بحوث ودراسات

هل يستغلُّ النِّظام الحاكم في إيران “ثورة العمائم” في إعداد قنبلة نوويَّة؟

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب


دخلت الاحتجاجات الشَّعبيَّة في إيران شهرها الثَّالث، مخلِّفةً مئات من القتلى ممَّن لقوا حتفهم على أيدي قوَّات الأمن الإيرانيَّة التَّابعة لنظام ملالي الرَّافضة، خلال تظاهرهم السِّلمي رفضًا لمقتل الشَّابَّة الكرديَّة، مهسا أميني، من جرَّاء التَّعذيب، على خلفيَّة اتِّهامها بخرق قواعد اللباس الشَّرعي وعدم الالتزام بارتداء الحجاب. بدأت الاحتجاجات يوم 14 سبتمبر 2022م في محافظة كردستان الإيرانيَّة، لكنَّها سرعان ما انتقلت إلى مدن أخرى، على رأسها العاصمة طهران، ومدن مشهد وأصفهان وكرمان وشيراز وتبريز ورشت وساري وكرج وأراك، إلى جانب مدينة عيلام.

يندِّد المحتجُّون بممارسات نظام ملالي الشِّيعة، الَّذي يحكم إيران منذ الإطاحة بالشَّاه رضا بهلوي في فبراير 1979م، فيما يُعرف بالثَّورة الإسلاميَّة، وإن كانت التَّسميَّة الأصحُّ هي الثَّورة الخمينيَّة، نسبة إلى المعمَّم الهالك، روح الله الخميني، الَّذي شغل منصب المرشد الأعلى للثَّورة منذ ديسمبر 1979م وحتَّى وفاته في يونيو 1989م. وقد خلَف الخميني تلميذه، علي خامنئي، ثالث رئيس للجمهوريَّة الإيرانيَّة، على منصب المرشد الأعلى للثَّورة، ويشغله إلى يومنا هذا، برغم تردِّي حالته الصِّحيَّة، استنادًا إلى نظام ولاية الفقيه والنِّيابة العامَّة عن الإمام الثَّاني عشر الَّذي أسَّسه الخميني.

بعد عقود من القمع وتكميم الأفواه ونهْب الثَّروات وحرمان البسطاء من سُبُل الرَّفاهية، في مقابل تمتُّع طبقة المعمَّمين من رموز النِّظام الحاكم بكافَّة الميزات، خرج المحتجُّون في شوارع إيران للمطالبة بإسقاط نظام ملالي الرَّافضة، فيما بات معروفًا باسم “ثورة العمائم”. وبرغم وجود العديد من الدَّوافع الَّتي أجَّجت الاحتجاجات الشَّعبيَّة، يشيع رموز النِّظام في إيران أنَّ سبب تلك الاحتجاجات مؤامرة خارجيَّة للعبث بأمن البلاد، في محاولة لإلصاق تلك التُّهمة بالمملكة العربيَّة السَّعوديَّة؛ لتمويل مستثمرين سعوديين قناة إيران إنترناشونال، وهي فضائيَّة تبثُّ من بريطانيا تدعم الاحتجاجات وتغطِّي أحداثها باهتمام بالغ. ومع تسليط وسائل الإعلام الضَّوء على الاحتجاجات الشَّعبيَّة، كثَّف القائمون على البرنامج النَّووي الإيراني تخصيب اليورانيوم بما يكفي لتطوير أسلحة نوويَّة، في خطوة باتت تهدِّد بحويل المنطقة العربيَّة إلى جحيم مستعر، إذا ما فقد نظام الملالي صوابه واستخدم ذلك السِّلاح في تصفية خصومه في المنطقة.

هل تطيح “ثورة العمائم” برموز الثَّورة الخمينيَّة؟

يذكِّر مشهد الاحتجاجات الشَّعبيَّة في إيران بوقائع الثَّورة الَّتي أسقطت نظام الشَّام رضا بهلوي قبل 43 عامًا، والَّتي لو عرف الإيرانيون أنَّها ستفضي إلى تأسيس نظام ملالي الرَّافضة لما أيَّدوها بخروجهم إلى الشَّوارع. امتدَّت تجاوزت نظام الملالي إلى خارج حدود إيران، من خلال دعْمه الميليشيات الشِّيعيَّة في عدد من البلدان العربيَّة، هي لبنان والعراق واليمن وسوريا؛ بهدف تفتيت تلك البلدان وإعادة تأسيس أنظمتها بعد تقسيمها إلى دويلات طائفيَّة. أمَّا عم مآل تلك الاحتجاجات، فمن الصَّعب التَّكهُّن به في هذه المرحلة، وإن كان المتوقَّع انتشار الفوضى وعدم استجابة النِّظام للمطالبة بالإصلاح الدَّاخلي، بعد أن فات أوان الإصلاح. 

وتنقل شبكة الشَّرق الإخباريَّة عن الدُّكتور عماد آبشيناس، رئيس نقابة مديري مراكز الأبحاث والدِّراسات الإيرانيَّة، رأيه عن صعوبة إقدام النِّظام على الإصلاح الهيكلي، حيث قال “من الصَّعب إن لم يكن من المستحيل أن يبادر أحد أطراف السُّلطة بمحاولة للإصلاح من الدَّاخل؛ لأنَّه يستحيل على النِّظام حلُّ كلِّ المشاكل الَّتي يرفعها المتظاهرون بقرار سياسي أو باستفتاء على دستور جديد”. وممَّا يزيد الموقف صعوبةُ تجدُّد الدَّعوة إلى استقلال الأكراد عن إيران، على غير رضا باقي الشَّعب الإيراني، وإن كان هناك اتِّفاق على المطالبة بإسقاط النِّظام. ويرى الباحث الإيراني المتخصِّص في الشُّؤون الإيرانيَّة، الدُّكتور نبيل الحيدري، أنَّ نظام ملالي الرَّافضة صار في أضعف حالاته، وقد يلجأ إلى التَّضحية ببعض رموزه؛ لضمان بقاء نظام ولاية الفقيه. غير أنَّ اتِّساع نطاق الاحتجاجات الشَّعبيَّة هذه المرَّة قد يصعِّب مساعي النِّظام للاحتفاظ بتوازنه، خاصَّةً مع التَّأييد الدُّولي لتلك الاحتجاجات.

تكثيف تخصيب اليورانيوم في هذه التَّوقيت يثير التَّساؤلات

فشلت الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة في إجبار نظام ملالي الرَّافضة على إحياء الاتِّفاق النَّووي لعام 2015م، بعد عام ونصف من المفاوضات الَّتي احتضتنها العاصمة النَّمساويَّة، فيينا؛ بسبب تعنُّت الجانب الإيراني في فرْض شروط إحياء الاتِّفاق.


وبرغم ادِّعاء النِّظام الإيراني تسخير برنامجه النَّووي لأغراض السِّلميَّة، تبيَّن أنَّ تخصيب اليورانيوم في الآونة الأخيرة قد وصَل إلى درجة 60 بالمائة، بما يكفي لإعداد أسلحة نوويَّة، وفقًا لما كشفت عنه الوكالة الدُّوليَّة للطَّاقة الذَّريَّة التَّابعة للأمم المتَّحدة في 22 نوفمبر 2022م. نقلًا عن شبكة CNN بالعربيَّة، صرَّح المدير العام للوكالة، رافائيل غروسي، في تقرير أعدَّه مؤخرَّا أنَّ نظام ملالي الرَّافضة “بدأ في إنتاج يورانيوم عالي التَّخصيب بنسبة تصل إلى 60 بالمائة باستخدام سلسلتين متتاليتين من أجهزة الطرد المركزي IR-6 في محطة فوردو، بالإضافة إلى هذا الإنتاج الَّذي تمَّ في نطنز منذ أبريل 2021م”. من جانبها، نشرت كلٌّ من بريطانيا وفرنسا وألمانيا بيانًا رسميًّا؛ لإدانة الخطوة الإيرانيَّة الأخيرة، مع التَّعهُّد بمشاورة القوى الدُّوليَّة الفاعلة من أجل إيجاد “أفضل السُّبل لمواجهة التَّصعيد النَّووي الإيراني المستمر”.

ونتساءل: ما علاقة مطالبة أكراد إيران بالاستقلال بتكثيف ميلشيات قوَّات سوريا الدِّيموقراطيَّة (قسد) الكرديَّة استهداف تركيا بهجمات إرهابيَّة؟ وهل يتهوَّر نظام ملالي الرَّافضة بإنتاج سلاح نووي لنشْر الفوضى في المنطقة العربيَّة بما يخدم مشروعه التَّوسُّعي في المنطقة؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى