مقالات

“الإفتاء السوري”.. أفتونا في رؤيانا إن كنتم للرؤيا تعبرون


جهاد الأسمر

كاتب ومحامٍ سوري.
عرض مقالات الكاتب

مجلس الإفتاء السوري من فتوى محلُّ جدلٍ إلى أخرى مثلها، فآخر فتواه أنه وصف فيها طالبي اللجوء من السوريين الذين يسلكون طرقا غير آمنة بأنهم” آثمون ومجرّمون”.
في حال تعرض أحدهم للموت مشيرا أن المتسبب بمسلكهم هذا بأنه” آثم ومشارك في الجرم”.

ما يقرب من سبعة ملايين سوري فروا إن إلى دول جوار سوريا، أو إلى أوروبا، فالغالبية الغالبة لهؤلاء تعرضوا وسلكوا طرقا غير آمنة التي عرّفتها الفتوى، فقد ركبوا البحار وساروا في أدغالٍ وغاباتٍ قطعوها ينشدون الخلاص مما يعرضون له في سوريا من قتل وقصف واغتصاب وتهجير و.و.وإلخ.

اقرأ: فتوى بتحريم استعادة العلاقات مع الأسد.. برعاية رئيس “مركز تكوين العلماء”

فتوى مجلس الإفتاء وقّع عليها 19 من أعضائه والتي جاء فيها “من سلك هذه الطرق غير الآمنة في السفر فهو آثم، وإذا أفضى ذلك إلى موته أو موت من هم تحت ولايته فالإثم أعظم، وهو متسبب في القتل، ومن ادعى أنه مضطر لهذه الهجرة فإنه لا يسلم له في مطلق الأحوال ولعل بقاءه حيث هو يكون أرجى للسلامة من ركوب المخاطر”.

الحقيقة هي أننا لم نعد ندري لمَ مجلس الإفتاء يصر على الخوض في فتاوى جدلية عليها الكثير من علامات الاستفهام فقد ترك أمورا أكثر أهمية من فتواه هذه ومتفق على أهميتها من جميع السوريين ويأملون من المجلس أن يقول كلمته فيها غير أنه لم يفعل في الكثير منها منتقلا إلى فتاوٍ في أمور حياتية معيشية تخص كل فرد، فإن يهاجر الشخص أو لا يهاجر فهذا أمر عائد له أما أن ينتقل إلى القول بأن من يهاجر فهو آثم ومجرّم وخاصة في هذه الظروف التي يعيشها السوريون لأنه يعرض نفسه للمطبات وللمخاطر فذاك الإثم بعينه.

الإمام الشافعي رضي الله عنه قد شجع على السفر والهجرة في أيام السلم فما بالك في أيام المحن والموت والقتل، فما ذهب إليه مجلس الإفتاء جعل الناس في حيرة أيستمعون إلى الفتوى التي تحرم الهجرة أم يستمعون إلى إمام المسلمين الإمام الشافعي الذي يقول:

سافر تجد عوضاً عمن تفارقه
وانصَبْ فإن لذيذ العيش في النصبِ..

إني رأيت وقوف الماء يفسدهُ إن
ساح طاب وإن لم يجر لم يطبِ..

والأسدُ لولا فراق الأرض ما افترست

والسهم لولا فراق القوس لم يصبِ..

والشمس لو وقفت في الفلك دائمة ً

لملّها الناس من عجمٍ ومن عربِ..

والتبر كالترب ملقى في أماكنهِ
والعود في أرضه نوع من الحطبِ..

فإن تغرب هذا عز مطلبه
وإن تغرب ذلك عز كالذهبِ…

البعض يخشى أن تكون هذه الفتاوى مجيّرة لحساب النظام الذي يحاول جاهدا أن يعيد المهاجرين إلى حظيرة الطاعة في مناطق سيطرته ويؤيد بمثل هكذا فتاوى الحكومات التي تعمل على إعادة اللاجئين إلى بلادهم في ظل تنامي النزعة الطائفية والقومية في غير بلد من البلدان التي هاجر إليها السوريين وربما يأتي على رأسها لبنان الذي بدأ منذ مدة بترحيل السوريين إلى مناطق النظام في ظل عدم توفر ضمانات دولية أو أممية تحميهم حال إعادتهم إلى مناطق النظام وفتاوى كهذه تتلقفها الأحزاب العنصرية المعارضة في أوربا التي بدأت تتنامى و تحاول العزف على وتر القومية والعنصرية البغيضة والتي بمثل هكذا فتاوى تزكي هذه التيارات.

التهلكة والمخاطر التي تحدث عنها مجلس الإفتاء في فتواه ليست في الهجرة وسلوك طرقها بل المخاطر أصبحت أكثر بكثير فيما لو بقي السوري حيث هم في مناطق النظام حيث القتل والتغييب القسري ومختلف صنوف القهر حتى على المستوى الأمن الغذائي بات السوريون في مناطق سيطرة للنظام وحتى في الشمال السوري لا يقوون على تأمين لقمة العيش، وثمن المحروقات التي تضاعف مرات عدة ولم يعد يستطيع رب الأسرة تأمينها وباتوا بين فكي كماشة إما أن يموتوا من فقر الدم، أو أن يموتوا من التجمد شتاء.

تابعنا على فيسبوك

مجلس الإفتاء السوري بفتواه نظن أنه لم يعش هذه الصعوبات المميتة التي تعصف بالسوريين في كل مكان يحلون فيه، وهو يدعو السوريين إلى الصبر في وقت يعيشون هم ومن يعيلون في بحبوحة من العيش، وربما وأكاد أجزم أن من بين أفراد أسرتهم من قد هاجر إلى أوروبا ولكن هجرته لم تكن بذات العقبات التي لقيها السوري الآخر على الضفة الأخرى، فهؤلاء عندما يهاجرون يهاجرون في الطائرات التي لا يستطيع السوري الفقير أن يركبها فهم في مأمن من المخاطر وفتوى مجلس الإفتاء قد استثنتهم و لاتشملهم فهؤلاء ليسوا مجرّمون ولا مذنبون، ولا آثمون، كما ذهبت إليه الفتوى، أما المجرم والمذنب حسب الفتوى هو من يركب “البلمات” ويسير في الأدغال والغابات ليصل إلى مبتغاه في رحلة لم تكن بالمجان بل كلفته ماديا الكثير فقد باع كل ما يملك ليصل إلى تحقيق حلمه وحلم عائلته بأن يغنيهم عن سؤال الناس بوصوله، كان الأجدى بمجلس الإفتاء قبل أن يجرّم أن يسأل السوريون الذين يريدون أن يهاجروا لمَ تريدون أن تهاجروا قبل أن يُحرّم ويجرّم ويؤثِّم.
ثم ومنذ الأزل الهجرة لم تكن الهجرة سهلة ومتى كانت طرقها مفروشة بالزهور بل كل أنواع الهجرات كانت محفوفة بالمخاطر، فالرسول العربي محمد صلى الله عليه وسلم هاجر من مكة إلى المدينة وكاد أن يقبض عليه من مشركي مكة تماما كما تحاول شرطة الحدود أن تفعل في الدول التي يمر بها المهاجر السوري، فالرسول فر من الكفار والمهاجرون السوريون فروا ممن هم أشد فتكا من مشركي قريش فهل نقول عن هؤلاء أنهم مجرّمون وآثمون!!.

غاب عن مجلس الإفتاء وهو يفتي أننا لم نستفتيه برؤيا كتلك التي استفتى بها فرعون كهنته، ولم تكن فتوانا أضغاث أحلام كما قال كهنة فرعون له عندما عجزوا عن تفسير حلمه بسبع بقرات سمان يأكلهن السبع العجاف ولا بسبع سنبلات خضر ولا مثلهن يابسات ما عليه السوريون واقع مرير لا يحتاج كثير عناء وكثير علم بتفسير الأحلام التي عجز عن تفسيرها كهنة فرعون عن تفسير حلمه الأمر الذي جعل يوسف يتصدى للفتوى، فما مر على السوريين ليست سبع سنوات لتمر، فما زالوا يرون أن السبع السمان مازال يأكلهن السبع العجاف والسنابل أضحت كلها يابسات، نبي الله يوسف لم يحرم ويجرم ويفسر رؤيا الملك بأن حرم وجرم من في أوقات الشدة والقحط من يأتي لمصر يطلب طعاما وإقامة بل على العكس فقد قال لأخوته إئتوني بأهلكم أجمعين، وقد قطع هؤلاء الفيافي والصحارى من فلسطين إلى مصر في رحلة لم تكن ينقصها مخاطرا وصعوبات.

تابعنا على تويتر

الشعب السوري فرح واستبشر خيرا بالمفتي الجديد وبمجلس الإفتاء ولم يكن ينتظر منه أن يكون كيوسف في فتواه لملك بمصر بتفسير حلمه، ربما كان السوريين ينتظرون أن يقول المفتون في المسائل التي تعرض عليهم كما قال كهنة مصر لفرعون عندما عُرضت الرؤيا عليهم وقالوا له عندما عجزوا ما نحن بتأويل الأحلام بعالِمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى