مقالات

التدريب في ضوء معارف الوحي

د. محمد القطاونة

أستاذ العقيدة والفلسفة
عرض مقالات الكاتب

د. يونس بن محمد السيابي

كاتب
عرض مقالات الكاتب

لقد خص الله الانسان بخاصية فريدة عن باقي الموجودات وهي خاصية القدرة على التطور المستمر لما وهب الله به الانسان به العقل تلك الآلة القادرة على التطور المستمر، وهذا ما لا تملكه باقي الموجودات فالنحل ذلك المجتمع المثالي المشهور بالتنظيم والتدريب المنظم، إلا أنه يتبع منهجًا واحدًا لا يتطور فيه أبدًا، إن آلة العقل والعقل القادر على التطور ملكة عظيمة سخرها الله للإنسان لعظيم الأمانة التي نسبة إليه.

لذلك درجت الشعوب والأمم على تطوير ذاتها في ضوء مستجدات الأزمان والاحداث. فتاريخ التدريب لا يعد حكراً على الجهود الحديثة بل هو قديم قدم المجتمعات الإنسانية فعملية التدريب موجودة عبر الأزمنة المختلفة، وهي ثمرة جهد وعمل طويل مستمر خلال أجيال متعاقبة، ويبرهن على وجود هذه الظاهرة ويؤكدها، ما وصل إلينا من معارف ومعلومات عن الحضارات القديمة وما كشفت عنه حفريات أوضحت طرق المعيشة بتلك الحضارات ومراكز التعليم والتدريب فيها.

اقرأ: العقل والوحي في ضوء الأديان العالمية

وتظهر أهمية التدريب جلياً من خلال الاطلاع على نتائج جملة من التجارب والخبرات العملية التي أظهرت أن الموظف الذي تلقى برامج تدريبية يتمكن من إنجاز مهامه الوظيفية بجودة وفعالية عالية تختلف عن نظيره الذي لم يلتحق بدورات تدريبية حيث يكون إنجازه للمهام الوظيفية بكفاءة وفعالية أقل، لذلك أمســـــــــــــــى التدريب أثناء الخدمة محل اهتمام معظم دول العالم وأكثرها إلحاحاً الدول المتقدمة التي سارعت إلى بذل جهود عظيمة لتطوير استراتيجيات ونظم وأساليب التدريب تماشيا مع التقدم العلمي والتكنولوجي الذي يشهده العالم بشكل متسارع ،ويأتي التدريب في الإسلام كونه دين حياة، وعقيدة، وشريعة، وأخلاق، ومعاملات. فالإسلام عُـــدَ منطلقا للتزود بالأفكار والمعرفة والقدرات المختلفة سواء كانت بدنية أم عقلية إذ يخاطب الله سبحانه وتعالى نبيه الكريم حاثا على طلب المعرفة.

 وقل رب زدني علماً  وذلك حتى يتمكن من تأدية أعماله بالقدرة والكفاءة اللازمة، فهو يدعو إلى إتقان الأعمال والواجبات التي تتحقق من خلال ما يتلقاه الفرد ويتعلمه من علوم شرعية وفكرية، وما يكتسبه من معارف ومهارات وقدرات تعزز كفاءته وترفع من مستوى أدائه لأعماله، ومن هذا المنظور فإن التدريب بأبعاده الشمولية يتضمن برامج وأساليب ونشاطات تعزز وتحسن من كفاءة أداء العاملين وتزيد من دافعيتهم على العطاء والإنتاجية وتكسبهم أنماطًا سلوكية جديدة ذات صلة وارتباط بمفاهيم الشريعة، وهذا التشخيص والمعالجة النظرية لمفهوم التدريب من وجهة نظر إسلامية يؤكد أن التدريب مفهوماً وتطبيقاً عملياً حاضر في كل تعاليم الإسلام ومبادئه بكل أبعادها وأشكالها ومضامينها وهو يمثل قيمة عظيمة وأهمية كبرى، تتجلى في نظرة الإسلام ورؤيته المنهجية للأسس والمبادئ التي تسيّر النشاط التدريبي في خلق معنى أعظم لحياة الفرد، وهناك الكثير من النصوص التشريعية من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة التي تشير إلى مفهوم التدريب وتؤكد أهميته فعلى سبيل المثال لا الحصر.

يقول الله تعالى: “وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم” سورة الأنفال، الآية (60).. تقود هذه الآية الكريمة إلى أهمية التخطيط والتجهيز والإعداد الذي لا يتحقق إلا من خلال التدريب وتوفير متطلباته كافة، فالتدريب على أداء عمل معين وحـُـسن تهيئة الفرد وإعداده الإعداد المسبق هما أساس قيامه بعمله لأداء عمله بفاعلية وإتقان قد جعل الإسلام التدريب عملية مستمرة في حياة المسلم منذ نعومة أظفاره لا تقف عند حد وهو ما أكدته تصريحات الإدارة الحديثة لاحقاً بعد عقود من الزمن ، ونستشهد هنا بتوجيهات معلم البشرية سيدنا  “محمد صلى الله عليه وسلم ” حين أدرك عليه الصلاة والسلام مهارة الفرس وبراعتهم في الرماية والتي تكتسب من خلال التدريب، فقد أهتم عليه  “الصلاة والسلام” بتدريب المسلمين على مهارة الرمي بغية رفع كفاءتهم وقد جاء في الحديث الشريف أن النبي  “صل الله عليه وسلم ” قال: ” ألا إن القوة الرمي ” وكررها ثلاثًا وكذلك لأهمية جانب التدريب.

وسمح  “عليه الصلاة والسلام ” لأصحابه باتخاذ المسجد ميداناً للتدريب على الرمي كونه أول مركز للإدارة في الإسلام، وشارك أصحابه التدريب وكان يردد عليه أفضل ” الصلاة والسلام “ارموا واركبوا وأن ترموا أحب إلـيً من أن تركبوا ومن تعلم الرمي ثم نسيه فليس منا، وفي رواية (فهي نعمة جحدها) إذن من خلال ما تم استعراضه عن بعض جوانب التدريب في القرآن والسنة يتبين لنا أن التدريب في الإسلام يمارس بوسائل وأنواع مختلفة، ويمكن أن نقول أن التدريب في الإسلام عمل مخطط له يهدف إلى صقل الفرد بكثير من المهارات والمعارف التي تعينه على أداء عمله، وأن البرامج التدريبية في وقتنا الحاضر استمدت مناهجها من القرآن والسنة النبوية والشريعة، فالتدريب له قواعد وأسس انبعثت من الفكر الإسلامي ولا بدً أن يكون للتدريب مراكز خاصة به ووسائل عملية متقنة، أي تحويل ما ورد عنه في القرآن والسنة المطهرة من توجيهات نظرية إلى أطر عملية ممثلة بالجامعات والجهات المعنية الأخرى التي يتلقى فيها المتدربون المنهج الإسلامي المؤصل في التدريب استناداً إلى القرآن والسنة، ولا شك في ضرورة الاستناد إلى العلم ومعطياته في هذا المجال.







			
		

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى