فنجان سياسي

من سيخلف أمير تنظيم الدولة “القرشي” وما مؤشرات عودة مسمى الجيش الحر إلى درعا؟



فراس العبيد/
عادةً ما يتمكن تنظيم الدولة، من امتصاص الصدمات والضربات التي توصف بالقاصمة الموجهة إليه، وبعيدًا عن الموقف المتحيّز من تلك الجماعة، فهي مسألة تحتاج كثير تأمل، لما تشكله من عامل “قوة” سواء على مستوى أفرادها أو حتى خارجها.
العقيدة القتالية:
بالمجمل؛ العقيدة القتالية التي تتبناها جماعة مثل “تنظيم الدولة” يمكن اعتبارها أحد أسباب استمراريتها، على عكس باقي الفصائل العسكرية، بمختلف مسمياتها وانتمائاتها الفكرية.
ماذا خسر التنظيم؟
عمليًا؛ لم يخسر التنظيم “تنظيم داعش”، منذ مقتل متزعمه “أبو بكر البغدادي” إﻻ المساحات الجغرافية التي كان يسيطر عليها، بالمقابل؛ حافظ على تكتله كجماعة عسكرية لعبت فيما بعد بطريقة مختلفة أثبت حضورها.
حرب البرغوث:
فكريًا وعسكريًا؛ فإن اﻷصل في العمليات القتالية التي يتبناها تنظيم الدولة “داعش”، تقوم على مبدأ “حرب العصابات”، واستنزاف العدو، بل إنّ الكثير من منظري التنظيم ذاته عارضوا فكرة السيطرة على اﻷرض والدخول في مواجهة عسكرية تقليدية مع “اﻷعداء”، أو “الكفار” و”المرتدين”، وفق التسميات المتعارف عليها بينهم.
والحرب الخاطفة التي يستند لها التنظيم، بدأت مؤخرًا بالظهور، فيما يمكن اعتباره مراجعة عسكرية لطريقة وآليات العمل القتالي.
مجرد مكانة:
ولعل حظوظ تنظم الدولة قوية، في مناطق البادية، في الشام والعراق، وحتى المناطق التي تتبنى النظرة العشائرية، ما يعطي عناصره ومنتسبيه /مناصريه، قوةً على حساب غيرهم، وهذا بدا واضحًا في درعا، وتدمر.
بالتالي؛ فإن غياب المركزية اﻹدارية، أعطى مساحة للعمل الفردي، ضمن قطاعات جغرافية استطاع “التنظيم” التغلغل والعمل ضمنها، وتركيز أهدافه عليها، ما يشير إلى أنّ اﻹمارة العامة التي حملت قريبًا اسم “خليفة” أو “أمير المؤمنين” لم تتغير وبقيت مجرد مكانة دينية محضة، لها حظها القوي في السيطرة على اﻷفراد، أدبيًا، لكن بالمجمل؛ الحركة العسكرية تسير وفق ظروف المناطق التي تعمل بها “العصابات”.
تشويه أم حقيقة؟
المتابع لمسيرة تنظيم الدولة “داعش” من المحتمل أن يحتار في توصيف هذه الجماعة، ولعل أبرز التساؤﻻت، هل نحن أمام “تنظيم جهادي متطرف؟”، أم “تيار جهادي تم تشويهه؟”.
ومن خلال ما عايشناه وﻻنزال في المحرر، وبعض المناطق التي انتشر فيها وجود تلك الجماعة، واﻻحتكاك بمناصريها، ومعايشة أفكارهم، فإنه يمكن اختصار التوصيف بالتالي؛ بعيدًا عن الرواية الساذجة التي تقدّم كوجبات عبر الصحف العربية والمحلية والدولية.
ومع إسقاط التجربة الجزائرية على هذه الجماعة استعين بمقولة الشيخ “أبو مصعب السوري” فرج الله عنه، وأقول؛ “هي جماعة مخابراتية مخترقة جهاديًا”… حملت بذور الغلو والتطرف فانعكس وجودها سلبًا على المناطق التي دخلتها، أو سيطرة عليها.
من يخلف القرشي؟
إذًا من يخلف آخر أمراء تنظيم الدولة، سؤال لم يعد يحمل في طياته حتى اليوم قيمة مع اعتبارنا أن الجماعة تسير وفق منهجية عسكرية مختلفة، لكن شخصية من سيقودها في مرحلة لاحقة، سيكون لها أثر وتغيير كبير في حال استطاع لملمة شتات عناصره وحظي بالمكانة المؤهلة للقيام بهذ الدور.
وما يهمنا، ليس من يخلف “القرشي”، بل هل من المتوقع أن يتغير منهج تلك الجماعة، والراجح أن “تطرف قياداتها” سيبقيها “خارجة ومارقة” كما ورد في اﻷحاديث الشريفة، حتى يأتي الله بأمرٍ آخر.
مسمى “الحر” يعود:
ولقد أعاد إعلان القيادة المركزية الأمريكية، عن مقتل زعيم تنظيم “الدولة الإسلامية” جنوبي سوريا، إلى اﻷذهان “غرفة الموك” ومسمى “الجيش السوري الحر”، في رسائل أمريكية واضحة.
وبدايةً بدا أن التوصيف متعمد حيث غاب مسمى “الجيش السوري الحر”، إعلاميًا منذ عام 2018 عندما سيطر النظام وروسيا على الجنوب السوري بالكامل.
وﻻ أتفق مع بعض المحللين في أنّ واشنطن أرادت تشكيل أو تمرير رسالة أنها شكّلت تحالفات جديدة ضد إيران وروسيا في الجنوب، بل على العكس، فالمتابع للأخبار الواردة من درعا، يلاحظ تزايد العمليات العسكرية والنوعية، ضد الروس والنظام، وعلى الحدود اﻹسرائيلية، وعادةً ما تحمل توقيع مجهول أو يتم تبنيها من طرف “تنظيم الدولة”.
بالتالي؛ واشنطن صحبة المهمة الرئيسة في محاربة تلك الجماعة، وهذا الدور المنوط بها والمتفق عليه منذ تدخلها وتدخل موسكو في “سوريا”، ضمن السيناريو المرسوم للطرفين في حماية “النظام الدولي”، ومعه “الكيان الصهيوني”.
في الوقت ذاته، يمكن أن تحمل فرضية الباحث السياسي في مركز “جسور للدراسات” فراس فحام، مقبولة إلى حدٍّ ما.
يقول الفحام في تصريحات نقلها موقع عنب بلدي، “إن أمريكا حاولت التأكيد من خلال مسمى “الجيش السوري الحر” أن لديها شركاء في محاربة تنظيم “الدولة” بعيدًا عن المكون الكردي في سوريا”.

والنقطة الثانية التي أشار لها اﻷستاذ الفحام، هي؛ “التلويح بإعادة دعم (الجيش الحر) للضغط على روسيا في في سياق التوتر الأمريكي- الروسي المرتفع في مختلف الساحات الدولية”.
لكني أميل إلى استشعار خطر نمو تنظيم الدولة في الجنوب السوري، وتهديده الكيان الصهيوني ﻻحقًا، هو دافع اﻷمريكان لضربه هناك قبل “خروجه عن السيطرة” و”تعاظم خطره”.. بغض النظر عن تلك الرواية الكلاسيكية في أن “التنظيم” صنيعة مخابراتية غربية، وهنا استشهد بنص البيان الرسمي اﻷمريكي، الصادر عن القيادة المركزية مساء أول أمس، الأربعاء 30 من تشرين الثاني 2022، عبر موقعها الرسمي، أن “أبو الحسن القرشي الهاشمي” زعيم التنظيم قتل في منتصف الشهر الماضي. وأن تنظيم “الدولة” لا يزال يشكل تهديدًا للمنطقة، في حين “تعمل القيادة المركزية مع شركائها في المنطقة على هزيمته”.

للمزيد اقرأ

تفاصيل مقتل زعيم تنظيم “داعش” في درعا
باقٍ فهل يتمدد؟
عمليًا المؤشرات تؤكد أن تنظيم داعش لا يحارب على مسميات الوطنية، ما يعطيه قدرة هائلة على البقاء والمناورة، لكن إجابة شافية على سؤال “هل يتمدد؟”؛ فالراجح أنها غير ممكنة، ربما يظهر مجددًا بقوة، لكنه ليس المسيطر، أمّا إذا تحدثنا عن عودة اﻷمة اﻹسلامية للصدارة فلن تمرّ وتتربع عبره ﻷسباب في مقدمته “الظلم والتكفير” وخاصةً اﻷخيرة دون ضوابط شرعية.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى