دين ودنيا

موقف الإسلام من الرقّ والاسترقاق

طريف مشوح

كاتب وباحث سوري
عرض مقالات الكاتب

يلجأ المغرضون إلى اتهام الإسلام بشأن الاسترقاق والاستعباد، وملك اليمين، بل يصورون الأمر وكأنه غير موجود إلا في الإسلام.

إن الاستعراض المتأني والمنصف لهذا الأمر يبين أن ظاهرة الرقّ وملكِ اليمين كانت معروفة قبل الإسلام بكثير نتيجه المعارك التي كانت تحدث بين الفرس والرومان واليونان، حيث يقوم المنتصر بأسر جنود الطرف المغلوب ويعتبرهم ملك يمين وغنائم حرب من جملة الغنائم فيوزع الأسرى على جنود الجيش المنتصر.

ما شذت القبائل العربية قبل الإسلام عن هذا السلوك في القتال بين القبائل العربية يقوم الطرف الغالب بأسر أفراد من الطرف المغلوب ويعتبرهم غنائم حرب تجري عليهم ما يجري على الغنائم، وأكثر من هذا كانت بعض القبائل إذا أجدبت ديارها وساء حالها الاقتصادي أغارت على قبيلة أخرى فأسرت أفرادًا ليتم بيعهم والتعيش على أثمانهم.

اقرأ: سجن جورين لـ”الاستعباد الجنسي” في سوريا… شهادات ناجيات من جهنّم 

وقد كان الدائن يأخذ أحد أبناء المدين كرقيق إذا عجز المدين عن سداد ما عليه، ولعل أكبر عمليه استرقاق في التاريخ حصلت عندما أغار الأوروبيون على إفريقيا فأسروا عشرات الملايين من الأفارقة وباعوهم في أوروبا وأمريكا كرقيق وخدم يعملون في الدور والمزارع.

وجاء الإسلام فاشترط أن تتم عملية الرق والأسر في حال المعاملة بالمثل أي إذا كان الطرف المقابل يأسر من المسلمين فعندها يقوم المسلمون بالأسر منه، كما اشترط الإسلام ألا يكون السبي والأسر إلا في معركة، وألا يكون المسلمون معتدين في هذه المعركة.

نظر الإسلام في الحرب ورأى أن من يأسر، فهو قادر على القتل وبالتالي يكون الأسر أفضل من القتل، وقد حرم الإسلام الاختطاف، كما حرم الرق مقابل الدين.

لقد نهى الرسول الكريم عن إيذاء المملوك، بل أمر بالاحسان إليه وقد ذهب الشافعي إلى أن إكراه الأسيرة على العلاقة الجسدية لا يجوز، كما لا يبيح الإسلام وطء السبايا المشركات.

وإذا أراد المسلم أن يتزوج ملك يمين فعليه أن يعتقها وقد شجع الرسول على عتق الأمة والزواج منها، وفي ذلك قال صلى الله عليه وسلم كما جاء في البخاري عن أبي موسى الأشعري:
(أيما رجل كانت عنده وليدة – أي أمة – فعلمها فأحسن تعليمها وأدبها فأحسن تأديبها ثم أعتقها وتزوجها فله أجران..)، كما أورد الإمام أحمد، أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إذا اعتق الرجل أمته ثم تزوجها بمهر جديد فله أجران).

تابعنا في فيسبوك

كانت منابع الرق متعددة قبل الإسلام: الحرب- الإغارة- الخطف- وكان المرء إذا ارتكب ذنبًا كبيرًا يعطي ولده رقيقًا كي يبرأ من ذلك الذنب…الخ.

عمل الإسلام على إلغاء جميع مصادر الرق وأبقى على الرق في حالة الحرب المشروعة القائمة بطلب ولي أمر المسلمين، وبالمقابل عدّد الشارع مصادر العتق فالمذنب عليه عتق رقبة والظهار يقابله عتق رقبة وكفارة اليمين عتق رقبة وخلل صيام عتق رقبة.

كما شجع الإسلام على العتق بدون ذنوب أي العتق للعتق، يقول تبارك وتعالى: (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ ۝ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ ۝ فَكُّ رَقَبَةٍ ۝… [البلد ١١-١٣]، والمقصود هنا من (فك رقبة) هو تحرير الرقيق والأسير.

ومن مصادر العتق أيضًا: الصدقة و الزكاة فأحد مصارف الزكاة تحرير رقبة وهذا واضح في قوله تبارك وتعالى:《إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ سورة التوبة، الآية (60).

وأيضا هذا الأمر (الإنفاق لتحرير الرقيق والأسير) وارد في الآية ١٧٧ من سورة البقرة، والتي تقول:{ لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177).

ومن أخلاقيات الإسلام في التعامل مع الرقيق، منعه المسلم من مناداة عبده ب” يا عبدي، بل فتاي أو فتاتي كما حثه على معاملة الرقيق معاملة إنسانية، فطلب منه أن يطعمه من طعامه، وأن يلبسه من لباسه ،وأن يشغله في ما يطيق.

يذكر أن المرأة الرقيقة إذا أنجبت من سيدها يكون ولدها حرًا وتصبح هي أم ولد لا تباع ولا تورث في حين أن تزوجت من عبد يكون ولدها عبدًا ويزداد بالتالي عدد العبيد.

تابعنا في تويتر

كما قرر الإسلام مبدا المكاتبة وهو أن يشتري العبد نفسه من سيده لقوله تعالى:
(فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا ۖ وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ ۚ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ) سورة النور الآية 33

وفي هذه المكاتبة يشتري العبد نفسه من سيده بمبلغ متفق عليه يسدد في مواعيد محددة ويطلق السيد عبده للعمل والتكسب من أجل سداد مبلغ الحرية، كما حث الإسلام على إعطائه شيء من المال لمساعدته على الحرية والتخلص من الرق.

ختامًا.. البحث شاق وشائك اختصرت منه الكثير الكثير وأرجو ألا يخل هذا الاختصار بجوهر البحث، كما أرجو أن أكون قد وفقت فيما كتبت.
والله الموفق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى