بحوث ودراسات

النِّظام العالمي بين نهاية الحرب الباردة وبداية الحرب العالميَّة الثَّالثة (8 من 10)


د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب

هل يواجه محمَّد بن سلمان مصيري فيصل بن عبد العزيز وصدَّام حسين؟

إلى جانب تفاقُم الأزمة الاقتصاديَّة العالميَّة النَّاجمة عن حالة الكساد والرُّكود الَّتي أصابت شتَّى مجالات الإنتاج من جرَّاء فترات الإعلاق والحظر لمواجهة تفشِّي الجائحة، اندلعت الحرب الرُّوسيَّة-الأوكرانيَّة في 24 فبراير 2022م، لتبدأ مرحلة جديدة من التَّردِّي الاقتصادي. ارتفعت أسعار النَّفط إلى ما يزيد على 100 دولار للبرميل الواحد، وانقلب التَّحالف الأمريكي-السَّعودي في مواجهة روسيا والصِّين، إلى توتُّر شديد في العلاقات الأمريكيَّة-السَّعوديَّة، في مقابل تقارُب المملكة الخليجيَّة مع المعسكر الشَّرقي، الخصم الألدِّ والمنافس الأشرس للولايات المتَّحدة. ووصل التَّوتُّر بين الولايات المتَّحدة والسَّعوديَّة إلى حدِّ رفْض وليِّ العهد السَّعودي والحاكم الفعلي للمملكة، الأمير محمَّد بن سلمان، طلب الرَّئيس الأمريكي، جو بايدن، زيادة إنتاج النَّفط لتخفيض سعره، قُبيل اندلاع الحرب الرُّوسيَّة-الأوكرانيَّة، كما نشرت شبكة CNN بالعربيَّة في 16 فبراير 2022م.

اقرأ: النِّظام العالمي بين نهاية الحرب الباردة وبداية الحرب العالميَّة الثَّالثة (7من 10)

مسؤول أمريكي لـ CNN: بايدن أرسل مسؤولين إلى السَّعوديَّة للضَّغط من أجل مزيد من النَّفط

أرسل البيت الأبيض اثنين من المسؤولين الأمريكيين إلى المملكة العربيَّة السَّعوديَّة هذا الأسبوع للضَّغط على المملكة لضخِّ المزيد من النَّفط لأنَّ المخاوف من الغزو الروسي لأوكرانيا تؤدِّي إلى ارتفاع أسعار الطَّاقة – وهو أمر حذَّر الرئيس جو بايدن في خطاب ألقاه يوم الثُّلاثاء من أنه قد يزداد سوءًا إذا هاجمت روسيا.

ويتردَّد في وسائل الإعلام الغربيَّة أنَّ ابن سلمان يرفض التَّعاون مع بايدن، وينتظر بفارغ الصَّبر انتهاء ولايته الأولى في يناير 2025م، بل ويدعم إعادة ترشُّح سابقه، دونالد ترامب، وفقًا لما نقلته شبكة BBC عربي عن صحيفة الغارديان البريطانيَّة في 25 أبريل 2022م.

تابعنا في فيسبوك

محمد بن سلمان: ولي العهد السَّعودي “ما زال يراهن على عودة ترامب” – الغارديان

مقال رأي لمحرر الشؤون العالمية في الغارديان جوليان بورغر، بعنوان “الازدراء السَّعودي لبايدن يشير إلى أنَّ ولي العهد لا زال يراهن على عودة ترامب”. ويقول الكاتب في مطلع مقاله إنَّ “السَّعودية تعتمد على عودة دونالد ترامب إلى السُّلطة من خلال رفض مساعدة الولايات المتَّحدة في معاقبة روسيا على غزو أوكرانيا، وعن طريق وضْع ملياري دولار في صندوق استثمار جديد غير مجرب يديره صهر ترامب جاريد كوشنر”.

وقد تجلَّى التَّحالف الرُّوسي-السَّعودي في مواجهة الولايات المتَّحدة في قرار الرَّئيس الرُّوسي أواخر مارس 2022م بيع النَّفط بالعملة المحلِّيَّة، الرُّوبل، الَّذي أيَّده وليُّ العهد السَّعودي بإعلان دراسة إمكانيَّة بيع النَّفط باليوان الصِّيني، مع الصِّين الَّتي تحصل على 25 بالمائة من صادرات النَّفط السَّعودي على الأقل، إن لم يكن بالرِّيال السَّعودي لاحقًا مع كافَّة الدّول. وفي ذلك القرار ما ينذر بانهيار نظام البترودولار، القائم منذ عقود على بيع النَّفط بالدُّولار الأمريكي وحده؛ وفي ذلك ما يرجِّح انهيار الدُّولار مستقبلًا.

بوتين ومحمد بن سلمان يعلنان انتهاء الدولار

أعلن الرَّئيس الرُّوسي، فلاديمير بوتين، عن تنفيذ مجموعة من الإجراءات لتحويل مدفوعات الغاز الطَّبيعي الرُّوسي للدُّول المعادية بالرُّوبل الرُّوسي “في أقصر وقت ممكن، ورفض أي عملات فقدت مصداقيتها”.


تلك، بطبيعة الحال، بمثابة أقوى ضربة لنظام الدوُّلار. من جانبه سيوجه ولي العهد السَّعودي، محمد بن سلمان، ضربة قويَّة مماثلة، إذا ما تحولت المملكة العربيَّة السعوديَّة حقًّا إلى اليوان الصِّيني في تسويتها مع الصِّين، إذا ما صحَّت التَّقارير بشأن هذه النَّوايا. وسوف يدخل هذا القرار اليوان أيضا في تسوية ليس فقط تجارة النَّفط، وإنما كل التجارة مع الصين. من حيث المبدأ، يمكن للمملكة العربيَّة السَّعوديَّة أن تكرِّر خطوة بوتين، وتبدأ في بيع نفطها بالرِّيال السَّعودي، وبذلك لن تحتاج إلى اليوان وستصبح عملتها على الأقل، عملة إقليميَّة. 

ويبدو أنَّ أولى خطوات إدارة بايدن لمعاقبة السَّعوديَّة، بزعامة الأمير محمَّد بن سلمان، هي إعادة فتْح ملفِّ تورُّط المملكة في أحداث 11 سبتمبر 2001م الشَّهيرة، لتفعيل قانون جاستا (JASTA)، أو العدالة ضدَّ رعاة الإرهاب، الَّذي يتيح للولايات المتَّحدة المطالبة بتعويضات باهظة لضحايا تفجير برجي مركز التِّجارة العالمي، بزعم أنَّ 15 من أصل 19 شخصًا متَّهمين بتدبير الأحداث سعوديين. 

CBS News: دليل جديد يؤكد علاقة السَّعودية بهجمات 11 أيلول (شاهد)

قالت قناة “سي بي إس نيوز” الأمريكيَّة، إنَّها تملك أدلَّة جديدة على وجود صلة بين اثنين من الخاطفين في هجمات 11 أيلول/ سبتمبر، وبين شخص قيل إنه عميل للاستخبارات السَّعوديَّة. ونشرت القناة مقطعًا مصورًّا جرى تسجيله في أحد المنازل في شباط/ فبراير عام 2000، ويظهر فيه عميل المخابرات السَّعودي عمر بيومي، برفقة مهاجمين سعوديين قادا طائرة اصطدمت بالبنتاغون خلال هجمات 11 أيلول/ سبتمبر. وأشارت القناة إلى أنَّ الفيديو الجديد يطرح العديد من التَّساؤلات حول علاقة السَّعوديَّة بوقوع الهجمات في الولايات المتَّحدة، لافتة إلى أنَّ الرياض لطالما نفت علاقتها بالأمر.

بتفعيل قانون جاستا وإثبات تورُّط السَّعوديَّة في هجمات سبتمبر 2001م الشَّهيرة، ستضع الولايات المتَّحدة يديها على استثمارات المملكة بداخلها، الَّتي تُقدَّر بـ 800 مليار دولار. وما لن تحصِّله الولايات المتَّحدة من خلال تفعيل قانون جاستا، ستطوله بواسطة قانون آخر يستهدف كافَّة الدُّول الأعضاء في منظَّمة أوبك المصدِّرة للنَّفط، هو قانون نوبك (NOPEC) الجديد، الَّذي وافقت عليه اللجنة القضائيَّة التَّابعة للكونغرس الأمريكي 5 مايو 2022م، بزعم مكافحة الاحتكار ومعاقبة الدُّول الأعضاء في أوبك عند التَّلاعب بأسعار النَّفط. والقانون في انتظار تصويت باقي أعضاء الكونغرس وإقرار الرَّئيس الأمريكي لبدء العمل به. 

لجنة بمجلس الشُّيوخ الأميركي تقرُّ مشروع قانون “نوبك”.. فما هو؟

أقرت لجنة بمجلس الشُّيوخ الأميركي، الخميس، مشروع قانون “لا لتكتلات إنتاج وتصدير النَّفط” المعروف اختصارًا باسم “نوبك”. ويمكن للقانون في حال إقراره، أن يتيح رفع دعاوى قضائية ضد منتجي النَّفط في منظمة الدُّول المصدِّرة للبترول (أوبك) وحلفائها، بدعوى رفع أسعار النَّفط.

وأخيرًا، نعيد التَّساؤل: ما مآل الخلاف الأمريكي-السَّعودي بشأن النَّفط؟ وما مصير الأمير محمَّد بن سلمان، إذا استمرَّ في موقفه المتحدِّي للإدارة الأمريكيَّة؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى