مقالات

الأردن ليس بخير

فهد السالم صقر

محلل سياسي وباحث في العلاقات الدولية
عرض مقالات الكاتب

يتندر الأردنيون بمقولة لرئيس حكومتهم الحالي السيد بِشِر الخَصاونة أطلقها عام 2021 زَعَمَ فيها أن “أفضل أيام الأردن لم تأت بعد”، وقد سمع الأردنيون سابقا تصريحات كثيرة مماثلة على لسان مسؤولين آخرين ذهبت كلها أدراج الرياح كغيرها من وعود الإصلاح ومكافحة الفساد التي سمعوها ولا يزالون منذ عشرين عاما.  

لقد بَشّرهُم رئيس وزراء سابق ذات يوم بأن الأردن سوف يخرج من عنق الزجاجة في العام 2019 و جاءت توصيات لجنة “تحديث المنظومة السياسية” عام 2021 التي ترأسها رئيس وزراء سابق آخر ” لتُبشرهم بحكومات مُنتخبة بعد عشر سنين،  وفي رواية أخرى عشرين سنة.! الكل يتحدث بكلام مُرسل يُطلق على عواهنه لتلهية الناس دون براهين ودون ذكر آجال مُلزمة أو خطوات معينة أو إجراءات انتقالية تُتخذ للوصول الى ما يقولون أننا سنصل اليه، مجرد كلام على الماشي.

اقرأ: الأردن يُشرك إيران في مبادرته حول سوريا 

بينما في واقع الحال تمضي الحكومة الحالية قُدما بتنفيذ أجندات دخيلة وسياسات غريبة لا تمت الى أولوياتنا الوطنية ولا حاجات مجتمعنا بصلة،  فقد أقدمت الحكومة الحالية على اتخاذ قرارات وتمرير تشريعات و قوانين في البرلمان تَصُب بشكل مباشر في جعل الأردن أسوأ وليس أفضل. منها على سبيل المثال ، محاولة جر البلد جرا للاعتماد على عدونا اللدود إسرائيل لتزويدنا بالمياه، في اتفاق مُقترح، يجري تسويقه الآن يُسمى اتفاقية الكهرباء مقابل الماء تشترك فيه دولة الإمارات كطرف ثالث، وهو في جوهره عبارة عن عملية تحايل وتلاعب وتضليل للشعب للوصول الى الهدف النهائي وهو جعل حنفية الماء للبلد بيد الكيان الصهيوني وإحكام سيطرة إسرائيل كليا على البلد، فهذا الكيان لا يُعاني أصلا من أي نقص في الكهرباء وهم ليسوا بحاجة لكهرباء، وإنما هذه ذريعة ومسوغ (لف ودوران) لفرض هذا الاتفاق الكارثي ، الذي سبقه عملية تفريغ وتجفيف مشبوهة للسدود في المملكة في سابقة إهمال لم تحدث من قبل أبدا.

وهناك قرار آخر لا يقل خطورة اتخذته هذه الحكومة و هو السماح للإيرانيين والشيعة بزيارة أضرحة الصحابة في الكرك دون مُسوغ ديني أو شرعي  وهذا قرار كارثي وسيكون له أبعاد وخيمة على الأردن في مقبل الأيام إذا لم يتم إلغاؤه وتداركه قبل فوات الأوان، فقد  يستفيق الأردنيون ذات يوم ليجدوا أن الكرك قد أصبحت مدينة ” مُقدسّة” عند الشيعة يتدفقون عليها بالآلاف لممارسة طقوسهم، حينئذ اقرؤوا على جنوب الأردن السلام تدريجيا. من أين ستأتي الأيام الأفضل يا دولة الرئيس إذا سيطر الكيان الصهيوني على مياهنا وتغلغلت ايران كالسرطان في جنوب الأردن؟

وهناك ثالثة الأثافي، قانون حيازة المخدرات الذي أقره البرلمان و يمنع تجريم الحيازة لأول مرة ، وهو رسالة ضمنية مبطنة للشباب لحيازة وتعاطي المخدرات، لأنه يقول لهم بلسان الحال لا تقلقوا ولا تخافوا فلديكم فرصة أولى وثانية…!  وهناك قانونا الطفل والمرأة  اللذان أصرّت هذه الحكومة على تمريرهما في البرلمان رغم معارضة غالبية الأردنيين لهما لا أفهم سبب حماس الحكومة الأردنية على فرض قوانين وتشريعات لا تُعتبر ملحة ولا من الأولويات ولا يعدو كونها إلا ترفا فكريا أو تشريعيا ارضاء لجهات خارجية، ناهيك عن اتفاقيات الغاز والتعاون وتفاهمات ثنائية أخرى دخلت حيز التنفيذ و لم تُعرَض على أحد.  ماذا يعني قانون حقوق الطفل وماذا يعني قانون حقوق المرأة ؟ وما هي الحقوق التي أضافتها هذه التشريعات ولم تكن موجودة في ثقافتنا  وممارساتنا اليومية وشريعتنا التي نعتز بها.

نحن أمام حالة من العبث التشريعي والترف القانوني المدفوع بأجندات خارجية طارئة علينا لا تُراعي أولويتنا الوطنية، وتُحاول إصلاح ما ليس بفاسد، أو جبر كأس ليست مكسورة ، أو لكي نقولها على بلاطة ، تخريب ما هو صالح. حتى لو كانت هذه القوانين مطابقة بنسبة 99% لقيمنا وتقاليدنا، فما هي حاجتنا بها وأين هي من سُلّم أولوياتنا من مكافحة الفساد والقضاء على البطالة والفقر وجلب الإستثمارات وتحفيز النمو الاقتصادي وتطوير السياحة والزراعة والقطاعات الأخرى المتميزة وإسترداد الأموال المنهوبة ؟ لماذا و لمصلحة مَن يتم إقحام  وتمرير قوانين دخيلة على الناس بالإكراه؟ ولماذا يتم إلهاء البرلمان بقوانين عبثية ليست من أولوياتنا ولا تلقى قبولا عند الناس بدلا من التفرغ لحل مشكلاتنا الأساسية الأكثر إلحاحا.

تابعنا على فيسبوك

إن  أخشى ما أخشاه الآن هو أن تكون الخطوة القادمة لهذه الحكومة وهذا البرلمان هو سن قانون عدم تجريم المثلية الجنسية والسماح بالزواج المثلي واللواط، بحجة مقاومة الضغوط إياها و للتماهي مع الموجة الدولية والهجمة الأخلاقية الخبيثة التي يتعرض لها العالم كله هذه الأيام بذريعة حقوق إنسان والهوية الجنسية والحريات الشخصية. ولكن إذا بقينا على هذا المنوال فإن البلد ذاهبة الى المجهول لأن الضغوط الذي يتعرض لها النظام لن تتوقف عند حد، وسنجد أنفسنا يوما وقد تخلينا عن كل ثوابتنا الوطنية وتقاليدنا وأعرافنا بحجة الضائقة الاقتصادية والضغوط الخارجية، كالذي خسر الدنيا والآخرة.  نحن نعرف جيدا ما هي هذه الجهات التي تضغط ولماذا تضغط وبأي اتجاه تريد أن توصل البلد ، فالدول التي يعتبرها النظام صديقة وحليفة له هي أبعد ما تكون عن ذلك وهي في حقيقة الأمر من ألد أعدائنا و لا تضمر لنا الخير وهدفها تدمير البلد وإضعافه وإجهاض وتعطيل أي نهضة وتقدم فيه، وهذا الوضع غير قابل للاستمرار طويلا (None- sustainable) لأنه قد يؤدي في البلد ما لا يحمد عقباه.

إن مقاومة الضغوط الخارجية أيا كان مصدرها لا يتم إلا بالانفتاح على الناس وإشراك الشعب وممثليه الحقيقيين في القرارات المصيرية التي تمس أمنه وقوته اليومي،  وأخذ رأي الأغلبية من في عين الاعتبار واحترام تطلعات الناس ورغباتهم من خلال برلمان حقيقي وليس برلمان ديكور، وهذا لا يتأتى إلا بمزيد من الحريات والشفافية ووجود معارضة قوية منبثقة عن الشعب من خلال ممثليه وقواه الوطنية وفعالياته الشعبية. إن وجود معارضة سياسية ذات شرعية سياسية منبثقة عن الشعب من شأنه أن يُشكل ردءا وسندا قويا للنظام وللدولة يُحصنه ضد الضغوطات الخارجية وليس العكس أبدا ، فلا يوجد قوة على وجه الأرض تستطيع أن تفرض على حكومة منتخبة وممثلة لشعبها تشريعا أو قانونا منافيا لقيم وعادات هذا الشعب أو ضد رغباته أو ضد مصالحه الوطنية، مهما كانت هذه الضغوطات سواء اقتصادية أو سياسية.

إن سبب نجاح الضغوطات الخارجية على الأردن ليس الوضع الاقتصادي السيء كما يزعمون بل هو الحكم الفردي الذي لا مُعقّبَ له، وعدم وجود معارضة سياسية حقيقية يستطيع النظام أن يستند عليها في مواجهة الخارج. إن الحكم الذي يفتقر لأي شكل من أشكال المساءلة والشفافية والمراجعة القانونية والبرلمانية، ويُضفي عليه البعض صفة العصمة هو حكم ضعيف ومستضعف بالضرورة و لا يستطيع الصمود أمام الضغوطات الدولية.  لهذا السبب حصريا الأردن ضعيف ويرضخ للإملاءات الخارجية، سواء من دول كبرى أو هيئات دولية  كالبنك الدولي أو منظمات غير حكومية.  إن هذه المطالب أصبحت تتجاوز الخطوط الحمراء وتتعدى على الثوابت الوطنية، و تضر بالوطن اقتصاديا وسياسيا وأمنيا و اجتماعيا، ولا داع للشرح أكثر من ذلك ، وهي بكل تأكيد ليست بمصلحة النظام نفسه على المدى البعيد.

تابعنا على تويتر

إن الشعب الأردني هو من أكثر شعوب المنطقة انفتاحا وثقافة وتعليما، ونسبة حملة الشهادات الجامعية فيه تعتبر من أعلى النسب عالميا، والشعب الأردني بكل فئاته – كسائر شعوب بلاد الشام- شعب خَلاّق ومُبدع وجاد ونشيط ، ولو قُيّض لهذا الشعب أن يحكم نفسه بنفسه من خلال مؤسسات ديمقراطية وحكومات حرة شفافة ومُنتخَبة فإنه بلا شك سيحقق معدلات نمو اقتصادي غير مسبوقة و يحقق معدلات دخل عالية ، بدون وصاية من أحد ، ولن يحتاج الى مساعدات ولا إلى قروض من أحد، فإمكانيات الأردن البشرية مع ما حباه الله من موقع جغرافي وكنوز سياحية وجو معتدل وثروات طبيعية وشعب متعلم مبدع كفيلة بتحقيق مستويات معيشة جيدة له، لو استغلت هذه الميزات الاقتصادية الاستغلال الأمثل ، وهذا فقط هو الكفيل بالقضاء على الفساد ومحاربته بحق وليس بالكلام والشعارات.  

الحرية والحكومات المُنتَخبة ليست مكرمة ولا منّة من أحد، بل هي حق و طريق وحيد لإنقاذ البلد و للخروج من عنق الزجاجة  ومن الأزمات المستعصية التي نعيش فيها سياسيا واقتصاديا ، وهي التي ستضمن للأردن أيام أفضل وهي التي ستُحصّن البلد والنظام ضد الضغوطات الأجنبية الضارة، وقد طال انتظارها أكثر من اللازم.

نحن بحاجة لأفعال وليس لأقوال.  

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى