اقتصاد

استثمار رأس المال البشري

مصعب الأحمد

كاتب وباحث وشاعر سوري
عرض مقالات الكاتب


في ألمانيا عندما قامت الحرب العالمية الثانية انتشرت صورة لسيارة “فوكسفاغن” يجرها حصان، ويجلس السايس فوق محركها، والركاب بداخلها، لعدم توفر الوقود والأزمة آنذاك، وصورة أخرى لطفلة تبنى بيتاً من طوب النقود الورقية، التي أصبحت بلا قيمة، مما دفع أحد الكتاب إلى أن يضع عنوانا قال فيه: (لا تظنوا أنكم أقوى وأغنى من ألمانيا، ولكن مع الأوهام، قد تتحول كل أموالكم الى مجرد حديد وورق إن أهملتم الاستثمار بالبشر).
لابد أن نقر بأن أرباب الوظائف، والصناعيون المهرة، هم ذروة سنام التقدم والتطور، في أي أمة من الأمم، ولا قيامة لأمة ليست لديها استراتيجيات وخطى شجاعة في صناعة الإنسان والاستثمار به.

اقرأ: دور التنمية المستدامة في القطاع التعليمي من منظور الفكر الإسلامي

ما تراه اليوم في المجتمعات المتخلفة (اتجار بالبشر)، وليس (استثمار بالبشر)، ولكي نحصل على الموظف والصانع الجدير بالقيام بمهامه، وتطوير المجتمع، وعجلة الإنتاج، لابد لنا من ثلاثية محكمة، تتمثل في (التعليم، والتربية، والتطور)..
(فالتعليم) يجب أن يكون حقيقياً، رصيناً، متدرجاً، ديناميكياً، مواكباً للحضارة، فالأطفال الذين حصلوا على تعليم جيد هم وحدهم القادرون على صناعة التغيير، وإذا أجرينا مقارنة بين المجتمعات التي تهتم بالتعليم الحقيقي، وبين المجتمعات التي تمارس التعليم كهواية، أو رفع عتب عن الإنسانية، نجد أننا نقارن بين الثريا والثرى، ولامجال للقياس في النتائج والمخرجات. ونجد أن أزمة الأمم التي تصنف بالعالم الثالث والرابع هي أزمة تعليم .

تابعنا في فيسبوك


والتعليم الذي نقصده يشمل الشق الأكاديمي بكافة اختصاصاته النظرية والعملية، والمهني، والإبداعي الذي يرعى مراكز الأبحاث والعقول والمواهب، على حد سواء.
ولعمري أي بشر أو دول تعتقد أن (الاستثمار بالتعليم غير مربح).
أرباح الاستثمار بالتعليم لا تقاس بثمن، وأما (التربية) فلا قيمة للتعليم بلا أخلاق تضبط المجتمع، والتربية في أدق تعاريفها، مجموعة أفكار تضبط سلوك الإنسان وتحافظ على مجموعة من القيم التي تجعله يستحق التميز عن باقي المخلوقات وتحفظ بقاء النوع، فلاقيمة لبناء المصانع إذا كان سيسرقها الصانع، ولا لبناء المعامل اذا كان سيهدمها العامل.
ولابد في التربية من ترسيخ الانتماء للمجتمع والوطن ورفع معدلات الشعور بالمسؤولية، فالإنسان الذي يحافظ على نظافة بيته ولايحافظ على نظافة حيه يعتبر أن البيت له والوطن ليس وطنه، فلا قيمة عنده إلا لشخصه ومنفعته، ومثل هذا لن يبني وطناً، بل حظيرة تحيط به، ولا بد في التربية من أن تكون الإدارة الحاكمة، والموجه تتمتع بالقيم الإخلاقية فعن أي تربية تتكلم دولة ليس فيها سيادة للقانون، ولا نظام قضائي نزيه، ولا إعلام مهني صادق؟ وما عساها ستخرج إذا كانت فاقدة للقيم، وفاقد الشيء لايعطيه.
التطور: الذي يجعل المجتمع مستعدا لأي جديد، موازناً في مخرجاته بين اليد العاملة الوظيفة المتاحة، حتى لايكون هناك فجوة بين التعليم وإيجاد الوظائف، وبين التكنولوجيا والحداثة والتسارع العلمي، وإن أي باحث في الحقيقة يدرك أن هناك فجوة كبيرة حاصلة في كثير من المجتمعات، حيث تجد في بعض البلاد موظفين ولاتجد وظائف، أو تجد الخبرة ولا تجد الوظيفة، أو لاتجد تناسباً بين المهرة والحاجة المجتمعية، لأنه ليس هناك خطط استراتيجية ودراسات جدوى تتقن الاستثمار بالرأس المال البشري.


إذا اجتمعت هذه الثلاثة بخطى مدروسة، واستراتيجيات دقيقة، لن تجد مشكلة البطالة، وستقلل الفقر، وسترفع نوعية الإنتاج، والشعب وسترتقى بالبلاد في سنوات بسيطة إلى مصاف الدول النوعية التي تستحق أن يقول فيها التاريخ (إنها كانت دولة عظيمة).
ولا قيام لدولة أو طائفة أو جماعة لا تحسن فن الاستثمار بالعنصر البشري، وستنهار وتتحول إلى إسطبل يحكمه السايسون بالسوط.
الاستثمار بالبشر هو أعظم قواعد ونتائج التنمية المستدامة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى