“لبنان وإسرائيل”.. شرقستان وغربستان وحدودهما الوهمية
أما وإن نتنياهو قد وصل مرة أخرى على رأس السلطة في إسرائيل بفوزه في الانتخابات التي جرت منذ يومين، فهل سيبقى على تصريحاته قبيل وبعيد التوقيع على ترسيم الحدود البحرية مع لبنان وتصريحه أنه سيخرج من هذه الاتفاقية الذي وقع عليها سلفه لابيد يائير منذ أيام؟
وهل سيكون مصير الاتفاقية بين حزب الله ويائير كمصير الاتفاق النووي مع إيران الذي وقعه باراك أوباما ولم يلبث أن خرج منه ترامب؟ أسئلة تُطرح..
فقد جدّد نتنياهو قبيل إعلان نتائج الانتخابات في إسرائيل معارضته لاتفاق ترسيم الحدودالبحرية مع لبنان، ووصفه بالاستسلام، ولكن حتى الآن لم يتعهد بإلغائه وربما لن يفعل، ففي تصريح عما إذا كان سيلغي الاتفاق وذلك قبيل إعلان نتائج الانتخابات في إسرائيل قال نتنياهو “سأتصرف في اتفاقية الغاز كما تصرفت في اتفاقية أوسلو التي كانت هي الأخرى اتفاقية استسلام سيئة وقعتها الحكومة اليسارية وقتذاك”.
وكما هو معروف ورغم معارضة نتنياهو لاتفاقية أوسلو بين إسرائيل ومنظمة التحريرالفلسطينية عام 1993 فإن نتنياهو لم يلغِ الاتفاق غير أنه لم يطبقه على أرض الواقع.
اقرأ عارضة أزياء فرنسية تعلن إسلامها
لاشك أن نتنياهو درس تفاصيل اتفاق ترسيم الحدود الذي وُقِّع عليه في السابع والعشرين من أيلول الماضي بين الجانبين الإسرائيلي واللبناني برعاية أمريكية وذهب نسخة عنه إلى الأمم المتحدة والولايات المتحدة و بحسب بنود الاتفاق فإنه سيدخل حيز التنفيذ عندما ترسل الولايات المتحدة إشعارا يتضمن تأكيد على موافقة كل من الطرفين على الأحكام المنصوص عليها في الاتفاقية.
فبالعودة إلى أهم نقاط الاتفاقية نجد أن لبنان قد تنازل عن الخط 29 الذي كان ينادي به عبر سنوات طويلة، واكتفى بالخط 23 فماذا يعني هذا؟ هذا يعني أن لبنان قد تنازل بالكلية عن حقل كاريش الغازي النفطي ضمن الخط 29 دون أي تعويضات له من هذا الحقل في حين حقل قانا الذي يقع ضمن الخط 23، فإنه لن يحصل لبنان بالكامل على عائداته منه بل سيدفع لإسرائيل تعويضات تدفعهاالشركات التي ستنقب عن الغاز وعن النفط وهما شركتي توتال الفرنسية وإيني الإيطالية.
اقرأ دفعة جديدة من لاجئي مخيمات لبنان تدخل سوريا
الاتفاق أعطى إسرائيل مساحات واسعة ليس من المنطقة الاقتصادية لحقل قانا فحسب بل مساحات واسعة من الأمن كانت بحاجتها إسرائيل وتبحث عنها ليمكنها التنقيب عن الغاز عبر شركات لاتقدِم على التنقيب إن لم تكن المناطق المراد التنقيب فيها آمنة وهذا ما سيوفره لها لبنان عبر حزب الله طبعا بالاتفاق مع إيران.
ترتيب المستفيدين من هذا الاتفاق
لا شك أن المستفيد الأكبر من هذا الاتفاق هي إسرائيل, فقد أخذت بموجبه حقل كاريش كما ذكرنا كاملا إضافة إلى تعويضات من حقل قانا باعتبار أن حقل قانا لا يقع كاملا ضمن المنطقة الاقتصادية الاقتصادية اللبنانية بل يقع أجزاء منه ضمن المنطقة الاقتصادية الإسرائيلية، إسرائيل كذلك أخذت بهذا الاتفاق ما كانت تبحث عنه من أمن في مياهها الاقليمية في مناطق الحقول ليمتد هذا الأمن عبر الحدود البرية أيضا, فالأمنان مرتبطان ببعضهما الأمن البري والأمن البحري يضاف إلى هذه المكاسب مكسب آخر اكتسبته إسرائيل وهي بقاء منطقة الطوافات البحرية خارج ترسيم الحدود ما سيعطي إسرائيل حرية التحرك بها بداعي أن الاتفاق لم يشملها ويرسمها،وربما ستكون هذه المنطقةمستقبلا بمثابة لغم مؤقت كما هي عادة غالبية معاهدات ترسيم الحدود التي يترك جانبا مبهما لأطرافه كل يفسره على الوجه الذي يحلو له.
المستفيد الثاني من هذه الاتفاقية البحرية هي إيران فقد تزامن التوقيع عليه مع مباحثات الملف النووي الإيرانى الذي يصطدم بعقبات حقيقية، وكذلك تزامنه مع اندلاع المظاهرات التي تجتاح المدن الإيرانية وربما جاء هذا الاتفاق لخطب ود تل أبيب وواشنطن وهذه الأخيرة الراعي الرسمي لهذه الاتفاقية والضامن لتنفيذ الاتفاق خاصة أن واشنطن أكدت أنها تقف مع مطالب الشعب الإيراني وهذا مايؤرق طهران بالطبع، الاتفاقية مكّنت إيران من زيادة حجم صادراتها النفطية التي غضت واشنطن الطرف عنها رغم العقوبات المفروضة على صادراتهاوربما جاء هذا ليكون ثمنا لموقفها في دعم هذا الاتفاق.
اضغط هنا لمتابعة صفحتنا في فيسبوك
أما لبنان فقد استفاد لكن ليس بالقدر الذي كان يأمله اللبنانيون ربما المستفيدون من هذا الاتفاق هو حزب الله الذي لمَّع بهذه الاتفاقية من صورته عند واشنطن وكذلك عند الغرب فكثيرا من هؤلاء لازالوا يعتبرونه حزبا إرهابيا وبهذا الاتفاق يأمل حزب الله أن يغير من وصفه بأنه حزب إرهابي، أما الطبقة السياسية في لبنان فقد استفادت هي الأخرى إذ أضفت هذه الإتفاقية مشروعيتهم ومشروعية الأعمال التي قاموا بها فقد جاء الاتفاق ليشرعن ما قاموا به من أعمال التي سبقت توقيعهم عليه، فالجانبان إن الإسرائيلي أو اللبناني على حد سواء اتفقوا على أن التوقيع على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بينهما ووصفهما ليوم التوقيع عليه بأنه يوم تاريخي.
اقرأ كيف هرب “أحمد شوقي” من الحج واعتذر بقصيدة غنتها “أم كلثوم”؟
ولكن مابال من يقف على الضفة الأخرى من هذا الاتفاق؟
منتقدو الاتفاقية هذه يقولون بأنها هي أقرب للصفقة منها للاتفاقية، وينتقدون السرعةالكلية في التوقيع عليها وإبرامها على الوجه الذي سارت عليه، فهم يقولون اتفاقيات ترسيم الحدود بين بلدين عادة تدوم سنينا طويلة من مفاوضات ومباحثات تجري بين شد وجذب ولا سيما إن حدث في بلد كلبنان الذي تحكمه توافقات وتجاذبات في أمور أقل أهمية من أهمية ترسيم الحدود بينه وبين إسرائيل فإنها تدوم لآجال طويلة فهم يضربون مثلا على قضية الطائرة الأمريكية F35 بين أنقرةوواشنطن, والمفاوضات الطويلة التي جرت بين الجانبين بخصوص تسليمها لتركيا ومع هذا لايزال أمر البت بتزويدها لتركيا معلقا حتى اللحظة رغم أنها مفاوضات تجري حول طائرة بينما ترسيم حدود بين دولتين له من الأهمية الاستراتيجية القصوى ماله ومفاعيله متعلقة بالأحيال القادمة يجري التوقيع عليها خلال أشهر معدودات!!؟فمنتقدوها على أنه لو أن المفاوضات على صفقة تفاح أو خضار لاستغرق أمر التفاوض حولها أكثر مما استغرقته اتفاقية ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل.
الآن هل سيبقي نتنياهو على تصريحاته التي كان ينادي بها بأنه سيتراجع عن الإتفاق أو على الأقل سيتعامل معه كما تعامل مع إتفاق أوسلو رغم الفوائد اللامحدودة التي حصلت عليها إسرائيل منه؟
أظن وكل الظن ليس بإثم بل بعضه أنّ نتنياهو سوف لن ينقض هذا الاتفاق الذي أبرمه سلفه لابيد فقدحقق لإسرائيل ما كانت تبحث عنه من الأمن على حدودها البحرية والبرية فحرم لبنان من الخط 29 الذي جعلها أي-إسرائيل- تحصل من حقل قانا على تعويضات من الشركات المنتجة للنفط وللغاز بينما ذهب حقل كاريش خالصا لها، وترك الباب مواربا أيضا حول أي عملية ممكن أن يقوم بها نتنياهو وحكومته في الجانب الذي لم يرسم من الحدود” منطقة الطوافات” بوجود ضامن غير عادل كواشنطن يضمن أن تقوم إسرائيل بتنفيذ مااتفق عليه، فهل سيتعامل رئيس الوزراء الإسرائيلي القديم الجديدنتنياهو مع اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع لبنان كتعامله مع اتفاقية أوسلو مع الفلسطينيين التي لم تطبق على الأرض وجعلها حبرا على ورق؟