مختارات

المقالات اللطيفة في تراجم من كان خليفة (126) الدولة العثمانية 9- تابع السُّلْطَان سليم الأول

محمد عبد الحي عوينة

كاتب وداعية إسلامي. إندونيسيا.
عرض مقالات الكاتب



أخذ سليم الأوّل لبلاد الشّام ومصر
أسباب تحول العثمانيين من التوسع فى أوربا إلى الأراضى الإسلامية:
يتساءل بعض العرب عن السبب الذى جعل العثمانيين يتركون جهادهم في الميدان الأوربى، ويتجهون إلى ميدان الشرق الإسلامي، وكان الأولى بهم الحرب في أوربا حيث التكتل الصليبي ضد العثمانيين المسلمين، ويمكن إجمال أسباب توجه العثمانيين لضم الشام ومصر في الآتي:

1 – تنامي الخطر البرتغالي في الخليج العربي، بعد معركة «ديو» سنة (915هـ= 1509م) أصبح البرتغاليون هم أصحاب السيادة على المياه الإسلامية الجنوبية، حتى إنهم أعلنوا عن عزمهم على قصف «مكة» و «المدينة»، وفى الوقت نفسه كانت حالة دولة المماليك الاقتصادية والسياسية والعسكرية سيئة، لا تسمح لهم بحماية المقدسات الإسلامية. (تاريخ الدولة العلية العثمانية ص197، الموسوعة الموجزة في التاريخ الإسلامي 8/ 30، بترقيم الشاملة آليا)
2 – الخلاف على الحدود بين الدولتين في طرسوس في المنطقة الواقعة بين الطرف الجنوبي الشرقي لآسيا الصغرى وبين شمالي الشام. فقد تناثرت في هذه المنطقة إمارات وقبائل تأرجحت في ولائها بين الدولة العثمانية ودولة المماليك. وكان هذا التأرجح مبعث اضطراب في العلاقات بين الدولتين ومصدر نزاع مستمر. وأراد السلطان سليم الأول بادئ ذي بدء أن يحسم مسألة الحدود بالسيطرة التامة على منطقتها وسكانها. (الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط ص185)
3 – تفشي ظلم الدولة المملوكية بين الناس ورغبة أهل الشام وعلماء مصر في التخلص من الدولة المملوكية والانضمام الى الدولة العثمانية، فقد اجتمع العلماء والقضاة والأعيان والأشراف وأهل الرأي مع الشعب، وتباحثوا في حالهم، ثم قرروا أن يتولى قضاة المذاهب الأربعة والأشراف كتابة عريضة، نيابة عن الجميع، يخاطبون فيها السلطان العثماني سليم الأول ويقولون أن الشعب السوري ضاق “بالظلم” المملوكي وإن حكام المماليك “يخالفون الشرع الشريف”، وإن السلطان إذا قرر الزحف على السلطنة المملوكية، فإن الشعب سيرحب به، وتعبيراً عن فرحته، سيخرج بجميع فئاته وطوائفه الى عينتاب -البعيدة عن حلب- ولن يكتفوا بالترحيب به في بلادهم فقط، ويطلبون من سليم الأول أن يرسل لهم رسولاً من عنده، وزيراً ثقة، يقابلهم سراً ويعطيهم عهد الأمان، حتى تطمئن قلوب الناس. (الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط ص185)
ولقد ذكر الدكتور محمد حرب أن هذه الوثيقة موجودة في الأرشيف العثماني في متحف طوب كابي في إستانبول، رقم 11634، وبيَّن أن ترجمة الوثيقة من العثمانية إلى العربية كما يلي: (يقدم جميع أهل حلب: علماء ووجهاء وأعيان وأشراف وأهالي، بدون استثناء طاعتهم وولاءهم طواعية لمولانا السلطان عز نصره وبإذنهم جميعاً؛ كتبنا هذه الورقة لترسل إلى الحضرة السلطانية العالية. إن جميع أهل حلب، وهم الموالون لكم، يطلبون من حضرة السلطان، عهد الأمان، وإذا تفضلتم بالتصريح فإننا نقبض على الشراكسة، ونسلمهم لكم، أو نطردهم، وجميع أهل حلب مستعدون لمقابلتكم واستقبالكم، بمجرد أن تضع أقدامكم في أرض عينتاب، خلصنّا أيها السلطان من يد الحكم الشركسي، احمنا أيضاً من يد الكفار، قبل حضور التركمان، وليعلم مولانا السلطان، إن الشريعة الإسلامية، لا تأخذ مجراها هنا، وهي معطلة، إن المماليك إذا أعجبهم أي شيء ليس لهم، يستولون عليه، سواء كان هذا الشيء مالاً أو نساءً أو عيالاً، فالرحمة لا تأخذهم بأحد، وكل منهم ظالم، وطلبوا منا رجلاً من ثلاثة بيوت، فلم نستجب لطلبهم، فأظهروا لنا العداء، وتحكموا فينا، ونريد قبل أن يذهب التركمان أن يقدم علينا وزيراً من عندكم أيها السلطان صاحب الدولة، مفوض بمنح الأمان لنا ولأهلينا ولعيالنا، أرسلوا لنا رجلاً حائزاً على ثقتكم يأتي سراً ويلتقي بنا ويعطينا عهد الأمان، حتى تطمئن قلوب هؤلاء الفقراء وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله أجمعين). (الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط ص186)
أما علماء وفقهاء مصر فقد ذكر عبد الله بن رضوان في كتابه: تاريخ مصر (مخطوط رقم 4971) بمكتبة بايزيد في استانبول، إن علماء مصر (وهم نفس الشعب المصري وممثلوه) يلتقون سرّاً بكل سفير عثماني يأتي الى مصر، ويقصون عليه شكواهم، ويستنهضون عدالة السلطان العثماني، لكي يأتي ويأخذ مصر.
لقد كان علماء مصر يراسلون السلطان سليم الأول لكي يقدم إلى مصر على رأس جيشه، ليستولي عليها، ويطرد منها الجراكسة (المماليك). (الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط ص186)
4 – رأى علماء الدولة العثمانية بأن ضم مصر والشام يفيد الأمة في تحقيق أهدافها الاستراتيجية، فإن الخطر البرتغالي على البحر الأحمر والمناطق المقدسة الإسلامية وكذلك خطر فرسان القديس يوحنا في البحر المتوسط كان على رأس الأسباب التي دعت السلطان العثماني لأن يتوجه نحو الشرق، فتحالف مع القوات المملوكية لهذا الغرض في


البداية، ثم تحمل العبء الكامل في مقاومة هذه الأخطار بعد سقوط الحكم المملوكي. (الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط ص186)
ونستدل على ذلك بما قاله السلطان سليم الأول العثماني لطومان باي آخر سلاطين المماليك بعد أن هزمه في معركة الريدانية: أنا ما جئت عليكم إلا بفتوى علماء الأعصار والأمصار، وأنا كنت متوجهاً الى جهاد الرافضة (يعني الصفويين) والفجار (ويعني بهم البرتغاليين وفرسان القديس يوحنا)، فلما بغي أميركم الغوري وجاء بالعساكر إلى حلب واتفق مع الرافضة واختار أن يمشي إلى مملكتي التي هي مورث آبائي وأجدادي، فلما تحققت تركت الرافضة، ومشيت إليه. (الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط ص187)
5- فإن السّلطان سليم لمّا سأل عن سبب تأخّر قوافل الذّخيرة عنه، أُخبِرَ أن سبب ذلك سلطان مصر الغوري، فإنه كان بينه وبين شاه إسماعيل محبّة أكيدة ومراسلات، حتى اتهم الغوري بالرفض في عقيدته بسبب ذلك، وموقف المماليك العدائي من الدولة العثمانية حيث قام السلطان قانصوه الغوري (907 – 922هـ /1501 – 1516م) بالوقوف مع بعض الأمراء العثمانيين الفارين من وجه السلطان سليم وكان في مقدمتهم الأمير أحمد. (الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط ص187، تاريخ الدولة العلية العثمانية ص192، سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي 4/ 85، نزهة الأنظار في عجائب التواريخ والأخبار 2/ 41، الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط ص184)
فصمّم السّلطان سليم على قتال الغوري أوّلاً، وكان قانصوه الغوري تحالف مَعَ الشاه إسماعيل لمحاربة الدولة الْعثمانية، فإذا استولى عليه وعلى بلاده توجّه إلى قتال شاه إسماعيل ثانيا. (تاريخ الدولة العلية العثمانية ص192، سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي 4/ 85، نزهة الأنظار في عجائب التواريخ والأخبار 2/ 41، الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط ص184)
وقد أدَّى وقوع الرسائل بين قانصوه الغورى سلطان المماليك، والشاه إسماعيل الصفوى إلى زيادة هُوَّة الخلاف بين الغورى وسليم الأول وقطع أى محاولة للحل السلمى بين المماليك والعثمانيين. (الموسوعة الموجزة في التاريخ الإسلامي 8/ 32، بترقيم الشاملة آليا)
وقد عثرت المخابرات العثمانية على خطاب تحالف سري يؤكد العلاقة الخفية بين المماليك والفرس والخطاب محفوظ في أرشيف متحف طوب قابو في إستانبول. (الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط ص187)
وكان السلطان سليم يريد الكرَّة على الشيعة الصفوية في بلاد فارس ومع توتر الأحداث رأي السلطان سليم تأمين ظهره وذلك بضم الدولة المملوكية الى أملاكه. (الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط ص187)
فتجهّز لأخذ مصر وإزالة دولة الجراكسة عنها بقتل الغوري وأتباعه. (سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي 4/ 85، نزهة الأنظار في عجائب التواريخ والأخبار 2/ 41)
وَلما علم سُلْطَان مصر الغوري بتأهب سُلْطَان آل عُثْمَان لمحاربته أرسل إليه رَسُولاً يعرض عَلَيْهِ أن يتوسط بَينه وَبَين الْعَجم لإبرام الصُّلْح، فَلم يقبل بل طرد السفير بعد أن أهانه، وَسَار بجيشه إِلَى بِلَاد الشَّام قَاصِداً وَادي النّيل. (تاريخ الدولة العلية العثمانية ص192، عجائب الآثار للجبرتي 1/14)
السلطان الغوري:
والجراكسة جنس من الترك في مشارق الأرض لهم مدائن عامرة، وقد أسلفنا أنهم ملك منهم طائفة مصر بعد الأتراك، وآخر الجراكسة هو الغوري المذكور، وذكروا لتوليته أمراً غريبا وذلك أن عساكر مصر لما ولّوا عليهم طهمان الملقب بالملك العادل فما استكمل يوما واحداً حتى هجموا عليه وقتلوه، فما أقدم أحد على السّلطنة، وكانت الأمراء متوفرة، وكلّهم يشير لصاحبه بالجلوس على تخت الملك خوفاً على نفسه من الموت إذا تولّى (نزهة الأنظار في عجائب التواريخ والأخبار 2/ 41)
فاتفقوا على أن يولّوا قانصوه الغوري، ولقّبوه بالملك الأشرف، وإنما إتفقوا عليه لكونه في أول أمره كان ليّن العريكة، سهل الإزالة فأي وقت أحبّوا إزالته أزالوه لقلّة ماله وضعف حاله، فأشاروا له بالتقدم فأبى فألزموه بذلك، فقال: لا أقبل ذلك منكم إلاّ بشرط أن لا تقتلوني، فإذا أردتم خلعي من السّلطنة أخبروني وأنا أوافقكم على ما تريدونه وأترك لكم الملك، وأمضي حيث أشاء، فعاهدوه على ذلك. (نزهة الأنظار في عجائب التواريخ والأخبار 2/ 43)
وكان كثير الدّهاء ذا رأي وفطنة وتيقظ، إلاّ أنّه كان شديد الطّمع فظلم وعسف وبخل، وكان مغرماً مولعاً بالعمارات والأبنية، فمن جملة عماراته الجامع والتربة المشهورين بالغورية في وسط القاهرة بالقرب من الجامع الأزهر وما بين القصرين، وكان في نيته أن يدفن بتربته فأوقف عليها أوقافا كثيرة، وما قدر له دفنه فيها {وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} فلمّا حضرت منيّته ذهب تحت سنابك الخيل (نزهة الأنظار في عجائب التواريخ والأخبار 2/ 43)


وكان يبسط حرمته على الأمراء بالتنزه معهم من غير تشديد عليهم، ولا إظهار عظيم أمر ولا نهي في ابتداء أمره إلى أن تمكّن من قوّته وبأسه (نزهة الأنظار في عجائب التواريخ والأخبار 2/ 43)
فطاولهم بالحيل إلى أن أخذهم واحداً بعد واحد، ويتغافل ثم يجعل حيلة أخرى فيأخذ هذا بهذا ويوقع بينهم الدّسائس، ويدسّ لهم السّمّ في العسل حتى أفنى قرانصتهم ودهاتهم إلاّ قليلا منهم ممّا لا بدّ له، واتخذ لنفسه مماليك جدداً، وأعدّ عُدَداً وعَدَداً، فصاروا يظلمون النّاس ويعسفونهم ويعاملونهم غشماً، وصار هو يقضي عن مماليكه فأظهروا الفساد وأهلكوا البلاد والعباد، ثم إن الغوري صار يصادر النّاس بأخذ أموالهم غصباً وقهراً، وكثرت السّعاية في أيامه بالنّاس لكثرة ما يصغي إلى مماليكه، (نزهة الأنظار في عجائب التواريخ والأخبار 2/ 44)
فصاروا إذا شاهدوا واحداً توسّع في دنياه، أو أظهر التّجمّل في ملبسه ومثواه، سعوا به إلى الغوري، فيرسل إليه الأعوان ويطالبه بالعرض ويستصفي ماله، ويسلّمه إلى الأعوان، والضوباشي ليأخذ ماله، ويهتك أهله وعياله، ويعذّبه بأنواع الأسلحة إلى أن يصير فقيراً، فجمع من هذا أموالا كثيرة وخزائن وسيعة. (نزهة الأنظار في عجائب التواريخ والأخبار 2/ 44)
وأبطل في أيامه الإرث فإذا مات أحد أخذ الغوري جميع ماله وترك أولاده عالة يتكففون، ومن رفق بهم أبقى لهم شيئًا يسيراً يسدّ الرّمق، فاشتد طلبه على الحطام الفاني، وتهالك على الظلم والفساد فعتا عتواً كبيراً، فاستجاب الله تعالى فيه دعاء المظلومين بقطع دابره، (نزهة الأنظار في عجائب التواريخ والأخبار 2/ 45)
مسير السلطان سليم الأول إلى الشام:
موقعة مرج دابق:
لمّا سمع الغوري بخروج السّلطان سليم لقتاله جمع الغوري جنوده وخزائنه وخرج إلى حلب لملاقاة السّلطان سليم. (نزهة الأنظار في عجائب التواريخ والأخبار 2/ 45)
أدرك الغوري أن الحرب بينه وبين العثمانيين واقعة لا محالة، فلجأ إلى تحريض أهل دمشق ليشتركوا معه في حربه ضد العثمانيين، الذين اتهمهم بخيانة فكرة الجهاد الإسلامي في أوروبا، وأشاع أن السلطان العثماني قد استعان بجنود من النصارى والأرمن؛ ليحارب بهم جند الله المجاهدين ضد البرتغاليين، ولكن يبدو أن هذا الأسلوب لم يلق نجاحًا كبيرًا بين أهل دمشق، لاقتناعهم بأن العثمانيين منذ قرون وهم يجاهدون في الميدان الأوروبي، ولم يتخلفوا عن إمداد المماليك أنفسهم بما يلزمهم لقتال البرتغاليين، مثلما حدث في عهد السلطان بايزيد الثاني.(الموسوعة الموجزة في التاريخ الإسلامي 8/ 32، بترقيم الشاملة آليا)
فلمّا التقى الجمعان بمرج دابق قرب حلب إشتد القتال بين الفئتين، وقامت الحرب على ساقها ودارت الدّائرة على الّذين ظلموا، ونصر الله من نصر دينه وقد وقع الْخلاف بَين فرق جَيْش المماليك، وتآمر عليه أمراؤه خير بك والغزالي، فخذلوه وفقدوه وساعدت المدافع العثمانية على النَّصْر، وغار الغوري تحت سنابك الخيل ولم يظهر له خبر إلى الآن. وكان سنه ثَمَانُون سنة (نزهة الأنظار في عجائب الأخبار 2/ 45، تاريخ الدولة العلية العثمانية ص192، موجز التاريخ الإسلامي من عهد آدم إلى عصرنا الحاضر ص331، الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط ص187، عجائب الآثار للجبرتي 1/14)
وَكَانَ ذَلِك فِي يَوْم الاحد 25 رَجَب سنة اثْنَيْنِ وَعشْرين وَتِسْعمِائَة 922هـ =24 اغسطس سنة 1516م. (تاريخ الدولة العلية العثمانية ص192، (موجز التاريخ الإسلامي من عهد آدم إلى عصرنا الحاضر ص331، سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي 4/ 329، الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط ص187)
وَبعد هَذِه الموقعة دخل السُّلْطَان سليم بِكُل سهولة مَدَائِن حماه وحمص ودمشق، وَعين بهَا وُلَاة من طرفه، وقابل من بهَا من الْعلمَاء فاحسن وفادتهم، وَفرق الإنعامات على الْمَسَاجِد، وأمر بترميم الْجَامِع الأموي بِدِمَشْق. (تاريخ الدولة العلية العثمانية ص192)
فأقبلت رايات السّلطان سليم على قلعة حلب الشّهباء، فطلب أهلها منه الأمان، فأجابهم إلى القبول، فخرجوا إلى لقائه بالمصاحف وهم يجهرون بالتّسبيح والتّكبير يتلون: {وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى} ، فقابلهم بالإحسان والإكرام، وتصدّق بأنواع الصدقات، (نزهة الأنظار في عجائب التواريخ والأخبار 2/ 41)
وحضرت صلاة الجمعة فخطب الخطيب باسمه ، ودعا له ولآبائه وأسلافه، وبالغ في المدح والتّعريف، فلمّا سمع قول الخطيب في وصفه «خادم الحرمين الشريفين» سجد شكرا لله تعالى وقال: الحمد لله الذي يسّر لي أن صرت خادم الحرمين الشريفين، وأظهر الفرح والسرور بتلقيبه بهذا اللقب المنيف والاسم الشريف، وخلع على الخطيب الخلع المتعددة وهو على منبره، وزاد في إحسانه بعد ذلك، (نزهة الأنظار في عجائب التواريخ والأخبار 2/ 41، تاريخ الدولة العلية العثمانية ص192)


ثم أقام بحلب أيّاما يسيرة وهو يمهّد الملك ويجري أحكام العدل والسياسة، ويحسن إلى العرب والعجم من كافة الأمم، ثم انتقل بجيوشه إلى الشّام، فعاملهم بالإكرام معاملة أهل حلب، وأمر بعمارة قبة الشّيخ محيي الدّين ابن عربي – رحمه الله تعالى – وأوقف عليه مرتبات كثيرة وجعل له مطبخا يطبخ فيه الطّعام للفقراء المجاورين للضريح المذكور، وجعل عليها متولّيا وناظرا لجمع غلات الأوقاف ويصرفها في وجوهها حيث ما عيّن السّلطان. (نزهة الأنظار في عجائب التواريخ والأخبار 2/ 46)
مسير سليم الأوّل إلى مصر:
بعد الفراغ من إصلاح الشّام، وتفقد أحواله انتقل لإصلاح مصر وتفقد أحوالها، فتوجّه مسافراً لها، فلمّا حاذى القدس والخليل انفرد ببعض خواصه متوجّها لزيارة الخليل وبيت المقدس، وزيارة المشهور من الأنبياء والمرسلين، وأحسن إلى أهل القدس والخليل، وجعل كلّما وصل إلى بلد أحسن إلى أهله وأظهر فيهم العدل، وأزال ظلم الظالمين، عن الخاصّة والعامّة، (نزهة الأنظار في عجائب التواريخ والأخبار 2/ 47)
ويروي المؤرخ سلاحثور صاحب مخطوطة فتح نامه ديار العرب – وكان مصاحباً لسليم- أن سليم الأول كان يبكي في مسجد الصخرة بالقدس بكاءً حاراً وصلى صلاة الحاجة داعياً الله أن يفتح عليه مصر. (الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط ص188)
وَلما وصل خبر موت السُّلْطَان الغوري إِلَى مصر، انتخب المماليك طومان باي خلفاً لَهُ، ولقّبوه بالملك الأشرف واجتمعوا عليه. (تاريخ الدولة العلية العثمانية ص193، نزهة الأنظار في عجائب التواريخ والأخبار 2/ 47)
وأرسل إليه السُّلْطَان سليم يعرض عَلَيْهِ الصُّلْح، وحقن الدماء، شريطة اعترافه بسيادة الْبَاب العالي على الْقطر الْمصْرِيّ، ويحكمهما هو باسمها، ويدفع نظير ذلك خراجًا سنويا، لكن المماليك قتلوا رسول سليم. (الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط ص187، الموسوعة الموجزة في التاريخ الإسلامي 8/ 32 بترقيم الشاملة آليا)
واستعدوا لملاقاة الجيوش العثمانية عِنْد الْحُدُود، فالتقت مقدمتا الجيشين عِنْد حُدُود بِلَاد الشَّام، وهُزِمَت مُقَدّمَة المماليك، وحقق العثمانيون انتصاراً ساحقاً على المماليك في معركة غزة ودخل العثمانيون مَدِينَة غَزَّة على طَرِيق مصر، (تاريخ الدولة العلية العثمانية ص193، الموسوعة الموجزة في التاريخ الإسلامي 8/ 32، الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط ص188)

موقعة الريدانية:
وحشد طومان باي ما قدر عليه، وبرزوا إلى الريدانية خارج مصر ونصبوا المدافع، وتهيؤوا لقتال السّلطان سليم، فأخبرته العيون بصنعهم فعدل إلى ميسرتهم وجاء من خلف جبل المقطّم من وراء عسكر الجراكسة، فانهزموا ورجعوا منكسرين، ودخل السّلطان سليم مصر بعساكره ونزل بساحلها في الجزيرة الوسطانية، وطاف عسكره بالبلد، وأمّنوا الناس، وأزالوا عنهم الخوف والبأس، إلاّ من كان من الجراكسة، فكلّما ظفروا بواحد منهم أمر بضرب عنقه، فعفنت الأرض والنّيل من جيفهم. (نزهة الأنظار في عجائب التواريخ والأخبار 2/ 47، سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي 4/ 329)
دخول القاهرة:
وَسَارُوا نَحْو الْقَاهِرَة حَتَّى وصلوا بِالْقربِ مِنْهَا، وعسكر السُّلْطَان بجيشه فِي أواخر ذِي الْحجَّة سنة 922 بالخانقاه الْمَعْرُوفَة بالخانكة، وَفِي 29 ذِي الْحجَّة سنة 922هـ = 22 يناير سنة 1517م، انتشب الْقِتَال بَين الطَّرفَيْنِ بِجِهَة العادلي جِهَة الوايلي، وَفِي أثناء الْقِتَال قصد طومان باي وَبَعض الشجعان مَرْكَز السُّلْطَان سليم وَقتلُوا من حوله، وأسروا وزيره سِنَان بك، وَقَتله طومان باي بِيَدِهِ ظناً مِنْهُ أنه هُوَ السُّلْطَان سليم نَفسه، وَلم تَنْفَع شجاعتهم شَيْئا بل تغلب عَلَيْهِم بمدافعه ومدافعهم الَّتِي استولى عَلَيْهَا وَقت الْحَرْب. (تاريخ الدولة العلية العثمانية ص193)
وَبعد ذَلِك بِثمَانِيَة أيام، فِي يَوْم 8 محرم سنة 923هـ، دخل العثمانيون مَدِينَة الْقَاهِرَة رغماً عَن مقاومة المماليك الَّذين حاربوهم من شَارِع لآخر، وَمن منزل لآخر، حَتَّى قتل مِنْهُم وَمن أهالي الْبَلَد مَا يبلغ خمسين ألف نسمَة. (تاريخ الدولة العلية العثمانية ص193)
أما طومان باي فالتجأ وَمن بَقِي مَعَه إِلَى بر الجيزة، وَصَارَ يناوش العثمانيين، وَيقتل كل من يأسره مِنْهُم، لكنه لم يلبث أن وَقع فِي أيدي العثمانيين بخيانة بعض من مَعَه،(تاريخ الدولة العلية العثمانية ص193)
طومان باي أسيراً فأمر أن يركب على بغلة ويطوف بالعسكر ويمضي به إلى باب زويلة ويصلب فيه ليراه الناس بأعينهم، ويصدقوا بأنه مُسِكَ، وصلب، وشُنِقَ بأمر السُّلْطَان سليم فِي 21 ربيع الأول سنة 923 هـ = 13 أبريل سنة 1517م، بِبَاب زويله، وَدفن بالقبر الَّذِي كَانَ أعده السُّلْطَان الغوري لنَفسِهِ. (تاريخ الدولة العلية العثمانية ص193، نزهة الأنظار في عجائب التواريخ والأخبار 2/ 47)

احمد عبد الحميد, [٢٧/١١/٢٠٢٢ ١٢:٠٦ ص]وتملك السلطان سليم الديار المصرية والبلاد الشامية. وأقام خير بك نائباً بها كما هو مسطر ومفصل في تواريخ المتأخرين، مثل مرج الزهور لابن إياس وتاريخ القرماني وابن زتبل وغيرهم. وعادت مصر إلى النيابة كما كانت في صدر الإسلام، ولما خلص له أمر مصر عفا عمن بقي من الجراكسة وأبنائهم، ولم يتعرض لأوقاف السلاطين المصرية، بل قرر مرتبات الأوقاف والخيرات والعلوفات وغلال الحرمين والأنبار، ورتب للأيتام والمشايخ والمتقاعدين، ومصارف القلاع والمرابطين، وأبطل المظالم والمكوس والمغارم. (تاريخ عجائب الآثار والأخبار 1/ 37)
وَبعد أن مكث السُّلْطَان سليم بِالْقَاهِرَةِ نَحْو شهر، أقام فِي منيل الرَّوْضَة وأخذ فِي زِيَارَة جَوَامِع الْمَدِينَة، وكل مَا بهَا من الْآثَار، ووزع على أعيان الْمَدِينَة العطايا، وَالْخلْع السّنيَّة، وَحضر الاحتفال الَّذِي يحصل بِمصْر سنويا لفتح الخليج الناصري عِنْد بُلُوغ النّيل الدرجَة الكافية لري الاراضي المصرية. (تاريخ الدولة العلية العثمانية ص193)
ثمَّ حضر احتفال سفر الْمحمل الشريف، وقافلة الْحجَّاج الَّتِي ترسل مَعهَا الْكسْوَة الشَّرِيفَة إِلَى الاراضي الحجازية، وأرسل الصرة الْمُعْتَاد إرسالها إِلَى الْحَرَمَيْنِ الشريفين، بِقصد توزيعها على الْفُقَرَاء من عهد السُّلْطَان مُحَمَّد جلبي العثماني، وأبلغها إِلَى ثَمَانِيَة وَعشْرين ألف دوكاً. (تاريخ الدولة العلية العثمانية ص194)
ويعود انتصار العثمانيين على المماليك إلى مجموعة من الأسباب، منها:
1 – – تفوق العثمانيين التكنولوجى، فسلاح المدفعية المملوكى كان يعتمد على مدافع ضخمة ثابتة لا تتحرك، على حين اعتمد سلاح المدفعية العثمانى على مدافع خفيفة يمكن تحريكها فى كل الاتجاهات.
2 – سلامة الخطط العسكرية العثمانية ومرونتها، من ذلك استدارة القوات العثمانية من خلف مدافع المماليك الثقيلة الحركة، ودخولها «القاهرة» عن طريق المقطم، مما شل دور المدفعية المملوكية، وأحدث اضطرابًا فى صفوف الجيش المملوكى؛ لتدافعهم بلا انتظام خلف العثمانيين.
3 – كره الرعايا للسلاطين المماليك الذين كانوا يشكلون طبقة استقراطية مترفعة منعزلة عن الشعوب.
4 – كثرة الفتن والقلاقل والاضطرابات بين المماليك حول ولاية الحكم مما أدى الى عدم استقرار الحكم في أحرج الأوقات، ووقوع بعض الانشقاقات بين صفوف المماليك، كما فعل والي حلب “خاير بك وجانبرد الغزالي” مما أدى الى سرعة انهيار الدولة المملوكية.
5 – سوء الأحوال الاقتصادية، وبخاصة عندما تغيرت طرق التجارة المارة بمصر واكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح.
6 – ارتفاع معنويات الجيش العثمانى.
7- العامل الجامع للأسباب السابقة ضعف التزام المماليك بمنهج الله ويقابله قوة تمسك العثمانيين بشرع الله. (الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط ص191)
مسألة انتقال الخلافة إلى العثمانيين:
وَمِمَّا جعل لفتح وَادي النّيل أهمية تاريخية عظمى أن مُحَمَّد المتَوَكل على الله محمد بن المستمسك بالله آخر ذُرِّيَّة الدولة العباسية، الَّذِي حضر أجداده لمصر بعد سُقُوط مَدِينَة بَغْدَاد مقرّ خلَافَة بني الْعَبَّاس فِي قَبْضَة هولاكو خَان التتري سنة 656 هـ سنة 1091 م وَكَانَت لَهُ الْخلَافَة بِمصْر اسْماً (تاريخ الدولة العلية العثمانية ص194)
فالمؤرخ ابن إياس المعاصر لضم العثمانيين لمصر لم يتطرق إليها، كما أن الرسائل التي أرسلها السلطان سليم الى أبنه سليمان لم ترد فيها أية إشارة لتنازل الخليفة عن لقبه للسلطان، كما أن المصادر المعاصرة لاتشير الى مسألة نقل الخلافة الى آل عثمان. (الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط ص189)
ويقال أن السلطان سليم الأول أطلق على نفسه لقب “خليفة الله في طول الأرض وعرضها” منذ عام 1514م (920هـ) أي قبل فتحه للشام ومصر وإعلان الحجاز خضوعه لآل عثمان. (الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط ص190)
وتقول إحدى الروايات التاريخية: الخليفة العباسى «المتوكل على الله محمد بن المستمسك بالله» أسر فى موقعة مرج دابق، وكان فى صفوف جيش السلطان الغورى عندما انتصر السلطان سليم، وفى أول صلاة جمعة صلاها السلطان سليم فى الجامع الكبير بحلب، عُدَّ خليفة، وخطب له فى سوريا باعتباره خليفة للمسلمين، وسكت العملة باسمه. (الموسوعة الموجزة في التاريخ الإسلامي 8/ 33، بترقيم الشاملة آليا)
وتقول الروايات الآخرى: أن الخليفة المتوكل تنازل عن الخلافة لبنى عثمان فى مراسم جرت فى «آيا صوفيا» بعد عودته مع السلطان سليم إلى إستانبول، تنازل عَن حَقه فِي الْخلَافَة الإسلامية إِلَى السُّلْطَان سليم العثماني، وَسلمهُ الْآثَار النَّبَوِيَّة الشَّرِيفَة، وَهِي البيرق وَالسيف والبردة، وَسلمهُ أيضا مَفَاتِيح الْحَرَمَيْنِ الشريفين، وقلد السلطان سليماً السيف، وألبسه الخلعة فى جامع أبى أيوب الأنصارى بعد مراسم «آيا صوفيا»، وأنه اشترك فى هذه المراسم علماء الأزهر الذين سافروا إلى إستانبول، وعلماء الدولة العثمانية، وأن

احمد عبد الحميد, [٢٧/١١/٢٠٢٢ ١٢:٠٦ ص]الخلافة انتقلت إلى «بنى عثمان» بقرار هذا المجلس. ، (تاريخ الدولة العلية العثمانية ص194، الموسوعة الموجزة في التاريخ الإسلامي 8/ 33، بترقيم الشاملة آليا)
ولم يغب عن ذهن السلطان سليم الأول أن انتقال الخلافة إلى بنى عثمان يجعل منهم قوة معنوية كبيرة عند المسلمين، ويحد من أطماع أوربا المسيحية فى الدولة العثمانية، ويقضى على الخطر البرتغالى فى جنوب البحر الأحمر. (الموسوعة الموجزة في التاريخ الإسلامي 8/ 32، بترقيم الشاملة آليا)
ولم يكن السلطان سليم مهتماً بلقب الخلافة، وكذلك سلاطين آل عثمان من بعده وأن الاهتمام بهذا اللقب قد عاد بعد ضعف الدولة العثمانية . (الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط ص190)
خضوع الحجاز للعثمانيين:
كانت الحجاز تابعة للمماليك وعندما علم شريف مكة بمقتل السلطان الغوري ونائبه طومان باي بادر شريف مكة “بركات بن محمد ” إلى تقديم السمع والطاعة الى السلطان سليم الأول وسلمه مفاتيح الكعبة وبعض الآثار فأقر السلطان سليم شريف الحجاز بركات باعتباره أميراً على مكة والحجاز، ومنحه صلاحيات واسعة. (الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط ص190)
وبذلك أصبح السلطان سليم خادماً للحرمين الشريفين وأصبحت مكانته أقوى أمام الشعوب الاسلامية وبخاصة أن الدولة أوقفت أوقافاً كثيرة على الأماكن المقدسة، وكانت إيراداتها تصب في خزانة مستقلة بالقصر السلطاني، وقد أدى ضم الحجاز إلى العثمانيين إلى بسط السيادة العثمانية في البحر الأحمر مما أدى الى دفع الخطر البرتغالي عن الحجاز والبحر الأحمر، واستمر هذا حتى نهاية القرن الثامن عشر (الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط ص190)
رجوع السلطان سليم إلى القسطنطينية:
ثم رجع السلطان سليم الأول إلى بلاده وانقطعت الخلافة والمبايعة، وَقد جَاءَ بالجزء السَّابِع من الخطط الجديدة التوفيقية لعَليّ باشا مبارك: وَلم يحجّ من مصر ركب ووصلت الْكسْوَة للكعبة الشَّرِيفَة بحراً صُحْبَة مزهر الْخَادِم ثمَّ لما اسْتَقر مَوْلَانَا السُّلْطَان سليم وتوطد ملكه لمصر وأعمالها وانتظم لَهُ الْملك من دَار الْخلَافَة الإسلامية قسطنطينية إِلَى غَايَة المملكة المصرية أنهى إِلَيْهِ بعض الحساد أَن جَمِيع الْملك وَالسُّلْطَان طرازه الْأَعْظَم ملك الْحَرَمَيْنِ الشريفين (سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي 4/ 329)
وَفِي يوم الخميس لخمس بقين من شعبان سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة (923هـ) اوائل شهر سبتمبر سنة 1517م سَافر السُّلْطَان سليم من الْقَاهِرَة عَائِدًا إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّة، الَّتِي صَارَت من ذَلِك الْوَقْت مقرّ الْخلَافَة الإسلامية الْعُظْمَى، وَكَانَ سَفَره عَن طَرِيق بِلَاد الشَّام، مستصحباً مَعَه الخليفة العباسي آخر بني الْعَبَّاس ، وأخذ صحبته ما انتقاه من أرباب الصنائع التي لم توجد في بلاده بحيث أنه فقد من مصر نيف وخمسون صنعة. (تاريخ الدولة العلية العثمانية ص195، نزهة الأنظار في عجائب التواريخ والأخبار 2/ 48، تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار 1/ 37)
وَعيَّن خير بك والياً على مصر، وَهُوَ اُحْدُ أمراء المماليك الَّذين خانوا طومان باي وانضموا إليه. (تاريخ الدولة العلية العثمانية ص195، نزهة الأنظار في عجائب الأخبار 2/ 48)
وَترك بِالْقَاهِرَةِ حامية كَافِيَة لحفظ الأمن تَحت قيادة خير الدّين أغا الإنكشاري، وَفِي اثناء مروره بصحراء الْعَريش الْتفت لوزيره الأكبر يُونُس باشا، الَّذِي كَانَ فتح مصر على غير رَأْيه، وَقَالَ لَهُ مَا مَعْنَاهُ أنه قد أتم فتحهَا خلافًا لرأيه، فجاوبه يُونُس باشا بَأن فتحهَا لم يعد عَلَيْهِ بِشَيْء، إلا قتل نَحْو نصف الْجَيْش، بِمَا أنه سلمهَا لخائن كَانَ غَرَضه التَّمَلُّك عَلَيْهَا لنَفسِهِ، فَلَا يُؤمن وَلَاؤُه للدولة، فَغَضب السُّلْطَان من هَذَا الْكَلَام الموجه إليه بِصفة لوم، وأمر بقتْله فِي الْحَال فَقتل، وَكَانَ ذَلِك فِي 6 رَمَضَان سنة 923هـ، وَعيَّن مَكَانَهُ بير مُحَمَّد باشا، الَّذِي كَانَ معيناً قَائِم مقَام السُّلْطَان فِي الْقُسْطَنْطِينِيَّة أثناء تغيبه فِي فتح مصر، لِثِقَتِهِ بِهِ بِنَاء على مَا أظهره من أصالة الرَّأْي فِي محاربة الشاه اسماعيل. (تاريخ الدولة العلية العثمانية ص196)
وَفِي 20 رَمَضَان سنة 923 وصل السُّلْطَان إِلَى مَدِينَة دمشق، وَمكث بهَا إِلَى 22 صفر سنة 924 هـ، ثمَّ سَافر إِلَى مَدِينَة حلب بعد أن حضر الاحتفال بإقامة الصَّلَاة أول مرّة فِي الْجَامِع الَّذِي أقامه بِدِمَشْق على قبر محيي الدّين بن الْعَرَبِيّ فِي 24 محرم سنة 924هـ. وَبعد أَن أَقَامَ بحلب مُدَّة شَهْرَيْن سَافر قَاصِداً عَاصِمَة ملكه فوصلها فِي 17 رَجَب سنة 924هـ = 25 يوليه سنة 1518م، ثمَّ ارتحل عَنْهَا إِلَى مَدِينَة أدرنه، بعد عشرَة أيام، قَضَاهَا فِي الاسْتِرَاحَة من اتعاب السّفر وَكَانَ وَلَده سُلَيْمَان معيناً حَاكماً لَهَا مُدَّة غياب وَالِده، وَبعد وُصُول ابيه بِتِسْعَة

احمد عبد الحميد, [٢٧/١١/٢٠٢٢ ١٢:٠٦ ص]أيام استأذنه الأمير سُلَيْمَان فِي السّفر إِلَى ولَايَة صاروخان الْمعِين والياً عَلَيْهَا. (تاريخ الدولة العلية العثمانية ص196)
وَفِي اثناء إقامة السُّلْطَان بِمَدِينَة أدرنه وصل إليه سفير من قبل مملكة أسبانيا، ليخابره بشأن حريَّة زِيَارَة المسيحيين للقدس الشريف، الَّذِي كَانَ قبلاً تَابعاً لسلطنة مصر، وتبعها فِي دُخُولهَا تَحت ظلّ الدولة الْعلية، فِي مُقَابلَة دفع الْمبلغ الَّذِي كَانَ يدْفع سنويا للمماليك، فأحسن السُّلْطَان مُقَابلَته، وَصرح بقبوله ذَلِك، إِذا أرسل ملكه رَسُولا آخر مخولاً، لَهُ حق إبرام معاهدة مَعَ الْبَاب العالي، (تاريخ الدولة العلية العثمانية ص196)
وَكَذَلِكَ أتى إليه فِيهَا سفير من قبل جمهورية البندقية ليدفع لَهُ خراج سنتَيْن متاخر الْخراج الْمُقَرّر عَلَيْهَا، نَظِير بَقَائِهَا فِي جَزِيرَة قبرص. (تاريخ الدولة العلية العثمانية ص197)
وبعد عودته إلى العاصمة إستانبول وجد فتنة شيعية قد اشتعلت فى منطقة «طوقاد» الأناضولية سنة (925هـ= 1519م)، فأرسل إليها أحد قواده فنجح فى إخمادها والقضاء عليها، وأعاد السكون إلى تلك المنطقة. (الموسوعة الموجزة في التاريخ الإسلامي 8/ 34، بترقيم الشاملة آليا)
وَكَانَ فِي هَذِه الْمدَّة مشتغلاً بتجهيز عمَارَة بحريّة لمعاودة الكرة على جَزِيرَة رودس بحراً، وَكَانَ يستعد أيضاً لمحاربة شاه الْعَجم ثَانِيًا، فَجمع خَمْسَة عشر ألف فَارس بِمَدِينَة قيصرية، وَضم إليهم ثَلَاثِينَ ألف جندي من المشاة تَحت قيادة فرحات باشا بيلر بك الأناضول، وأرسل إليهم عدداً عَظِيماً من المدافع والذخائر، لَكِن لم يمهله الْمنون ريثما يتم مَشْرُوع فتح جَزِيرَة رودس (تاريخ الدولة العلية العثمانية ص197)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى