سياسةمختارات

مستقبل سوق النَّفط في ظلِّ التَّحدي الرُّوسي-السَّعودي لأمريكا


د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب

مع دخول الحرب الرُّوسيَّة-الأوكرانيَّة شهرها العاشر وتصاعُد الصِّراع المسلَّح دون أدنى إشارة إلى قُرب حلحلة الأزمة وانتهاء الحرب، تتزايد الأزمة النَّفطيَّة العالميَّة المتفاقمة نتيجة لاندلاع تلك الحرب، والمتجلِّية في الارتفاع الملحوظ في أسعار الوقود، لا سيِّما في الدُّول الغربيَّة الَّتي يزداد اعتمادها على الوقود في فصل الشِّتاء. سعت إدارة الرَّئيس الأمريكي، جو بايدن، منذ اندلاع الحرب في فبراير الماضي إلى الوصول إلى آليَّة فعَّالة لتلافي تبعات الحرب، وبخاصَّة فيما يتعلَّق بنقص الوقود والغذاء، وكان من بين مساعي الإدارة الأمريكيَّة إقناع المملكة العربيَّة السَّعوديَّة بزيادة إنتاج النَّفط؛ من أجل تحقيق فائض في الوقود يفضي بدوره إلى خفْض أسعاره. غير أنَّ المملكة النَّفطيَّة، المنتج الأكبر للنَّفط في المنطقة العربيَّة، لم تستجب لمساعي إدارة بايدن، حتَّى عند زيارة الرَّئيس شخصيًّا إلى المملكة منتصف يوليو الماضي. 

تابعنا في فيسبوك

وما زاد الأمر تعقيدًا إعلان منظَّمة أوبك بلس للدُّول المنتجة للنَّفط في آخر اجتماع لها مطلع أكتوبر الماضي تخفيض الإنتاج اليومي للنَّفط بمعدَّل مليوني برميل؛ ما أثار استياء إدارة بايدن، وشجَّع بعض السِّياسيين الأمريكيين على المطالبة بعقوبة رادعة لإدارة وليِّ العهد السَّعودي الشَّاب، الأمير محمَّد بن سلمان، بعد تحدِّيها الإدارة الأمريكيَّة. من ناحية أخرى، تنوي مجموعة الدُّول الصِّناعيَّة السَّبع الكبرى (G7) فرْض سقف لسعر برميل النَّفط الرُّوسي بدءًا من 5 ديسمبر المقبل؛ بهدف تقليص الموارد الماليَّة الَّتي تعتمد عليها روسيا في تمويل حربها على أوكرانيا. وبالطَّبع، ما كانت إدارة الرَّئيس الرُّوسي، فلاديمير بوتين، لتقف صامتة حيال تلك الخطوة، الَّتي تستعدُّ للرَّد عليها بتخفيض إنتاج النَّفط وإيقاف تصديره للدُّول السَّبع الكبرى، وفي ذلك ما ينذر بمعاناة أوروبَّا، ليس فقط من صعوبة الحصول على وسيلة للتَّدفئة في الشِّتاء شديد البرودة، إنَّما كذلك من الرُّكود الاقتصادي النَّاجم عن تعطُّل المصانع من جرَّاء شحِّ الوقود!

روسيا تحذِّر من محاربة قطاعها النَّفطي

وجَّه نائب رئيس الوزراء الرَّوسي، ألكسندر نوفاك، تحذيرًا إلى مجموعة الدُّول الصِّناعيَّة السَّبع الكبرى، وهي كندا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا واليابان والمملكة المتَّحدة والولايات المتَّحدة، من مغبَّة خطوة فرْض سقف لسعر النَّفط الرُّوسي، مشيرًا إلى أنَّ بلاده ستتَّجه إلى تخفيض إنتاجها النَّفط بمعدَّل 1.5 إلى 1.8 مليون برميل في اليوم، إلى جانب إيقاف ضخِّ النَّفط الَّتي الدُّول الَّتي ستتعامل بالسِّعر الَّذي ستفرضه الدُّول الصِّناعيَّة السَّبع. وبرَّر وزير الخارجيَّة الأمريكي، أنتوني بلينكن، تلك الخطوة بأنَّها آليَّة لمعاقبة روسيا على حربها ضدَّ أوكرانيا، متجاهلًا احتمال وجود تبعات سلبيَّة لتلك الخطوة، حيث قال “تريد (روسيا) بيع الطَّاقة من أجل تمويل الحرب ضدَّ أوكرانيا، ولكن على الأقل وضْع سقف لذلك يجعل الجوانب السَّلبيَّة لروسيا تستمرُّ في بيع الطَّاقة بشكل أقل، مع التَّأكُّد من استمرار بقاء الطَّاقة في السُّوق”. 

وقد أوضح الخبير في استراتيجيات الطَّاقة، نايف الدَّندني، في حوار له مع موقع العربيَّة الإخباري أنَّ سعر برميل النَّفط الرُّوسي، وفق القرار الجديد لمجموعة الدُّول الصِّناعيَّة السَّبع الكبرى، سيتراوح بين 40 و60 دولارًا للبرميل، وهو سعر متدنٍ جدًّا لن تقبله روسيا. وأضاف الدَّندني أنَّ تعامُل روسيا مع ذلك القرار سيكون قاسيًا مع تراجُع وضعها الاقتصادي، وسينعكس سلبًا على تعاملات سوق النَّفط العالميَّة، قائلًا “ردُّ الفعل المتوقَّع إلى الآن من الجانب الروسي قد يكون عنيفًا؛ لأنَّ التَّأثير سيكون كبيرًا على عائدات النَّفط، في ظلِّ أنَّ الاقتصاد الرُّوسي يختنق بسبب العقوبات الماليَّة الأخرى، والنَّفط هو العائد الأكبر الَّذي قد ينقذ الاقتصاد المحلِّي”.

استمرار التَّعنُّت السَّعودي في مواجهة الضُّغوط الأمريكيَّة

لم ترضخ المملكة العربيَّة السَّعوديَّة للضُّغوط الأمريكيَّة لزيادة إنتاجها النَّفطي، حتَّى مع التَّهديد بتفعيل قانون نوبك لمعاقبة الدُّول المحتكرة للنَّفط، أو تجريد وليِّ العهد السَّعودي من الحصانة أمام القضاء الأمريكي. ويبدو أنَّ إدارة بايدن أرادت المهادنة واستعادة ودِّ السَّعوديَّة من خلال التَّراجع عن تهديدها بمحاكمة وليِّ العهد الشَّاب بتهمة التَّحريض على قتْل الصُّحافي السَّعودي، جمال خاشقجي، في أكتوبر 2018م؛ فأرادت جسَّ النَّبض من خلال إشاعة أنَّ المملكة تنوي زيادة إنتاجها اليومي من النَّفط خلال الاجتماع المقبل لأوبك بلس مطلع ديسمبر المقبل.


غير أنَّ وزير الطَّاقة السَّعودي، الأمير عبد العزيز بن سلمان، نفى ذلك جملةً وتفصيلًا، بل وألمح إلى إمكانيَّة تخفيض الإنتاج من جديد، حيث صرَّح بقوله “من المعروف، ولا يخفى على أحد، أن أوبك بلس لا تناقش أي قرارات قبل اجتماعاتها، علمًا بأنَّ الخفض الحالي، ومقداره مليونا برميل يوميًّا من قِبل أوبك بلس سيستمرُّ حتَّى نهاية عام 2023، وإذا دعت الحاجة لاتِّخاذ مزيد من الإجراءات بخفض الإنتاج لإعادة التَّوازن بين العرض والطَّلب، فنحن دائمًا على استعداد للتَّدخُّل”.

ومن المفارقات الدَّاعية إلى الدَّهشة أنَّ في مقابل تهافُت إدارة بايدن على زيادة إنتاج النَّفط السَّعودي، نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكيَّة مقالًا تحت عنوان “داخل استراتيجيَّة السَّعوديَّة للإبقاء على العالم مدمنًا على النَّفط، ندَّدت فيه بمحاولات المملكة الاستمرار في إنتاج النَّفط الأحفوري المضرِّ بالبيئة. وكشف الصَّحيفة الأمريكيَّة عن أنَّ السَّعوديَّة تنفق مليارات الدُّولارات للضَّغط من أجل عدم الدَّعوة إلى تقليص الاعتماد على النَّفط الملوِّث للبيئة، مشيةُ إلى أنَّ البيان الاجتماعي لقمَّة المناخ الأخيرة في مصر قد فشل بعد “اعتراضات من السَّعودية وعدد قليل من منتجي النَّفط الآخرين في تضمين دعوة للدُّول للتَّخلُّص التَّدريجي من الوقود الأحفوري”.

ونتساءل: كيف ستتعامل إدارة بايدن مع استمرار تحدِّي إدارة بن سلمان لإرادتها بشأن إنتاج النَّفط؟ وكيف ستتأثَّر أوروبَّا بقرار روسيا تخفيض إنتاجها النَّفطي وحظْر تصدريها للدُّول الَّتي تعاديها؟ وما تفسير فتْح ملفِّ إضرار النَّفط الأحفوري بالبيئة في هذه الفترة تحديدًا؟ 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى