تحقيقات

“تحت التعذيب سأعترف بأي شيء”.. .سجناء سوريون في “المسلخ” اللبناني

يوثق هذا التحقيق معاناة السجناء السوريين في رومية وغيره من مراكز التوقيف والتحقيق، بناءً على شهادات عدد منهم من داخل زنزاناتهم، وقد تقاطعت الشهادات لتؤكد وجود تعذيب، وتبني اعترافات تحت التعذيب، مع انتهاكات حقوقية عدة وسوق معظمهم إلى المحكمة العسكرية، إضافة إلى مشكلات أخرى من رداءة الطعام إلى تردي الخدمات الصحية.

على فُرش لم ترَ الشمس منذ سنوات، ينام سجناء رومية وهم حوالى 3700، يحاولون حشر أجسادهم قدر المستطاع، فالاكتظاظ هنا يتراوح بين 190 و380 في المئة، ويبلغ عدد السجناء غير المحكومين بعد نحو 79 في المئة من العدد الإجمالي.

تابعنا في فيسبوك

إنها أجساد يحتفظ الكثير منها بآثار التعذيب والمعاملة السيئة أثناء التحقيقات التي يتحول بعضها إلى جلسات ترهيب نفسي وجسدي. وفي أحسن الأحوال تبدو تلك الأجساد الهزيلة انعكاساً لرداءة الطعام وسوء الخدمات الصحية والإنسانية وتأخر المحاكمات، وهي معاناة زادت حدة مع الأزمة الاقتصادية وإضراب القضاة والتحديات التي فرضها “كورونا” ثم “الكوليرا” في مرحلة لاحقة.

وهو ما أدى إلى وفاة 19 سجيناً عام 2022 حتى كتابة هذا التحقيق في السجون اللبنانية، بسبب التقصير في تأمين الأدوية والاستشفاء وتجاهل استغاثات المرضى.

يركّز هذا التحقيق تحديداً على معاناة السجناء السوريين في رومية وغيره من مراكز التوقيف والتحقيق، بناءً على شهادات عدد منهم من داخل زنزاناتهم، وقد تقاطعت الشهادات لتؤكد وجود تعذيب، وتبني اعترافات تحت التعذيب، مع انتهاكات حقوقية عدة وسوق معظمهم إلى المحكمة العسكرية، وهي محكمة استثنائية ألغتها الكثير من البلدان المتقدمة أو قلصت صلاحياتها لتقتصر على القضايا المتعلقة بالعسكر والثكنات العسكرية.

يضاف ذلك إلى مشكلات أخرى من رداءة الطعام إلى تردي الخدمات الصحية. وقد فضلنا عدم ذكر الأسماء الكاملة لشهودنا، بعد التواصل مع جهات حقوقية، حفاظاً على سلامتهم ولعدم تعريضهم لمزيد من العنف.

هذا العنف كانت وثقته “منظمة العفو الدولية” في تقرير صدر عام 2021، بعنوان “كم تمنيت أن أموت: لاجئون سوريون احتجزوا تعسفياً بتهم تتعلق بالإرهاب وتعرضوا للتعذيب في لبنان”. وفيه تحدثت عن سلسلة من الانتهاكات التي ارتكبها بشكل أساسي جهاز مخابرات الجيش اللبناني ضد 26 محتجزاً، من ضمنها انتهاكات المحاكمة العادلة، والتعذيب الذي يتضمن ضرباً بالعصي المعدنية، والكابلات الكهربائية، والأنابيب البلاستيكية.

كما وصف المحتجزون عمليات تعليقهم رأساً على عقب، أو إرغامهم على اتخاذ أوضاع جسدية مُجهدة لفترات طويلة.

وقد سألت معدة التحقيق (منظمة العفو)”أمنستي” إن كان أي قد أجري أي تحقيق رسمي بعد نشر التقرير، فأتت الإجابة بالنفي وأنها لم تتلقَّ أي خبر في هذا السياق، ويعني ذلك استمرار الممارسات غير الإنسانية، في ظل مبدأ عدم المحاسبة والفوضى المتواصلين.

من هذا المنطلق، يحاول هذا التحقيق رصد المزيد من هذه الممارسات غير القانونية وغير الإنسانية، التي لم تتوقف، وصولاً إلى وفاة الشاب السوري بشار عبد السعود تحت التعذيب بعد أيام من اعتقاله في آب/ أغسطس 2022. وهذه لم تكن حالة الوفاة الوحيدة للاجئ سوري تم اعتقاله وفارق الحياة أثناء التوقيف.

فعام 2017، تسلّم أهالي عرسال جثث 3 معتقلين سوريين توفوا بعد توقيفهم وتحت أثر التعذيب، إثر اعتقالهم في حملات الدهم على مخيم عرسال، وقد نفى الجيش اللبناني حدوث التعذيب، مرجعاً أسباب الوفيات إلى تدهور الحالة الصحية للمحتجزين.

التعذيب حتى التوقيع

اعتقل محمد (اسم مستعار) في مطار بيروت الدولي، في 23 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، بتهمة الانتماء إلى “جبهة النصرة”، واقتيد إلى مخابرات الجيش.  

“24 ساعة واقف على إجريي مطمش وإيديي لورا مكلبش”، يقول محمد إنّ التحقيق معه لدى مخابرات الجيش بدأ على هذا النحو.

ولم يُترك أثناء التحقيق معه مكان في جسده لم يتلقَّ ضربات وبشتى الوسائل، بدءاً بالركل والرفس مررواً بالتعليق بـ”البلانكو”(رافعة) والضرب بالعصا إلى الضرب على الرأس بالسلاح حتى نزول الدم والتعذيب بالكهرباء، وكل ذلك كان يتخلله الكثير من الشتائم والتهديد بالتسليم للنظام السوري، “شو بدكم بعترفلكم قلتلن، تحت التعذيب سأعترف بأي شيء”، يقول محمد إنه اضطر للاعتراف تحت الخوف والتعذيب بالإضافة إلى إجباره على التوقيع على أوراق لا يعلم ماذا بداخلها.

لم يسلم محمد من الضرب والتعذيب داخل المحكمة العسكرية التي اقتيد إليها لاحقاً، حيث تهجّم عليه 5 عناصر قبل وضعه في زنزانة منفردة لمدة 5 أيام.

وعندما وقف أمام أمام قاضي التحقيق صمّم السجين أن يُريه ما كان يتعرض له من ضرب مبرح تظهر آثاره بشكل واضح على جسده، فطلب من كاتب المحكمة أن يُسجل ذلك، ولكنه لا يعلم إن كان قد فعل ذلك أم لا.

أما في سجن رومية فكانت حلقات العنف شديدة أيضاً إذ تعرّض للكثير من الضرب والتكسير، فقد اجتمع عليه في “الأمانات” عناصر وبدأوا بضربه ورفسه، وقبل اقتياده إلى مبنى “د” تعرض أيضاً في غرفة تغيير الملابس للكثير من الضرب والتعذيب على حد قوله…

يقول السجين إن الرقيب هناك أمر بوضعه في المبنى “ب” لأنه لا يتحمل مسؤولية ما يمكن أن يتعرض له داخل مبنى “د”، وأمر بإحضار طبيب شرعي لمعاينة الكدمات التي على وجهه، ولا يعرف تحديداً ماذا حصل بالعناصر المعتدين بعدها.

بعد فترة تم إخراج محمد إلى الأمن العام، وهناك تكرر السيناريو الذي عايشه أثناء فترة التحقيق إذ تُرك واقفاً على قدميه وبلا طعام مدة 24 ساعة، ومورست عليه كل أساليب الوحشية.

عاد بعدها إلى رومية، ليواجه مأساة الطعام الرديء والاكتظاظ والعنصرية.

تعاني سجون لبنان من ثلاث مشكلات بحسب وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي، “أولها الاكتظاظ، حيث بلغت نسبة المساجين 323 في المئة من القدرة الاستيعابية إضافة إلى مشكلة الطبابة والتغذية”.

ويزداد الأمر سوءاً في سجن رومية الذي تبلغ قدرته الاستيعابية حوالى 1500 سجين، فهو يضم حالياً حوالى 3700 إلى 4000 سجين.

ويعدّ سجن رومية من أكبر السجون في لبنان، وقد بدأ بناؤه شرق العاصمة بيروت في ستينات القرن الماضي، ليتم افتتاحه عام 1970.

ويتوزع السجناء على 5 مبانٍ هي: مبنى المحكومين ومبنى الأحداث (يضم الجناح “و” التأديبي)، والمبنى “د” والمبنى “ب” والمبنى “ج” الذي تم إنشاؤه مؤخراً. وعلى مدار الأعوام الماضية شهد السجن احتجاجات عدة، في محاولة من السجناء للضغط على المسؤولين لتحسين وضعهم وتسريع المحاكمات، وصولاً إلى المطالبة بالعفو العام، إلا أن القوى الأمنية تمكنت في كل مرة من ضبط الوضع، واستخدمت العنف في أكثر من مناسبة لضبط الأمور، بدل العمل على معالجة سبب هذه الاحتجاجات وهو الظلم واللاإنسانية. 

توقيفات عشوائية وطعام رديء

في هذا الإطار، يشير محمد صبلوح وهو محام يعمل في مجال حقوق الانسان لمعدة التحقيق إلى أن وضع السجناء الصعب يعود إلى فترة ما قبل ثورة 17 تشرين أول/أكتوبر 2019.

وأن نسبة 80 في المئة من السجناء كان أهلهم يقومون بإحضار ما يحتاجونه من طعام أما النسبة المتبقية من السجناء والتي تتراوح بين 20 و25 في المئة، فتجبر على طعام السجن، والذي يصفه صبلوح بـ”الرديء جداً إضافة إلى احتوائه على الحشرات مثل الصراصير في بعض الأحيان”.

يضاف ذلك إلى التوقيفات العشوائية، بالإضافة إلى عدم الالتزام في تطبيق المادة 108 من قانون أصول المحاكمات الجزائية لجهة التوقيف الاحتياطي التي حددت مهلة التوقيف في الجنح بشهرين وهي قابلة للتجديد لتصبح 4 أشهر، أما في الجنايات فهي 6 أشهر قابلة للتجديد لمدة مماثلة لتصبح سنة باستثناء الإرهاب والمخدرات.

ولكن بحسب صبلوح فإن القضاء لم يلتزم بهذه المدة، مشيراً إلى وجود سجناء مرّ على توقيفهم أكثر من 3 سنوات دون محاكمة بحجة النقص في أعداد القضاة، علماً أنه منذ عام 2019، المحاكمات شبه متوقفة بسبب “كورونا” سابقاً ولاحقاً بسبب إضراب المحامين.

موقوف منذ 2014

تخبر بدرية (اسم مستعار) حكاية ابنها، الذي اعتقل بعد أحداث عرسال (المعركة بين الجيش اللبنانية وعناصر من جبهة النصرة وداعش) عام 2014، حين قام الجيش اللبناني بمداهمة المنطقة ومخيمات اللاجئين السوريين هناك، وجرى اعتقال كثيرين، بينهم ابنها. زوج بدرية أوقف سابقاً في الأمن العام أيضاً، عندما كان ينجز أوراقه هناك بتهمة تسيير أعمال الإرهابيين وقد اعتُقل لمدة سنتين وتم إطلاق سراحه بعدها.   

وفي تفاصيل القصة، تقول والدة السجين لؤي (اسم مستعار) إنه بعد فترة الاعتقالات بدأ الجيش باطلاق سراح المعتقلين من دون أن يخرج ابنها معهم حتى علمت بعد نحو شهرين أنه في سجن رومية. 

بحكم الأوضاع المادية التي تمر بها العائلة لم تكن بدرية تستطيع أن تزور ولدها إلا مرة كل 6 أشهر، فلؤي هو المعيل لعائلته وكان يعمل في تنجيد المفروشات وهي المهنة التي حملها معه من بلد لجوئه إلى لبنان.

في الزيارة الأولى لاحظت انتفاخاً وتورماً في عين ولدها، إضافة إلى حلق شعره على “الصفر”.

“كتير صعب وضعو تعرّض لكتير تعذيب، واضطر يعترف تحت التعذيب”، علماً أن تهمته هي الإرهاب، وهي التهمة التي يسهل وصم السوريين في لبنان بها، وقد حكم لؤي بالسجن 20 عاماً علماً أنه اعترف تحت التعذيب بانتمائه لـ”جبهة النصرة”.

أصيب لؤي بأمراض عدة داخل السجن ما زاد من معاناته: “كورونا”، ثم أمراض جلدية وعانى من تآكل أسنانه بسبب غياب الرعاية الصحية والوقائية، علماً أنه دخل السجن حين كان في الثامنة عشرة. 

“عندهم قلة بالأكل والشرب والدواء”، بهذه الكلمات تصف بدرية وضع السجناء داخل رومية، وبسبب ظروفها المعيشية الصعبة لا تستطيع أن تمدَّ ولدها بما يحتاجه من طعام وشراب، بالإضافة الى غلاء الأسعار في حانوت السجن، “كأنه يدفع ثمن طعام في أوتيل 5 نجوم” على حد قولها، يُضاف الى كل ذلك الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تمنعها من زيارة ابنها، علماً أنه قد مر على آخر زيارة لابنها في السجن ما يقارب السنتين.

سجن أم مكان للاحتضار

“نحنا مش عم نعاني نحنا عم نموت” هي عبارة أطلقها أحد السجناء ليصف وضعه.

يصف سامي (اسم مستعار) الوضع الصحي داخل أقبية رومية بالخطير، فالخدمات الطبية والصحية معدومة هناك على حد قوله وعلى السجين أن يتحمل جميع المصاريف، من الوصفة الطبية الى الصورة الشعاعية وحتى العملية الجراحية، وبالدولار، من دون أن تتكبد إدارة السجن أياً من هذه المصاريف.

يقول سامي إنه غالباً ما يتم تأمين علاج السجناء من خلال شاويش المبنى المدعو الشيخ عمر الأطرش، الذي يتواصل مع جمعيات وأشخاص لتأمين علاج الحالات التي تستدعي دخول المستشفى. 

لا يقف الأمر عند هذا الحد. فبحسب سامي، هناك انتشار كبير للأمراض الجلدية وتخوف من الكوليرا، بسبب طبيعة المياه التي يستخدمها السجناء.

أما عن الأكل الذي يُقدم للسجناء فحدّث ولا حرج. منذ بداية الأزمة الاقتصادية بدأت كمية الأكل المقدمة تتناقص كما بدأت تتراجع نوعيته، فبعدما كانت وجبة الدجاج تُقدم للسجناء مرتين في الأسبوع الواحد، أصبحت تُقدم مرتين في الشهر أي كل أسبوعين مرة، ويتم تقسيم حبة الخضار أو الفاكهة على سجينين أو أكثر، كما يقول.

 تهمة جاهزة

يروي أحد السجناء السوريين وهو موقوف منذ عام 2019 (من دون محاكمة) تعرّضه للتعذيب النفسي والجسدي خلال التحقيق معه، مشيراً إلى أن الموقوف لا يستطيع حتى التزام الصمت، عليه أن يخترع رواية ويعترف بها حتى يتوقف التعذيب.

كريم متهم بالإرهاب وهو حالياً في سجن رومية، لكنه يوضح لمعدة التحقيق أنه تعرض لإصابة في 2012 سبّبت له إعاقة دائمة في يديه تمنعه حتى من حمل السلاح. 

كريم:”معظم الذين تم توقيفهم تم استدعاء أهاليهم لتهديدهم بهم، والتهمة دائماً ما تكون جاهزة، وهي غالباً الإرهاب”.

“خلال 34 شهراً من الحبس، لم يتم استجوابي سوى مرة واحدة فدائماً ما تؤجل الجلسات داخل المحكمة العسكرية بحجة انتشار وباء كورونا أو غياب القضاة أو إضرابهم” على حد قول كريم.

“لأنه نحنا سوريين ما في حدا بيحكي فينا”، هكذا يصف كريم الإهمال الذي يطاول السوريين داخل رومية وتكمن المشكلة الأكبر بحسب رأيه في المماطلة بالمحاكمة التي “تحرق” أجمل سنوات عمره وعمر زملائه. 

27 بالمئة من السجناء سوريون 

راسلت معدة التحقيق المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي- شعبة العلاقات العامة للحصول على رد وتوضيح بخصوص شهادات السجناء، لكنها لم تلقَ أي إجابة حتى نشر هذا التحقيق.

وبالتواصل مع مصدر أمني من داخل السجون فضل عدم الكشف عن اسمه، قال إن نسبة الاكتظاظ تفوق الـ200 في المئة في سجون لبنان كلها، وتبلغ ​نسبة السوريين 27 في المئة من مجموع سجناء لبنان وليس فقط في رومية.

إلا أن المدير العام للأمن العام اللبناني، اللواء عباس إبراهيم، خلال مؤتمر صحافي حول خطة معدّة لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، قال إن “42 في المئة من مجموع المسجونين في لبنان هم من الجنسية السورية وهذا يشكل ضغطاً إضافياً علينا”.

ويشير المصدر إلى غياب أي خطة فعلية لإدارة هذا الاكتظاظ، سوى اقتراح وزير الداخلية قانون تخفيض السنة السجنية إلى 6 أشهر وهو إقتراح مضر وغير فعال، و إلى حقيقة وجود حالات تعذيب من دون أن تكون منظمة ودائمة، وهي غالباً ما تحدث خلال التحقيق أي في مرحلة التوقيف الأولى في المخافر والمراكز الأمنية وليس في السجن بعد انتقال الموقوف إليه.

ويؤكد أيضاً أن الأزمة الاقتصادية أثرت بالطبع في نوعية الغذاء والخدمات الطبية المؤمنة للسجناء من قبل قوى الأمن الداخلي.

وهو ما أكده سجناء تواصلنا معهم من داخل زنزاناتهم، مشيرين إلى أن الأزمة الاقتصادية وارتفاع الاسعار داخل حانوت السجن، أجبرا معظمهم على الاعتماد على طعام السجن السيئ، بعدما كانوا يشترون طعامهم من الحانوت.

ويصف المحامي محمد صبلوح وضع السجون بـ”المأساوي لناحية الطعام والطبابة”، وقد أدى هذا الأمر إلى وفاة 7 أشخاص في شباط/ فبراير الماضي وقد طلب حينها أن يُفتح تحقيق دون أي جدوى، مشيراً إلى أن الإهمال الطبي أدى في مرات عدة إلى وفاة سجناء، وهي مسؤولية يحمّلها صبلوح للحكومات المتعاقبة وإلى الجسم القضائي.

التعذيب للجميع

المعاملة السيئة من عنف وضرب تطاول اللبنانيين والسوريين على حد سواء ولكن تزيد حدتها على السوريين بسبب غياب من يتحدث باسمهم فمعظم السوريين داخل السجون يتم اتهامهم بالإرهاب “وعندما يكون السجين من الفئات المستضعفة، يسهل الاستقواء عليه ومحاولة نزع الاعترافات منه بالقوة”، يوضح المحامي صبلوح.

ويشير إلى أن السجون في لبنان ليست مركزاً لإعادة الإصلاح والتأهيل فقد يدخل السجين بتهمة “شيك” بلا رصيد ويخرج من السجن تاجر مخدرات، وذلك بسبب الاكتظاظ وسوء الرعاية وعدم وجود خطة إصلاحية، بالإضافة إلى الضرب والتعذيب والمعاملة السيئة، وبرأي صبلوح، فإن الحل يكمن في تولي وزارة العدل السجون بإدارة مدنية، ما يساهم في حل مشكلات السجون وتخريج سجناء منتجين في المجتمع.

مخالفات قانونية

وفق سجناء سوريين قابلناهم، أكدوا أن عدداً منهم سيق إلى التوقيف من مكان وجوده من دون توضيح السبب، أو السماح لهم بالاتصال بمحام، كما أن كثيرين رووا لمعدة التحقيق أنهم تحمّلوا المعاملة السيئة، على أساس عنصري وهو ما استشعروه خلال التحقيقات وطريقة التعاطي غير الإنسانية معهم، لأنهم سوريون.

ووفق تقرير “منظمة العفو الدولية”، فإن السلطات اللبنانية لم تف بواجباتها في احترام حقوق اللاجئين السوريين الذين ألقت القبض عليهم واحتجزتهم بتهم تتعلق بالإرهاب. علماً أن القانون الدولي يحظر إلقاء القبض أو الاحتجاز أو السجن بلا أساس قانوني.

كما يكفل قانون حقوق الإنسان الحق في عدم التعرض للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة أو العقوبة. وينبغي للسلطات أن تجري تحقيقاً في مزاعم التعذيب، كما أنه لا تجوز محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية في لبنان لأنها لا تستطيع تقديم ضمانات المحاكمة العادلة.  

بشار عبد السعود والموت تحت التعذيب

بشار عبد السعود هو القصة الأجدد في ذاكرتنا عن لاجئ يموت تحت التعذيب أو في السجن، وفي تواصلنا مع أخيه باسل أخبرنا أنه كان مع أخيه يتناولان العشاء معاً، احتفالاً بوصول باسل بالسلامة من الإمارات ليزور أخاه في بيروت، كانا سعيدين، يتبادلان أطراف الحديث والذكريات، حين أتى عناصر أمن الدولة لاعتقال بشار من مكان إقامته في مخيم شاتيلا، من دون توضيح الأسباب. 

في اليوم التالي، طُلب من العائلة أن تستلم جثة بشار… كثرت التهم بحق الأخير لكن تبين أن أياً منها لم يكن دقيقاً ولم يكن الرجل إرهابياً ولا تاجر أسلحة، لكنه مات تحت التعذيب بكل بساطة، وليس إثر نوبة قلبية وفق الرواية التي حاول البعض ترويجها، وأقفل الملف.

لأن حياة الفقراء غير مهمة، وحياة اللاجئ غير مهمة. لذلك لا شيء يؤكد أو يطمئن إلى أن بشار عبد السعود سيكون آخر ضحايا التعذيب في “مسلخ” السجون اللبناني.

وكالات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى