مقالات

“أردوغان”.. بالأمس كان هنا

عبود العثمان

شاعر وكاتب سوري
عرض مقالات الكاتب

أمام حشد شعبي كبير وفي مدينة “أورفا”، و بالتحديد في حي “بامية سو” -الذي أسكنه منذ ما يقرب من ثمانية أعوام- ألقى الرئيس التركي كلمة تحدث فيها عن أمور عدة تهم الوطن والمواطن التركي داخلياً وخارجياً، ولست هنا في معرض الحديث عنها، فهي شأن تركي، وأنا لست سوى لاجئ في هذا البلد الذي فتح لي بوابة حدوده حين التجأت إليه هرباً من آلة القتل التي كان النظام الحاكم في بلدي يطاردني بها كي يرديني قتيلاً أو يلقي علي القبض بتهمة تهديد أمن الوطن!

خلال هذه السنوات التي أمضيتها في تركيا شهدت أربع أو خمس زيارات قام بها الرئيس التركي لولاية أورفا ولقائه بأبنائها لقاءً مباشراً ومن على “منصّة مكشوفة “تحيط بها حشود المواطنين، حيث تم التحضير لها قبل يوم من الزيارة بطريقة حضارية تتوافر فيها الشروط الأمنية، بعيداً عن الترهيب والتخويف، ولكنها دقيقة ومتحرّزة للغاية، كيلا تتسلل عناصر إرهابية بين هذه الجموع، لا سيما وأن إرهاب حزب ال pkk الإرهابي ليس ببعيد عن ساحاتها كلما سنحت له الفرصة بالقيام بعملية إرهابية يذهب ضحيتها العشرات من المواطنين الأبرياء.

تابعنا في فيسبوك

حديثي هنا عن هذه المناسبة للمقارنة بين الحالة التركية والحالة التي مرّت بها “سوريا الأسد” -وما زالت تمر بها- من جانب علاقة رئيس الدولة بشعبه:
في تركيا الجميع يذكر اسم رئيسه بشخصه فقط دون ألقاب وبلا قداسة ولاتعظيم، فلا نسمع بالقائد الملهم، ولا بزعيم الأمة، ولا بقائد المسيرة، ولا رجل الصمود والتصدي، ولا باني البلاد ومطعم العباد كما هو الحال في سوريا الأسد ولا نسمع من أحد يقول “تركيا أردوغان” بل تركيا فقط ويقدسون العلم التركي ولا شيئ غيره.

على مدار ثلاثين عاماً من حكم الهالك”حافظ” -وهو رئيس للبلاد وراعي شوون العباد كما يدعي- لم يقم بزيارة واحدة لمنطقتنا الشرقية في سوريا بمحافظاتها الثلاث-دير الزور، الرقة، الحسكة- ولا حتى باقي المحافظات إلاّ ما ندر، كان متمترساً قابعاً في قصره -الذي سمّاه ظلماً بقصر الشعب، محاطاً بعصابته، وأجهزته الأمنية المجرمة، همّه كيف يسيطر على هذا الشعب وكيف يبقيه خائفاً مرعوبا،ً يسبّح بحمد حاكمه ويمجّده ويهتف له ويدعو له بالعمر المديد!

خلال ثمانية أعوام قضيتها في هذا الحي الشعبي-بامية سو- والذي تغيرت ملامحه تغيّراً جذريا،ً وأصبح في عداد الأحياء الراقية من حيث البنية التحتية والخدمات، والأبنية الحديثة، والمواصلات والمدارس والمستوصفات الطبية،وآخرها جسر محلّق ضخم يربط أحياء المدينة ويسهل حركة مرور السيارات بشكل سلس وانسيابي، أمام هذا “الجسر المحلّق” وقف “أردوغان” وألقى كلمته أمام شعبه، وكأنه يريد أن يقول لهم : معاً نبني تركيا.

الحقيقة أنني لم أكن متحمساً للكتابة في هذا الموضوع لولا ما شاهدته على شاشات الفضائيات وما تناقلته الوكالات حول الأحداث التي تشهدها اليوم مدينة “السويداء الأبيّة”، بلد “الجبل الأشم” وهي تنتفض احتجاجاً على تردّي الأحوال المعيشية فيها، للدرجة التي أخرجت شبابها منددين بممارسات النظام المجرم، مندفعين باتجاه مؤسساته الحاكمة، مقتحمين بواباتها وهم يطأون بأرجلهم على صور الحاكم المستبد قبل ضربها بالأحذية وحرقها.

ما أقوله ليس للمقارنة، فلا مجال هنا للمقارنة بين “تركيا” هذا الدولة التي أصبحت في عداد الدول الكبرى تحضّراً وتقدماً، وبين دولة اسمها “سوريا” كانت في خمسينيات وستينيات القرن الماضي تعد من بين الدول الناهضة المتطلعة لحياة تليق بشعبها وبتاريخها، لولا أن الأقدار ابتلتها بنظام حكم مستبد لم يشهد له التاريخ مثيلاً في جرائمه، مما جعلها من بين الدول التي يعيش نصف شعبها في المهاجر والشتات ،والنصف الآخر في بؤس وظلام ،وتحت خط الفقر، في “حفرة” اسمها “سوريا الأسد”!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى