ثقافة وأدب

قالت العرب: “أَخَاكَ أَخَاكَ إِنَّ مَنْ لاَ أَخَا لَهُ كَسَاعٍ إِلَى الْهَيْجَا بِغَيْرِ سِلاَحِ”

نصير محمد المفرجي

إعلامي وباحث في اللغة العربية.
عرض مقالات الكاتب

قالت العرب:
أَخَاكَ أَخَاكَ إِنَّ مَنْ لاَ أَخَا لَهُ ♦♦♦ كَسَاعٍ إِلَى الْهَيْجَا بِغَيْرِ سِلاَحِ
والبيت للشاعر مسكين الدارميّ، وهو ربيعة بن عامر المعروف بمسكين الدارميّ نسبة إلى دارم أحد أجداده، شاعر أُمويّ شجاع من أشراف تميم في العراق، لقب مسكينًا لأبيات قال فيها:
أنا مسكين لمن أنكرني … ولمن يعرفني جدّ نطق
لا أبيع الناس عرضي إنني … لو أبيع الناس عرضي لنفق
وقال ابن قتيبة: وسُمّي المسكين لقوله:
وسُمّيْت مسكينًا وكانت لجاجة … وإني لمسكين إلى الله راغب
أمّا هذا البيت الشهير لمسكين الدارميّ المذكور آنفًا:
أَخَاكَ أَخَاكَ إِنَّ مَنْ لاَ أَخَا لَهُ ♦♦♦ كَسَاعٍ إِلَى الْهَيْجَا بِغَيْرِ سِلاَحِ
فهو مثَلٌ قديم ضربَتْه العرب لمن يأتي الأمر من غير أن يُعدَّ له عُدَّة، ومن غير أن يكون مستعدًّا له.
وقد قال تعالى: ﴿ وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً ﴾ [التوبة: 46].

اقرأ أيضاً: قالت العرب : مُكْرَهٌ أخاكَ لا بَطَلٌ
والمعنى: يجب على الإنسان أن يلزم أخاه في جميع الأمور، لأن المرء الذي يتخلى عن أخيه يكون كالإنسان الذي يذهب إلى الحرب بغير سلاح، والهيجاء هي المعركة أو الحرب.
فأتت “أخاك أخاك” على وجه الترغيب، فنصَب قوله “أخاك” بإضمار فعل: أي الزم أخاك، أو أكرم أخاك، وقوله ” إن من لا أخا له” أراد لا أخَ له، فزاد ألِفاً لأن في قوله “له” معنى الإضافة، ويجوز أن يحمل على الأصل أي أنه في الأصل أخَوٌ فلما صار أخا كعَصًا ورحىً ترك هاهنا على أصله.

تابعنا في فيسبوك

الإعراب:
أخاك: مفعول به منصوب على الإغراء تقديره: “الزم أخاك”، وهو مضاف، والكاف: ضمير في محل جر بالإضافة.
أخاك: توكيد للأولى.
إن: حرف مشبه بالفعل. من: اسم موصول في محل نصب اسم “إن”. لا: نافية للجنس. أخا: اسم “لا” منصوب بالألف لأنه من الأسماء الستة. له: اللام: حرف مقحم بين المضاف والمضاف إليه، والهاء: ضمير متصل مبني في محل جر بالإضافة.

تابعنا على تويتر
والتقدير: إن الذي لا أخاه موجود. كساع: جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر “لا” إلى الهيجا: جار ومجرور متعلقان بـ”ساع”. بغير: جار ومجرور متعلقان بـ”ساع”. وهو مضاف. سلاح: مضاف إليه.
والشاهد فيه وجوب الإضمار إذا كُرّر المغرى به، فـ”أخاك” يلزم نصبه بتقدير: الزم أخاك، و”أخاك” الثاني: توكيد.

وإنَّما ضُرِب المثل بذلك؛ لأنه لا يُتصوَّر وجودُه من أصحاب العقل السَّليم، ولو كان متصوَّرًا منهم لقَبُح عقلاً ضرْبُ المثل به؛ لأنَّه حينئذٍ يكون بلا معنى.
فلولا قبْحُ هذه الصُّورة (وهي الذَّهاب إلى الحرب من غير سلاح) في ذهن كلِّ عاقل، لَما كان لِضرب المثل بذلك معنًى كما هو واضح.
وقُل مِثلَ هذا في كلِّ شيء في الحياة؛ إذْ كيف يَبني البَنَّاءُ من غير أدوات البناء؟ وكيف يصنع الصَّانع من غير أدوات الصِّناعة؟ وكيف يزرع الزَّارع من غير أدوات الزراعة؟ وكيف يتاجر التاجر من غير أدوات التجارة؟
فالمقصود أنَّ هذا أمر مطَّرِد في كلِّ مناحي الحياة، حتَّى يكاد يكون بدهيًّا أو ضروريًّا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى