المختصر الحاوي لأهم أفكار كتاب ” السياسة الشرعية ” للشيخ القرضاوي ..أسس ومرتكزات فقه السياسة الشرعية
أولا : فقه النصوص في ضوء المقاصد ( 223 – 286 )
36- تحت هذا العنوان قرر الشيخ أن أول ما يرتكز عليه فقه السياسة الشرعية ، هو فقه النصوص في ضوء المقاصد ، ورأى أن المقاصد هي الثوابت التي تحفظ للأمة هويتها ووحدتها ، ثم استفاض في استقصاء هذه الثوابت ، ذاكراً النظام الفكري والتربوي والتشريعي ، المؤسس على عقيدة التوحيد والرسالة والجزاء في الآخرة ، وذكر الشعائر العبادية والقيم الأخلاقية ، وذكر الفضائل بأنواعها .
اقرأ: المختصر الحاوي لأهم أفكار كتاب ” السياسة الشرعية ” للشيخ القرضاوي (3 من 6)
37- ثم قسم الفقهاء – عبر تاريخ الإسلام – من حيث نظر المقاصد والإرجاع لها ، إلى مدارس ثلاث ؛ ( مدرسة أهل الظاهر الذين يتشبثون بحَرفية النصوص ، ومدرسة المعطلين للنصوص الذين أسماهم المعطلة الجدد ، الذين يتذرعون بتحكيم المقاصد تفلتا وتغريبا ، ثم ذكر المدرسة الثالثة التي وصفها بالوسطية ، ورآها سبيل المؤمنين والتي تجسد حقيقة الإسلام ، معللا تقييمه هذا بأنها ترد الفروع للأصول والنصوص الجزئية للكلية ، وتجمع بين النص ومقصوده ) .
38- ثم انتقل لمناقشة وتقييم كل واحدة من هذه المدارس الثلاث ؛ وبدأ بمدرسة أهل الظاهر ، فجاء في تقييمه :
أ) أن أصحاب هذه المدرسة – رغم إخلاصهم وتعبدهم – إلا أنهم أساؤوا في القضايا الحديثة التي تعتبر تحديات للفكر الإسلامي وقدرته على مجاراة المصالح العامة وروح العصر ؛ كقضية المرأة وانتقاصهم حقوقها السياسية والوطنية ، وقضية مواطني دولنا من النصارى ، وحرفية تطبيق أقوال الفقهاء بحقهم ، وذكر إصرارهم على عدم تحديد مدة ولاية رئيس الدولة ، وذكر منعهم الاقتباس مما عند الآخرين مما لا صورة عقدية له كالديموقراطية والأحزاب والابتكار في أساليب الدعوة .
ب) ثم ساق نقولات تؤكد منهج الصحابة في نظر لمقاصد ؛ فنقل عن عمر وعثمان وعلي ومعاوية ومن بعدهم عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنهم أجمعين في مسائل كثيرة ، شكلت بمجموعها منهج الأمة في نظر مقاصد الشرع ، ونوه بأن جمهور علماء الأمة متفقون على أن الشريعة إنما أنزلت لتحقيق مصالح العباد في المعاش والمعاد ، وأن معرفة ذلك يتأتى بتتبع النصوص وتعليلاتها المختلفة ، مؤكدا أن هذا هو منهج الصحابة الكرام ، ومشيدا بقول ابن القيم ” إن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد ” .
ج) وعرّج على نماذج من أخطاء الظاهريين القدامى والمحدثين :
* فذكر تحريم ابن حزم توضؤ من يبول في ماء راكد ثم يتوضأ منه ، في حين جوّز ذلك لغير البائل ، بل وجوّزه للبائل نفسه إن بال قربه ثم جرى إليه بوله على أنه لم يبل فيه مباشرة ، وكل ذلك للعبارة التي جاءت في حديث ” لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل منه ” .
* وذكر رفض الظاهريين الجدد أخذ القيمة بدل العين في زكاة الفطر والكفارات وزكاة المال ، وإصرارهم على إشهاد رجلين في إثبات هلال الشهر رافضين ما يوصل إليه علم الفلك في ذلك ، وذكر إسقاطهم الثمنية عن النقود الورقية ، ثم بناؤهم على ذلك جواز الربا فيها ، وعدم وجوب زكاتها ، وأمثلة أخرى .
39- ثم تناول المدرسة التي أسماها ( مدرسة التعطيل للنصوص ) فجاء في مناقشاته على هذه المدرسة :
أ) أنها تقوم على نظرية محضة لا وجود لها في أرض الواقع ؛ هي ( إمكان التعارض بين النصوص القطعية والمصالح الحقيقية ) ، ووصف هذ النظرية بالغفلة التي تنطوي على اتهام المشرع بأنه لا يعلم مصالح عباده ، أو أنه يريد بهم العسر والحرج ، وهذا منفي بالنصوص القاطعة ، كقوله تعالى : ( يريد بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) .
ب) ثم ذكر طائفة من مقولات هذه المدرسة ؛ مثل زعمهم أن الصلاة تعطل العمل ، وأن الزكاة تنشر البطالة ، وأن إباحة الزنا والبغاء وشرب الخمر تشجيع السياحة .. متذرعين في كل ذلك بمصالح توهموها ، وأن يرفض الشرع – في قولهم – لا يرفض حكم المصالح التي تعرف بالعادة والتجربة ، وقد وتتغير بين زمان التنزيل وزمان التطبيق .
ج) ووصف أهل التعطيل بأنهم قلة ، ولكن صوتهم عال ، وأنهم يتمسكون بشبهات ، وأنهم لا يفهمون أن الشرع ينظر للمصالح نظرة شمولية ؛ كلية وجزئية ، جماعية وفردية ، عالمية ومحلية ، دائمة وآنية ، معنوية ومادية ، أخروية ودنيوية .
د) ورد على الدكتور عبد الحميد متولي – أستاذ القانون الدستوري ، الذي استدل للتعطيل بإيقاف النبي صلى الله عليه وسلم حد السرقة حال الحرب لمصلحة الحؤول دون انتقال السارق لمعسكر العدو ، فأرجع هذا الفعل من رسول الله صلى الله عليه وسلم لاعتباره تقييدا للقرآن بالسنة ، كتقييدات أخرى جاءت بها السنة عندما جعلت القطع في الرسغ لا لكل اليد .
40- وأما المدرسة التي يتبناها ويصفها بالوسطية ؛ فجاء في تعريفه بها :
أ) أنها تؤمن بتعليل الأحكام ، وأن هذه العلل تقوم على مصلحة الخلق في المعاش والمعاد ، ولذلك كان النص الحكيم يتبع الكثير من الأحكام – خاصة – تلك المتعلقة بالمعاملات بين الناس ببيان عللها وحِكَمِها ومصالحِ العباد المترتبة عليها .
ب) ولكنه جعل قيدا على نظر هذه المدرسة للمقاصد والمصالح وتعليل الأحكام ؛ بأن العبادات مبناها على التعبد دون النظر للمعاني والمقاصد ، وأن مبنى العاديات والمعاملات على المعاني والمقاصد والحكم .
ج) ثم لفت لاستثناءات ؛ فذكر إمكان فهم الحكمة في بعض العبادات ؛ كحكمة قصر صلاة المسافر ، وجعل الصلوات المفروضة خمسا لا سبعا ، وابتداء الصلاة بالتكبير وانتهائها بالتسليم ، وذكر في المقابل بعض العاديات والمعاملات التي قد لا تفهم حكمتها على وجه اليقين ، مثل جعل عقوبة الزاني مائة جلدة وعقوبة القاذف ثمانين ، وجعل فروض التركة بين السدس والثلث والثلثين والثمن والربع والنصف .