دين ودنيا

الحسبة في الإسلام

طريف مشوح

كاتب وباحث سوري
عرض مقالات الكاتب

دخلت عليه محله فوجدت الدموع تملأ عينيه.. سألته ما الأمر؟ أجابني وهو يكاد ينفجر.. مقهور؟!! ومن قهرك؟ قهره الله.. قلت محاولا تهدئته.

قال: تصور امرأة تضرب في الشارع العام في رابعة النهار والطريق مملوءة بالبشر ولا أحد يستطيع أن يعترض أو يكف الأذى عنها!!!

وتابع متى كنا نقبل الاعتداء على أنثى ونسكت عنه ولا نهب لنجدتها؟ سألته ومن ضربها يا صاحبي ؟ قال عناصر الحسبة. ضربوها بكل عنف وحقد إلى أن أوقعوها على الأرض شبه مشلولة.
كان ذلك أيام ظلم داعش وظلام ليلها.
فما هي الحسبة؟ وما وظيفتها في المجتمع وأي دور تقوم به فيه؟
الحسبة إحدى الولايات السلطانية في الدولة الإسلامية كولاية القضاء وولاية المظالم وولاية المال ..إلخ.. وقد جعلها الشارع قائمة على الأمر بالمعروف وناهية عن المنكر.
والحِسبة بكسر الحاء جاءت من احتسب يحتسب احتسابا وحسبة وهي تأخذ معنيين:
الأول: بمعنى الأجر .. جاء في اللسان (الحسبة مصدر احتسابك الأجر على الله تقول فعلته حسبة واحتسب فيه احتسابا والاسم الحسبة بالكسر وهو الأجر).
الثاني: بمعنى الإنكار والردع.. جاء في القاموس (احتسب عليه بمعنى أنكر ويقال احتسب فلان عليه أي أنكر عمله القبيح).
أما الحسبة اصطلاحا فهي (رقابة إدارية تقوم بها الدولة -عن طريق وال مختص – على أفعال وتصرفات الأفراد لصبغها بالصبغة الإسلامية: أمر بالمعروف ونهي عن المنكر وفقا لأحكام الشرع وقواعده) . فهي إذاً امر بالمعروف إذا ظهره تركه ونهي عن المنكر إذا ظهر فعله وإصلاح بين الناس.
وقد عرّف ابن خلدون “الحسبة”، فقال (هي وظيفة دينية واجتماعية واقتصادية وأخلاقية من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).
كما جعل عملها مكملا لوظيفة القضاء.
ويسمى الذي يعمل في الحسبة(المحتسِب) ويسمى أيضا صاحب السوق كون عمله يتركز في الأسواق بهدف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومراقبة التجار وأرباب الحرف والمهن الخدمية وكذلك مراقبة الأسعار والموازين والغش في الصناعات والبياعات..الخ..

ويقوم المحتسب في هذه الحالة بإتلاف البضائع الفاسدة والمواد المغشوشة ومعاقبة صاحبها.
ومن مهامها أيضا ملاحقة الدجالين والمشعوذين والسحرة وانزال اقسى العقوبات بحقهم.
وله أيضا مهمة أخرى تتمثل بمراقبة الأخلاق العامة مثل شرب الخمر ومراقبة الناس في الطريق وكذلك مراقبة العبادات مثل الإفطار في رمضان وأداء الصلوات الخمس في أوقاتها وأداء الجمعة والجماعات ويضرب ويسجن من لم يلتزم بذلك كما يتعهد الأئمة والمؤذنين فمن فرط منهم في حقوق عمله الزمه بها.
وعلى من يتولى الحسبة ان بكون ممن اشتهروا بالعلم والصلاح والورع والتقوى مع القوة والهيبة والمكانة المرموقة في المجتمع.
أما المحتسّب عليه فهو المنكّر عليه قبيح عمله واصطلاحا هو من راقب والي الحسبة افعاله وتصرفاته وعمل على صبغها بالصبغة الإسلامية وفقا لأحكام الشرع وقواعده.
أصلها التاريخي:
أكدت كتب السنة والسيرة أن الحسبة موجودة منذ أيام الرسول عليه الصلاة والسلام ومنذ عهود الخلفاء الراشدين .
وقت ثبت أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما رأى الناس يعبدون الاصنام طلب منهم ان يعبدوا الله وحده وعندما رآهم يتعاملون بالربا حرمه عليهم ونهاهم عنه كما نهاهم عن كثير من المعاملات التجارية لحرمتها وقد حرم عليه الصلاة والسلام الغش فقال: (من غش ليس منا) وفي كتب السيرة والحديث الكثير مما يدل على ذلك.
وسار على دربه الخلفاء الراشدون.
وعندما انشغل الرسول والخلفاء بتصريف أمور الدولة والمسلمين وتجييش الجيوش كلفوا امور الحسبة لمن يثقون به من المسلمين حيث كلف الرسول صلى الله عليه وسلم سعيد بن العاص بن امية على سوق مكة بعد الفتح وكلف عمر بن الخطاب على سوق المدينة.
وعندما ولي الخلافة سيدنا عمر كان يباشر الحسبة بنفسه وله فيها أحاديث وحوادث كثيرة منها أنه كان يؤدب من يتعرض للنساء بعشرين جلدة وهدد من يشبب من الشعراء بامرأة بالجلد.. ورأى رجلا خلط اللبن بالماء ليبيعه فأراقه عليه.. وأركب شاهد الزور دابة مقلوبا بعد أن سود وجهه ومثلها الكثير الكثير.
وعندما كّثرة مهامه ولى على الحسبة من يثق به..وسار على دربه الكثير من الخلفاء بعده.
وهكذا نجد أن الحسبة ترجع في وجودها واحكامها الى الشرع الحكيم ومنه تستمد احكامها ونظمها فما كان من أصل الشرع أقرته وما كان غريبا عنه أبعدته وحذرت منه.
وقد تتفاوت شدة وسهولة الاحكام التي يطبقها المحتسبون تبعا لاختلاف البيئات والظروف كما يمكن أن تكون دائرة الحسبة في عصر أوسع منها في عصر آخر.
نخلص من هذه العجالة أن الحسبة من الولايات المهمة في المجتمع الإسلامي لها دورها وتأثيرها فيه وفي علاقات المسلمين بين بعضهم البعض وقد يشتد تطبيقها وقد يتهاون فيه، ولكني وبكل حيادية أقول إن أسوء تطبيق لها كان أيام داعش الطغيان والظلام.

المراجع:
= الحسبة في الإسلام لابن تيمية.
= الحسبة في الإسلام دراسة مقارنة رسالة ماجستير.
= عدد من المقالات التي تتعلق بالموضوع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى