دين ودنيا

القـــــواعـــد الفـقـهـــية.. (8) “الأصل في الأشياء الإباحة”

محمد عبد الحي عوينة

كاتب وداعية إسلامي. إندونيسيا.
عرض مقالات الكاتب



وهذه قاعدةٌ عظيمةٌ في الفقهِ، فإنَّ الأصلَ في كلِّ شيءٍ الحلُّ حتَّى يوجدَ من الشَّرعِ دليلٌ يُخرجُه من الحلِّ.
وقد وردت هذه القاعدة بهذه الصيغة عند السيوطي (الأشباه والنظائر ص60). وابن نجيم بصيغة الاستفهام، وجعلها الزركشي مترددة بين الإباحة والتحريم والوقف، ولم يشر ابن نجيم إلى الوقف (الأشباه والنظائر لابن نجيم ص66، القواعد والضوابط الفقهية المتضمنة للتيسير 1/ 141)
وقال قَوْمٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الشَّرْعَ قَدْ قَرَّرَ الْأَصْلَ فِي الْأَشْيَاءِ عَلَى أَنَّهَا عَلَى الْإِبَاحَةِ إلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الدَّلِيلُ، وَفَائِدَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ الْخِلَافُ فِي حُكْمِ شَيْءٍ فِي الشَّرْعِ هَلْ هُوَ عَلَى الْإِبَاحَةِ أَوْ الْمَنْعِ؟ حَكَمَ بِأَنَّهُ عَلَى الْإِبَاحَةِ، لِأَنَّ الشَّرْعَ قَدْ قَرَّرَ ذَلِكَ.

اقرأ: محمد عبد الحي عوينة على د. حلمي حول اشتراط حولان الحول لوجوب الزكاة

معنى القاعدة:
أي أن كلُّ شيءٍ مباحٌ ما لم يرِدْ دليلٌ ينقلهُ من تلكَ الإباحةِ إلى غيرهَا من الأحكامِ التَّكليفيَّة، فلا يُدَّعى وجوبٌ أو استحبابٌ أو تحريمٌ أو كراهَةٌ إلاَّ بدليلٍ ناقلٍ إليها من الإباحةِ. (تيسير علم أصول الفقه ص48)
فالأصلَ في كلِّ شيءٍ الحلُّ حتَّى يوجدَ من الشَّرعِ دليلٌ يُخرجُه من الحلِّ، وأنَّ ما يخرجُ من الحلِّ إلى حُرمَةٍ أو كراهةٍ مفصَّلٌ في الكتابِ والسُّنَّة، وهو محصورٌ معدودٌ يُمكنُ أن تُستقصى أفرَادُه. (تيسير علم أصول الفقه ص49)
دليل القاعدة:
هذه القاعدة مستفادة من نصوصٍ صريحةٍ في الكتابِ والسُّنَّةِ، وهو مناسبٌ للمعقولِ الصَّريح، فإنَّ من أعظمِ مقاصدِ التَّشريعِ: رفع الحرجِ، والإباحةُ تخييرٌ، ورفعُ الحرج ثابتٌ بها، بخلافِ ما هوَ مطلوبُ الفعلِ أو التَّركِ، فإنَّ المكلَّف محتاجٌ إلى تكلُّفِ القيامِ به ممَّا تحصلُ له به المشقَّةُ، والأشياءُ لا حصرَ لها، فإنْ عُلِّقتْ بغيرِ الإباحَةِ من الأحكامِ التَّكليفيَّةِ لزمَ منها تكليفٌ غيرُ مُتناهٍ، وهذا لا يناسبُ التيسير. (تيسير علم أصول الفقه ص48)
أدلة من القرآن الكريم:
1- قال الله تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} [الأنعام151] .
وقال جل وعلا: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} …. [الأنعام145]
وقال جل وعلا: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ….} [الأعراف33] .
فقد أخبرنا الله تعالى بما حرم علينا، فما لم يحرمه علينا فهو على الإباحة، وحتى الَّذي يجري المنعُ منه عن طريقِ القياسِ فإنَّه لا يحوِّلُ الأصلَ إلى أن يُقالَ: (الأصلُ في الأشياءِ الحُرمَةُ) ، فلو وصَلَ القياسُ بأصحابِهِ إلى هذا المعنى المعكوس لكانَ ذلكَ دليلاً بنفسهِ على فسادِ قياسِهِمْ. (تيسير علم أصول الفقه ص49)


2- قال عز وجل:{وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام119] قال ابن تيمية: والتفصيل التبيين، فبين أنه بيَّن المحرمات، فما لم يُبَيَّن تحريمه فليس بمحرم، وما ليس بمحرم فهو حلال، إذ ليس إلا حلال أو حرام. انتهى. (مجموع الفتاوى 21/536)


3- وقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً} [البقرة29]، أَخْبَرَ بِأَنَّهُ خَلَقَهُ لَنَا عَلَى وَجْهِ الْمِنَّةِ عَلَيْنَا، وَأَبْلَغُ وُجُوهِ الْمِنَّةِ إطْلَاقُ الِانْتِفَاعِ فَتَثْبُتُ الْإِبَاحَةُ.(غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر1/ 224)
وصرّح في عدة آيات بأنه سخر للناس ما في السموات وما في الأرض، كقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} [الْجَاثِيَةِ12-13] ولا يكون ما في الأرض مخلوقا للناس ومسخراً لهم إلا إذا كان مباحا لهم، لأنه لو كان محظورا عليهم ما كان لهم. (علم أصول الفقه ط مكتبة الدعوة ص 92)


ووجه الدلالة أن البارئ تعالى أخبر بأن جميع المخلوقات الأرضية للعباد؛ لا سيما وقد أكدت بقوله: {جَمِيعًا} واللام في {لَكُمْ} تفيد الاختصاص على جهة الانتفاع للمخاطبين، ألا ترى أنك إذا قلت: الثوب لزيد فإن معناه أنه مختص بنفعه, وحينئذ فيلزم من ذلك أن يكون الانتفاع بجميع المخلوقات مأذونا فيه شرعا. كما أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَخْبَرَهُمْ فِي مَعْرِضِ الِامْتِنَانِ عَلَيْهِمْ، وَتَذْكِيرِهِمُ النِّعْمَةَ، أَنَّهُ خَلَقَ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَسَخَّرَهُ لَهُمْ، وَاللَّامُ لِلِاخْتِصَاصِ أَوِ الْمِلْكِ إِذَا صَادَفَتْ قَابِلًا لَهُ، وَالْخَلْقُ قَابَلُونِ لِلْمِلْكِ، وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ تَخْصِيصٌ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَهُمْ بِانْتِفَاعِهِمْ بِهِ، إِذْ لَا مَالِكَ عَلَى الْحَقِيقَةِ إِلَّا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فَاقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّهُمْ مَتَى اجْتَمَعُوا
وَمَا خَلَقَ وَسَخَّرَ لَهُمْ فِي الْوُجُودِ، مَلَكُوهُ، وَإِذَا مَلَكُوهُ، جَازَ انْتِفَاعُهُمْ، إِذْ فَائِدَةُ الْمُلْكِ جَوَازُ الِانْتِفَاعِ.
قال ابن القيم: والألفاظ التي وردت في الشرع تدل على إباحة تلك الأشياء ذكرها فقال: وتستفاد الإباحة من الإذن والتخيير والأمر بعد الحظر ونفي الجناح والحرج والإثم والإخبار بأنه معفو عنه، وبالإقرار على فعله في زمان الوحي، وبالإنكار على من حرم الشيء، والإخبار بأنه خلق لنا كذا وجعله لنا، وامتنانه علينا به، وإخباره عن فعل من قبلنا له غير ذام لهم عليه … انتهى. (بدائع الفوائد 2/218)


4- قوله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف32] ووجه الدلالة أن هذا الاستفهام ليس على حقيقته بل هو للإنكار، وحينئذ فيكون البارئ تعالى قد أنكر تحريم الزينة التي يختص بنا الانتفاع بها لمقتضى اللام كما تقدم، وإنكار التحريم يقتضي انتفاء التحريم، وإلا لم يجز الإنكار، وإذا انتفت الحرمة تعينت الإباحة.
أدلة من الحديث الشريف:
1- حديث سلمان رضي الله عنه: أن رسول الله صلى عليه وسلم سئل عن الجبن والسمن والفراء فقال: “الحلال ما أحل الله في كتابه، والحرام ما حرم الله في كتابه، وما سكت عنه فهو مما عُفي عنه” (أخرجه الترمذي، وابن ماجه، وصححه الألباني. سنن الترمذي مع التحفة 5/396 (اللباس / ما جاء في لبس الفراء) ، وسنن ابن ماجه 2/1117 (الأطعمة / أكل الجبن والسمن) 4 تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي 5/397.) قال في تحفة الأحوذي: وفيه أن الأصل في الأشياء الإباحة.


2- حديث أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عفو”.(أخرجه الحاكم 2/375 وحسنه الألباني في غاية المرام 14).
قال ابن تيمية:: قوله: “وما سكت عنه فهو مما عفا عنه” نص في أن ما سكت عنه فلا إثم عليه، وتسميته هذا عفواً كأنه والله أعلم لأن التحليل هو الإذن في التناول بخطاب خاص، والتحريم المنع من التناول كذلك، والسكوت عنه (مجموع الفتاوى 21/538)
3- فِي «الصَّحِيحَيْنِ» مِنْ حَدِيثِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: “إِنَّ أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يُحَرَّمْ عَلَى النَّاسِ، فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ”. (الإبانة الكبرى لابن بطة 1/ 394، الأمالي في آثار الصحابة لعبد الرزاق الصنعاني ص116)
وَهَذَا ظَاهِرٌ – إِنْ لَمْ يَكُنْ قَاطِعًا – فِي أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَشْيَاءِ الْحِلُّ؛ وَالتَّحْرِيمُ عَارِضٌ.


4- «إنَّ اللَّهَ فَرَضَ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوهَا، وَنَهَى عَنْ أَشْيَاءَ فَلَا تَنْتَهِكُوهَا، وَحَدَّ حُدُودًا فَلَا تَعْتَدُوهَا، وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ غَيْرِ نِسْيَانٍ، فَلَا تَبْحَثُوا عَنْهَا» وَفِي لَفْظٍ «وَسَكَتَ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ غَيْرِ نِسْيَانٍ فَلَا تَتَكَلَّفُوهَا رَحْمَةً لَكُمْ فَاقْبَلُوهَا»(الطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ)


5- قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَا أَحَلَّ اللَّهُ فَهُوَ حَلَالٌ وَمَا حَرَّمَ فَهُوَ حَرَامٌ وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ عَفْوٌ، فَاقْبَلُوا مِنْ اللَّهِ عَافِيَتَهُ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُنْ لِيَنْسَى شَيْئًا» (أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ).
الاختلاف في هذه القاعدة:


اختلف العلماء في صياغة هذه القاعدة – بناء على اختلاف مذاهبهم في هذه المسألة فبين جازم بأن الأصل في الأشياء الإباحة، وبين جازم بأن الأصل فيها هو الحظر، وبين مشير إلى الخلاف في الأصل فيها، هل هو الإباحة؟ أو الحظر؟ أو التوقف؟ وبين مُفصّلٍ بين المنافع والمضار. (القواعد والضوابط الفقهية المتضمنة للتيسير 1/ 152)
فأكثر أهل العلمَ على أَن الأَصْل فِي الْأَشْيَاء الْإِبَاحَة إِلَّا مَا حظره الشَّرْع وَمعنى اسْتِصْحَاب الْحَال الَّذِي يحْتَج بِهِ أَن يستصحب الأَصْل عِنْد عدم الدَّلِيل الشَّرْعِيّ (الورقات ص27).
وهو قول علماء الشافعية. (الأشباه للسيوطي ص60،الأشباه لابن نجيم ص57).
وأكثر الحنفية وَمِنْهُمْ الْكَرْخِيُّ (تيسير التحرير 2/168، الأشباه لابن نجيم ص57)، وذَكَرَ الْعَلَّامَةُ قَاسِمُ بْنُ قُطُلُوبُغَا فِي بَعْضِ تَعَالِيقِهِ أَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ عِنْدَ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا(يعني علماء الحنفية)(غمزعيون البصائر1/ 223).


وبعض الحنابلة، وأومأ إليه الإمام أحمد. (التمهيد4/271، شرح الكوكب المنير 1/325)
وأبو الفرج من المالكية (إحكام الفصول ص681).
ونسبه بعض المتأخرين إلى الجمهور. (إرشاد الفحول ص284)
وَمنهم من يَقُول بضده وأِن أصل الْأَشْيَاء على الْحَظْر إِلَّا مَا أباحته الشَّرِيعَة، فَإِن لم يُوجد فِي الشَّرِيعَة مَا يدل على الْإِبَاحَة، يتَمَسَّك بِالْأَصْلِ، وَهُوَ الْحَظْر.
وهو قول أبي حنيفة (المنثور 2/70، الأشباه والنظائر للسيوطي ص60)
وبعض الشافعية (التبصرة في أصول الفقه ص532، وإرشاد الفحول ص284).
وبعض الحنابلة(التمهيد 4/271، وشرح الكوكب المنير 1/325).
والأبهري من المالكية (إحكام الفصول ص681).
وبَعْضُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ. (الأشباه والنظائر لابن نجيم ص57)

ومنهم من قال بالوقف، وقَالَوا: أَنَّ الْأَصْلَ في الأشياء عدم الحكم أو عدم العلم بالحكم، فليست بمباحة ولا محظورة، لأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ حُكْمَ شَيْءٍ إلَّا بِقِيَامِ دَلِيلٍ يَخْتَصُّهُ أَوْ يَخْتَصُّ نَوْعَهُ. بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ حُكْمٍ لَكِنَّا لَمْ نَقِفْ عَلَيْهِ بِالْعَقْلِ، وهو قول بعض علماء الحنفية (إحكام الفصول ص681، والأشباه والنظائر لابن نجيم ص66).
وذهب الإمام الرازي إلى أنه لا حكم للأشياء قبل الشرع، وأما بعده فإن الأصل في المنافع الإباحة والأصل في المضار التحريم، وبه قال العلائي، ونسبه إلى الشافعية وإلى جمهور أهل العلم(المحصول ج2 /131).
وبهذا العرض لأقوال العلماء يتبين أن هناك نوعاً من الاضطراب في النقل عنهم وتقرير مذاهبهم ومردّ هذا فيما يظهر والله أعلم أمور:
أسباب اختلاف العلماء في هذه القاعدة:
1- التداخل بين المسألتين اللتين تتطرق إليهما تلك القاعدة، وهما: كون ذلك فيما قبل ورود الشرع، أو فيما بعده.
2- الاختلاف في المراد بالإباحة، والتوقف. (القواعد المتضمنة للتيسير 1/ 154)
3- تعريف الحلال؛ فالْحَلَالُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ: مَا لَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِهِ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: مَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى حِلِّهِ، وَيَظْهَرُ الْخِلَافِ فِي الْمَسْكُوتِ عَنْهُ – فَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ هُوَ مِنْ الْحَلَالِ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ مِنْ الْحَرَامِ، ففِي مَوْضِعِ الْإِشْكَالِ يَمِيلُ الشَّافِعِيُّ إلَى الْإِبَاحَةِ وَيَمِيلُ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى التَّحْرِيمِ (المنثور في القواعد الفقهية 2/70)
وَالْمُخْتَارُ: الْقَوْلُ بِالْإِبَاحَةِ قَبْلَ الشَّرْعِ – وَهُوَ وَفْقُ قَوْلِ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِ الشافعي وَغَيْرِهِمْ: الْأَصْلُ فِي الْأَطْعِمَةِ وَنَحْوِهَا الْحِلُّ – لَيْسَ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى تَحْسِينِ الْعَقْلِ وَتَقْبِيحِهِ، بَلِ الْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالِاسْتِدْلَالُ، وقد ذكرنا أدلة هذا القول من القرآن ومن السنة. (شرح مختصر الروضة 1/ 399)
أدلة من قال أن الأصل الإباحة:
ذكرنا أدلة هذا الفريق في ذكر أدلة هذه القاعدة.
أدلة من قال بالوقف:
1- قَوْله تَعَالَى: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ} [النحل116] فَأَخْبَرَ أَنَّ التَّحْرِيمَ وَالتَّحْلِيلَ لَيْسَ إلَيْنَا، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ عِنْدِهِ، وَأَنَّ الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ لَا يُعْلَمُ إلَّا بِإِذْنِهِ. فَمنع الله تَعَالَى من الحكم فِي الشَّيْء بِأَنَّهُ حَلَال أَو حرَام فَدلَّ على أَنه مُتَوَقف على مَا يرد الشَّرْع. (التبصرة في أصول الفقه ص535، البحر المحيط في أصول الفقه 8/ 9)
2- أَنَّ طَرِيقَ ثُبُوتِ الْأَحْكَامِ سَمْعِيٌّ وَعَقْلِيٌّ، وَالْأَوَّلُ غَيْرُ مَوْجُودٍ، وَكَذَا الثَّانِي فَلَا تُقْطَعُ بحكم (غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر1/ 224)


أدلة من قال أن الأصل في الأشياء الحظر:

أدلة هذا الفريق هو الْجَوَابُ عَنْ أَدِلَّة من قال بأن الأصل الإباحة: فقالوا أن الْكَلَامُ فِي إبَاحَةِ الْجُمْلَةِ بِقَوْلِهِ: {قُلْ لا أَجِدُ. . . } [الأنعام145] يَصْلُحُ أَنْ يَحْتَجَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمَأْكُولَاتِ الْإِبَاحَةُ، وَإِنَّمَا الْمُمْتَنِعُ الْإِبَاحَةُ الْمُطْلَقَةُ.
وفي َقَوْلُهُ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَمَا سَكَتَ فَهُوَ مِمَّا عُفِيَ عَنْهُ» يُرِيدُ: مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ الَّذِي كَانَ الْخِطَابُ مُتَعَلِّقًا بِهِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَالَ: «الْحَلَالُ بَيِّنٌ، وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ» فَشَرَّك بَيْنَهُمَا، وَلَمْ يَجْعَلْ الْأَصْلَ أَحَدَهُمَا.
تطبيقات وأمثلة على القاعدة:
1-شك في الحيوان المشكل هل هو حرام أم لا فهو مباح.
2-لو شك في الضبة من الذهب أو الفضة هل هي كبيرة أم صغيرة، فَالْأَصْلُ الْإِبَاحَةُ، ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ. (الأشباه والنظائر للسيوطي ص60)
3- لو وجد حيوان لم ينصّ الشّارع فيه على تحليل ولا تحريم ولا أمر بقتله، ولا نهي عن قتله، ولا نصّ على نجاسته، ولا هو في معنى المنصوص عليه بتحريم أو تنجيس، ولا خالطته نجاسة، ولم تجر للعرب عادة باستطابته ولا باستخباثه ولا أشبه شيئاً منها. ففيه وجهان مشهوران أصحّهما الحلّ عملاً بهذه القاعدة. (موسوعة القواعد الفقهية 12/ 11)


4- أكل الزَّرَافَةِ، قَالَ السُّبْكِيُّ: الْمُخْتَارُ حل أَكْلُهَا: لِأَنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ، وَلَيْسَ لَهَا نَابٌ كَاسِرٌ، فَلَا تَشْمَلُهَا أَدِلَّةُ التَّحْرِيمِ، وَأَكْثَرُ الْأَصْحَابِ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لَهَا أَصْلًا لَا بِحِلٍّ وَلَا بِحُرْمَةٍ، وَصُرِّحَ بِحِلِّهَا فِي فَتَاوَى الْقَاضِي الْحُسَيْنِ وَالْغَزَالِيِّ، وَتَتِمَّةِ الْقَوْلِ وَفُرُوعِ ابْنِ الْقَطَّانِ وَهُوَ الْمَنْقُولُ عَنْ نَصِّ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَجَزَمَ الشَّيْخُ أبو اسحق فِي التَّنْبِيه بِتَحْرِيمِهَا، وَنَقَلَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ مِنْ الْحَنَابِلَةِ وَلَمْ يَذْكُرْهَا أَحَدٌ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ وَقَوَاعِدُهُمْ تَقْتَضِي حِلِّهَا. (الأشباه والنظائر للسيوطي ص60، الأشباه والنظائر لابن نجيم ص57)


5- ما سكت عنه الشرع ولم يرد فيه دليل وجوب أو دليل تحريم أو دليل حل وإباحة، فهو مباح بناء على هذا الأصل. كالزرافة من الحيوانات والأرز والتفاح وغيرها من المطعومات.


6- الأصل في العقود هو الحل؛ لأن العقود من العادات التي يفعلها المسلم والكافر، فلا يحرم العقد ما لم يرد عن الشارع نص بتحريمه، أو يقاس قياساً صحيحاً على ما حرم.. (القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة 2/ 813)


7 – الأصل في الشروط هو الحل ما لم ينافِ مقصود العقد بحل الحرام أو تحريم الحلال الثابتين بنص أو إجماع، لأن العقود والشروط من باب الأفعال العادية،والأصل في الشروط الصحة واللزوم، إلا ما دل الدليل على خلافه. (القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة 2/ 813)
تطبيقات وأمثلة على المشكل:
وَيَتَخَرَّج عَنْ هَذِهِ القاعدة كَثِيرٌ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُشْكِلِة: مِنْهَا:
1- الْحَيَوَانُ الْمُشْكِلِ أَمْرُهُ، وَفِيهِ وَجْهَانِ: أَصَحُّهُمَا الْحِلُّ كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ وَمِنْهَا: النَّبَاتُ الْمَجْهُولُ تَسْمِيَتُهُ قَالَ الْمُتَوَلِّي يَحْرُمُ أَكْلُهُ وَخَالَفَهُ النَّوَوِيُّ وَقَالَ الْأَقْرَبُ الْمُوَافِقُ لِلْمَحْكِيِّ عَنْ الشَّافِعِيِّ فِي الَّتِي قَبْلَهَا الْحِلُّ. (المنثور في القواعد الفقهية 1/ 176)
2- إذَا لَمْ يُعْرَفْ حَالُ النَّهْرِ هَلْ هُوَ مُبَاحٌ أَوْ مَمْلُوكٌ؟ هَلْ يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْإِبَاحَةِ أَوْ الْمِلْكِ؟ حَكَى الْمَاوَرْدِيُّ فِيهِ وَجْهَيْنِ مَبْنِيَّيْنِ عَلَى أَنَّ الْأَصْلَ الْإِبَاحَةُ أَوْ الْحَظْرُ.(الأشباه والنظائر للسيوطي ص60، الأشباه والنظائر لابن نجيم ص57)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى