هجوم قوات خليفة حفتر على طرابلس في أبريل 2019.
بقبول تكليفه بتشكيل حكومة أطلق عليها اسم “حكومة الاستقرار الوطني” كبديل لحكومة الوحدة الوطنية من قبل البرلمان في طبرق بعدد أصوات قليل جدا، ولكن حظيت بمباركة وتأييد خليفة حفتر، ورفض شبه تام من القوى الوطنية المدنية والتشكيلات العسكرية في طرابلس. مع عدم اعتراف من حكومة عبد الحميد الدبيبة الذي يصر على التسليم لحكومة منتخبة.


الشرخ الثاني ظهر بعد شرخ حكومة باشاغا هو إعلان “خالد المشري” رئيس مجلس الدولة المتمركز في العاصمة طرابلس والذي كان الرافد السياسي لمعسكر مدنية الدولة اتفاقه مع “عقيلة صالح” رئيس مجلس النواب المتمركز في طبرق ويدار من مدينة القبة – التي ينتمي إليها عقيلة- على التفاهم على تقاسم المناصب السيادية وإمكانية تشكيل حكومة ثالثة، مما سبب ردة فعل عنيفة في داخل المجلس الأعلى للدولة الذي كان متماسكًا فظهرت الانشقاقات بين صفوفه وخرج بعض أعضائه مؤيدا لإجراءات “المشري” والبعض رافضًا لها.
وأدى هذا إلى عرقلة اجتماعات المجلس بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني لعقد جلسات المجلس بحسب اللائحة الداخلية التي تنظم جلسات المجلس، وكذلك تعرض مقر المجلس للحصار من قبل بعض المواطنين والمؤسسات المدنية مع اتهام المشري للدبيبة بإرسال قوات عسكرية لمنع المجلس من عقد جلساته.


وبهذا الشرخ توسعت الانشقاقات في معسكر المنطقة الغربية الذي تجتمع فيه كل القوى من كافة مناطق ليبيا الداعمة لمدنية الدولة.
والأيام حُبلى بالجديد، والمنتظر غير متوقع لكن آلية العمل على تفكيك معسكر الدولة المدنية مستمر وبقوة، تحت رعاية قوى دولية وإقليمية والأداة محلية بامتياز؛ في حين أن قوى مدنية الدولة غير موحدة ومفككة وقابلة للمزيد من التفكيك إن لم تتدارك أمرها وتجتمع رايتها على رمز جامع فمصيرها إلى التبدد والزوال، ومن قاوم مصيره السحق والإبادة وهذا ما تتوعده به قوى العسكرة والاستبداد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً

يوم الأم أو عيد الأم

هيثم المالح اخترع الغرب ،عيدًا للأم رغبة في ايجاد وسيلة أو يوم …