ثقافة وأدبمقابلات

فواز العلو، لرسالة بوست: رواية دولة العبث ليست سيرة ذاتية بل ذاكرة مجتمع كامل

رسالة بوست

صبغت المأساة السورية أعمال الأدباء السوريين، واستلهموا من قصص القتل والتهجير والتغيير الديمغرافي ،روايات واقعية كانوا شاهدي عيان على كثير منها ، بل نستطيع القول :إن كثيرًا من الروايات التي أرّخت للأحداث المأساوية كانت في واقع الأمر سير ذاتية لكتّابها أو جزء من حياتهم ولاسيما سنوات الثورة بكل ما حملت من أحداث جسام .
ولعل رواية دولة العبث للكاتب السوري فوّاز العلو لا تخرج عن السيرة الذاتية ، رغم نفي الكاتب أنها سيرة ذاتية بقدر ما تؤرخ لمرحلة تمتد لأربعين سنة من الفساد والإفساد والاحتقان الشعبي ، وتطرح سؤالًا لماذا وصلنا إلى هذه النتيجة ، والأهم لماذا كانت الثورة واجبة ؟

عن الرواية يقول د. مصطفى عبد القادر : رواية (دولة العبث) وثّقت وأرّخت لمرحلة مفصلية من حياة سورية عبر مجموعة طلاب قدموا إلى العاصمة دمشق للدراسة ظنًا منهم أنّ مساحة الحرية بمضمونها الأعم ستكون أوسع مدى من مناطقهم النائية، فحاولوا ممارستها ضمن سقف أحلامهم عبر أفعال سياسية، ومداولات اجتماعية، لكنهم انكمشوا بعد أن تجلت لهم حقائق صادمة فاقت كل تصوراتهم وتخميناتهم، فالقتل، والاعتقال، والتعذيب لم يكن حالة طارئة في بلد تسوسه (العقلية البراغماتية) التي زرعت الرعب في قلب كل مواطن، وجذّرت الخوف بين أبناء الأسرة الواحدة، رافق ذلك فساد طاغ شبه علني تغلغل في مناحي الحياة كافة، ما أدى إلى محو طبقات، وبروز أخرى لم تكن تحلم بالثراء غير المشروع الذي زاد من نفوذها وتبغددها، فدولة العبث أظهرت الوجه القبيح لنظام متعفن رائحته ضربت الأنوف، وقسوته تجاوزت كل حدّ معقول، وسوطه أفقد الشعب كرامته المشروعة والشرعية وجرده من أبسط حقوقه، ما أدى إلى ضعف خيط الانتماء بين المواطن والوطن، إلى أن جاءت(الصرخة الكبرى) بوجه الظلم، والتي أفقدت النظام توازنه فعمل على تدمير الوطن وإفراغه ،ما دفع بالملايين من أبنائه إلى البحث عن الأمان في بلدان أخرى عبر نزوح تساوت فيه الحياة مع الموت تاركين وراء ظهورهم بلدًا استوطنت فيه الغربان وعشش في جنباته البوم، وتحكّم في رقاب من بقي كل أفاق فجور.

د. مصطفى عبد القادر

رسالة بوست زارت الكاتب فواز العلو في منزله بألمانيا وكان لها معه هذا الحوار
شخوص الرواية حقيقيون أم متخيلون ؟
قبل أن أذكر لكم عن شخوص الرواية ، دعني أقول إن ما سطرته في هذه الرواية هي ذاكرة مجتمع على مدى أربعين عامًا ، اتخذت من ظروف حياتي إطارًا لها ، فالرواية تبدأ من دمشق ، وتحديدًا طلاب من جامعة دمشق، شخوص الرواية شخصيات وهمية ، لكنها مستمدة من واقع الحياة الاجتماعية والسياسية السورية ، وكنت الشخصية الحقيقية بينهم “عادل” ، بطل الرواية “جبران” رجل مسيحي ، وأحببت أن أرمّز من خلاله إلى الألفة المجتمعية التي كنّا عليها قبل حكم الأسد ، وأن الاستبداد كان على جميع مكونات الشعب السوري ، من خلال دخول جبران المعتقل ، وكذلك مقتل جبران بعد ذلك بعقود في اعتصام الساعة بحمص دلالة على كذبة حماية النظام للأقليات أو أن الثورة كانت من طيف واحد . عودتي لديرالزور كانت مختلفة ، فقد خرجت طالبًا غرّا وعدت خريجًا أو أكثر نضجًا، هذه الشخصية التي ستتفاعل مع أحداث كبرى جرت في سوريا
اخترت شخصية من خارج ديرالزور ليروي عنها ؟
شخصية مدرس الرياضيات القادم من خارج المحافظة كذلك شخصية متخيلة ، والسبب باختياري لها أنّ كثيرًا من مدرسي المواد العلمية ولاسيما الرياضيات كانوا من الغرباء ، ولهذا أردت أن يكون الرواي عن ديرالزور شخصية من خارج المحافظة . وأن يكون القص بلسان من سكنها وليس أحد أبنائها ، هنا حاولت أن أتقمّص الشخصية كيف تفكر ؟ ما الذي أعجبها ؟ ما الذي أغضبها أحزنها أفرحها … كيف رأت العلاقات المجتمعية في هذا المجتمع الذي أراد له النظام أن ينفصل عن الوطن “نفسيًا” وهو جزء أساس منه وسلّة خيراته!
كيف وظّف النظام النسب لآل البيت لتقويته طائفيًا ؟
هذا من المضحك المبكي ، وقد جرى معي ذلك في الرقة حيث عملي ، في المدينة التي تتكون من قبائل عربية “سنية” فقد اكتشفت التخطيط الطائفي لهذا النظام ، وكيف يعمل على السيطرة على مناطق الثروة في سورية من خلال استمالة قبائل بعينها بذريعة أن هذه القبائل ينتهي نسبها إلى آل البيت ، فقد كانت السيطرة في الرقة لرياض شاليش وشقيقه يعيثان بها فسادًا، وفي يوم من الأيام جاءني نقيب من أمن الدولة ، وقال لي أنت علوي ؟ قلت له كيف ؟ قال أنت من قبيلة “البوخابور” وهي قبيلة تنتمي لعلي بن أبي طالب ، تستطيع أن تفعل ما تريد ،ونحن نحميك ، وجهز نفسك لمنصب كبير في الوظيفة! المفاجأة أن المعرفة كانت بسبب أحد الزملاء في عملي كنت أحسبه من أهل الرقة ، فإذ به يخبرني أنّه من الطائفة العلوية ، وأن جده وفد إلى الرقة في أواخر الحكم العثماني ، وولد والده في الرقة ! كانت صدمة لي فلم أعش يومًا حبيس فئة أو مذهب أو معاد لطائفة من طوائف الشعب السوري .

ركزت في روايتك على مسيحيي سوريا واتهمت النظام بالعمل على تهجيرهم منذ السبعينيات؟
تقصدت الكتابة عن حي الطبّالة الذي لم أعش فيه لكني أعرف تفاصيله الدقيقة، أعرف بؤسه وفقره ومن يضطر للسكن فيه ، فيبكي في داخله أول ما يسكنه ولكنه يبكي عليه عندما يغادره ، في هذا الحي وهذا البيت الذي سكن فيه بطل الرواية ، اخترت أصدقاء منهم مسيحيون ، وكيف كانت هجرة المسيحيين من سوريا من خلال لبنان أيام احتلال جيش النظام للبنان وكيف كانت تتم هذه الهجرة إلى أوربا عبر قوات النظام ذاتها التي لم تكتف باحتلال لبنان وفتح معابر التهريب وضرب الاقتصاد بل أصبحت تتاجر بالبشر أيضًا من خلال تأمين طريق الهجرة للمسيحيين السوريين ، كذلك جعلت بطل الرواية جبران الشاب المسيحي الذي كان ثورة بذاته ، وهو ينتقد النظام منذ 1975 وصولًا للاعتقال ومن ثم مقتله في اعتصام الساعة بحمص كما ذكرت ، ما أردت قوله إن النظام طائفي أقلوي ، وليس حاميًا للأقليات ، وإن الشعب السوري لا يعاني من مشكلة المذهب أو الانتماء الديني أو الطائفي بل إن النظام هو من زرعها واستثمرها في ثورة الشعب السوري .
هل كانت الثورة نتيجة طبيعية ؟
مجمل ما كتبته أو دعني أقول بأني وجيل غيري كنا شهود عيان على الفساد والطائفية ، وكنت أتوقع أن الانفجار قادم لا محالة ، وهذا ما حصل ، وبدأت الثورة كما تمنيناها وطنية ، ليست طائفية وليست للون واحد بل هي ثورة كل السوريين ، ولذلك تجدني اخترت موت بطل الرواية جبران في 2012 في ساحة الاعتصام بحمص ، لأني أقولها بمرارة ، الثورة التي كنّا نحلم بها ورأيناها واقعًا في 15- 3- 2011 قد كُتب لها الموت في 2012 حيث بدأ تغيير كبير يحصل بها ، وللأسف أريد لها أن تكون مسرحًا لفئات متطرفة ربّاها النظام واستفاد منها في الوقت الذي كان يختنق .لم تنته الرواية فالثورة لم تنته بعد لكنها توقفت برأيي عند 2012 وهو ما رمزّت له بمقتل جبران ، ولهذا كانت المغادرة 2015 في أكبر رحلة نزوح أو لنقل تهجير منظم تعرض لها شعب ثار ضد نظام مستبد .

*رواية دولة العبث سيرة ومذكرات – صدرت عن دار موزاييك للدراسات والنشر اسطنبول – الطبعة الأولى 2022

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. شكرا لك أبا سقراط.
    كيف نحصل على نسخة.
    ولو كانت الكترونية pdf
    مع خالص الود والمحبة

  2. الشاعر إبراهيم طوقان (1905 – 1941) رحمه الله لم يطلق صرخة واحدة و إنما أطلق صرخات لهذه الأمة – التي كانت فريسة سهلة لكل مخادع أفاك منافق أناني عميل – لكن صرخاته التي كانت في عدة قصائد رائعة وقعت على آذان صماء عند أهل القوة و المنعة في أمتنا فحصلت نكبة فلسطين سنة 1948 ، ثم أخذت النكبات تتوالى على بلدان العرب من خلال تحكم العساكر الجهلة منخفضي التفكير العملاء – بسوء نية أو بحسن نية “مخزية” فطالت النكبات سوريا و العراق و مصر و ليبيا و اليمن … و ليس وارداً أن تتوقف فحسبنا أن رسولنا الكريم صلى الله عليه و سلَم قد حذَرنا فقال في الحديث الصحيح (ويل للعرب من شرَ قد اقترب ) . أنا رجل عجوز كبير في السن و شاهد على شرور هائلة في عدة بلدان عربية زرتها أو عشت فيها و لقد كان من النادر أن ألمس هدوءاً أو راحة بال أو يُسر معيشة أو حرية تعبير أو عدالة أو كرامة للمواطن بل أجواءً قمعية اكتوت بلهيبها البلاد و عمَ أثرها على العباد . هذه قصيدة قصيرة لإبراهيم طوقان بمثابة نموذج :
    أمامَك أيُّها العربيُّ يومٌ ** تشيبُ لهولهِ سودُ النواصي.
    وأنت كما عهدتك لا تبالي ** بغير مظاهِرِ العبَثِ الرّخاصِ
    مصيرُك بات يَلْمُسُه الأَّداني ** وسار حديثُهُ بين الأَقاصي
    فلا رَحْبُ القصورِ غداً بباقٍ ** لساكنها ولا ضيقُ الخِصاصِ
    لنا خصمان ذوا حوْلٍ وطوْلٍ ** وآخر ذُو احتيالٍ واقتناصِ
    تواصواْ بينهم فّأتى وبالاً ** وإذلالاً لنا ذاك التواصي
    مناهجُ للإبادةِ واضحاتٌ ** وبالحسنى تُنفَّذُ و الرصاصِ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى