سياسة

تحرير الشام.. وحلم التوسع في الشمال على حساب الملف الأمني

محمد غسان عبدو

كاتب سوري
عرض مقالات الكاتب

تأمل “هيئة تحرير الشام”، خلال السنوات الأخيرة، توسيع رقعة سيطرتها في الشمال السوري، من خلال تقديم نموذج حسن للمناطق المسيطرة عليها في إدلب وريف حلب الغربي.

و يعتبر الملف الأمني من أكثر الملفات الحساسة، و التي استطاعت “الهيئة” بجهازها الأمني إدارته بشكل فعال من خلال تحجيم خلايا النظام و داعش، والحد من التفجيرات الإرهابية التي تودي بحياة العشرات من المدنيين، مقارنة فيما سبق من سنوات، كما أنها حاربت و تحارب بشكل واضح و ملموس، تشكيل أي جماعة جهادية متشددة في مناطقها، وترفض وجود أي ذكر لتنظيم القاعدة، وذلك سعياً لإخراجها من قوائم الإرهاب الدولية، وهو الأمر المستبعد حالياً لدى الحكومة الأمريكية، لانشغالها في ملفات أكثر أهمية، بحيث أصبح القتال الدائر في سوريا ليس أولوية لديها، كما أن بايدن لا يريد فتح ملفات جديدة ضده، لأن الإعلام ومعارضيه سيتخذون من هذه الخطوة دليلاً آخر على تساهل بايدن مع الإرهاب، ولاسيما بعد الانسحاب من أفغانستان.

اقرأ: تحرير الشام.. ممارسات قمعية وسياسات مريبة في إدلب

توسع “تحرير الشام” لن يكون ضمن أراضي النظام، وذلك بعد الاتفاقات الموقعة بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، في أذار 2019، وكذلك لن يكون على حساب الميليشيات الكردية المدعومة أمريكياً، وهو ما يدفعها لمحاولة السيطرة على مناطق “الجيش الوطني السوي”، مستفيدةً من فساد بعض القادة، وتسلطهم، والانفلات الأمني المصحوب بتفجيرات لا تزال تودي بحياة المدنيين، بشكل متكرر، وهو ما سيدفع العديد من المدنيين، للترحيب بهم في الشمال المحرر، لوضع حد لهذه الأعمال الإرهابية، و توحيد مكونات الثورة العسكرية والأمنية، في جسم واحد يستطيع الجميع التعامل معه، وليس كما هو الوضع حالياً، فالقيادة لعدة فصائل متناحرة ضمن القرية أو المدينة الواحدة.

تابعنا على تويتر

قد تكون هذه الأوضاع و ما تبشر به “تحرير الشام” من أمن سيُنشَر في هذه المناطق، حالها حال إدلب، دافعاً قوياً للعديد من المدنيين و الجهات الثورية للاستعانة بها، والتخلص من التفرق والتسلط من فصائل صغيرة، لكن ذلك سيكون بثمن كبير، ويسبب الضرر للثورة، والمناطق المتبقية خلال الأشهر أو السنوات القادمة، فسيطرة “هيئة تحرير الشام” (المصنفة على قوائم الإرهاب)، على مناطق سيطرة “الجيش الوطني السوري”، سيشكل مبرراً لروسيا والنظام والمليشيات الإيرانية، لاستباحة ما تبقى من المحرر، تحت مسمى محاربة الإرهاب، و قد يكون هذا الأمر من البديهيات المعلومة للجميع، كما ستتوقف العديد من المنظمات الإغاثية عن العمل في مناطق “الجيش الوطني”، لكن الأمر لن يتوقف على ذلك فالهيئة ليست نموذجاً جيداً _ حتى الآن_ يمكن أن يعوض أخطاء وعيوب الفصائل، فعلى الرغم من اعتراف الجميع بقوتها الأمنية و العسكرية، مقارنة بالفصائل الأخرى، لكنها نموذج سيء سياسياً، فالجولاني و “مجلس شورته” يسيطرون على “حكومة الإنقاذ” بشكل كامل، وأي قرار لا يكون موافقاً لوجهة نظرهم، لا يمكن العمل به، حيث يحاولون السيطرة حتى على المفاوضات السياسية، وهو أمر مرفوض من قبل “الحكومة السورية المؤقتة” مما يعني أنه مرفوض قطعاً من قبل دول ومنظمات دولية، فالسياسة تحتاج لسياسيين وليس لفصيل عسكري يشتغل بها، كما أن الحريات في مناطق سيطرة “تحرير الشام” ما زالت تشغل المنظمات الحقوقية العالمية، وخاصة حقوق الصحفيين حيث لا تزال “تحرير الشام”، رغم من تغير الكثير من أيديولوجياتها، تعامل الصحفيين والناشطين بطريقة فرض الرأي لا التعاون في سبيل ايجاد صيغة، تعكس تطلعات الثورة في الحرية والكرامة.

تابعنا على فيسبوك

خلال السنوات القادمة، يجب أن تتخلى “الهيئة” عن فكرتها بالتوسع، تحت أي مبرر، لأن ذلك سيشكل “نحراً” لما تبقى من الثورة، فرغم سعي الجولاني لتقديم نموذج جديد، يرضي الغرب، إلا أنه لم يفلح في ذلك، ولن يتحقق له في الأعوام القليلة المقبلة. لكن في المقابل يجب على الفصائل الثورية، توحيد صفوفها، وإظهار وجه مشرق ونموذج فعال في الشمال، ما قد يلغي أي أطماع لتحرير الشام في بسط سيطرتهم على الشمال، تحت ذريعة النموذج الأمني، وقلة نسبة التفجيرات والاغتيالات في إدلب، الأمر الذي يشكل مصدر قلق لدى جميع المدنيين وحتى الناشطين في الشمال المعرّضين للموت أو الاغتيال في أية لحظة، طالما بقي الوضع الراهن هو نفسه في مناطقهم.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى