ثقافة وأدب

قالت العرب : مُكْرَهٌ أخاكَ لا بَطَلٌ

نصير محمد المفرجي

إعلامي وباحث في اللغة العربية.
عرض مقالات الكاتب

ورَدَ المَثَلُ في كتُب الأمثال العربية، منها كتاب جَمْهَرة الأمثال لأبي الهلال العَسْكري، بلفظ: مُكْرَهٌ أخوكَ لا بَطَلٌ، قال أبو هلال: «قولُهُم: مُكرَهٌ أخوكَ لا بَطلٌ؛ المَثَلُ لأبي جشر خال بيهَس، ومَعْناه: إنّما أنا مَحمول على القتال ولستُ بشُجاع، والبَطَلُ الشجاعُ.

ويَروي أبو الفَضل المَيْداني في مَجمع الأمثال قصةَ المَثَل، قال فيها: هذا من كلام أبى حَنَشٍ خال بَيْهس المُلَقَّبِ بنَعَامة، يُريدُ أنّه مَحمولٌ على ما دَفَعَه إليْه خالُه لا أنّ في طبعه شجاعةً، والمَثَلُ يُضربُ لمَن يُحمَلُ على ما ليسَ من شأنه. فهذا المَثَل هو كناية عَمَّن يحملُ على أمر ليس من طبعه أو يُدْخَلُ في أمر مفروض عليه.

أمّا النّحويّون فقَد روَوا المَثَل: مُكْرَه أخاكَ، وقد وجَّه ابن هشام الأنصاريّ في مُغني اللبيب العبارَة التوجيه الآتي، وهو أنّ أخاكَ ورَدَت على لغة من قالَ: إنّ أباها وأبا أباها. وهي لُغَة القَصْر، ولُغة القَصر هذه حَكاها ابنُ الأعرابيّ.

أمّا إعرابُ المَثَل فقَولُه: مُكْرَهٌ: خبر مُقدَّم، وأخاك مبتدأ مرفوعٌ، وعلامة رَفعه الضّمّة المقدّرَة على آخره للتّعذُّر، على لغة مَن قَصَرَ، أو مُكْرَه: مُبتدَأ، وأخاكَ: نائبُ فاعل سدَّ مسدَّ الخَبَر مرفوعٌ، وعلامة رَفعه الضّمّة المقدّرَة على آخره للتعذر، على رأي الكوفيين والأخفش الذين لا يَشترطون في الوصف اعتمادَه على نفيٍ أو شبهِه.

وهذه اللغة (لغة القصر) من لغات العرب؛ إذ يلزمون المثنَّى، والأسماء الخمسة أو الستة الألف في جميع حالات الإعراب وعلى ذلك قول الشاعر:

إنَّ أباها وأبا أباها    ***   قد بلغا في المجد غايتاها

فالأسماء الواردة في البيت وهي “أباها، أبا، أباها، غايتاها” لزمت الألف وفقًا لهذه اللغة مع أنَّ القياس يخالف ذلك.

ويروي النحاة قبل هذا البيت قول الشاعر:

واهاً لريّا ثمّ واهًا واها    ***    هي المنى لو أنَّنا نلناها

يا ليت عيناها لنا وفاها   ***     بثمنٍ نُرضي بهِ أباها

ومثل ذلك “مُكْره أخاك” فالقياس: مُكْره أخوك – على أنَّ “أخوك” نائب عن الفاعل أو متبدأ مؤخَّر، لكنَّ المثل سرى بهذا الضبط لذلك نقبله مهما كان دون تعديل أو تبديل – فليس لنا أنْ نتدخَّل فيه لأن له ما يُسَوِّغه.

ومن الشواهد القرآنية في هذا المقام قوله تعالى: (إنَّ هذان لساحران)، إذ قال الفرّاء في الجزء الثاني من كتابه (معاني القرآن) إن هذه الآية جاءت على “لغة بني الحارث بن كعب، يجعلون الاثنين في رفعهما ونصبهما وخفضهما بالألف”. قوله: “يجعلون الاثنين” يعني يجعلون المثنى بالألف في كل الأحوال، فلا فرق عندهم بين رفع ونصب وخفض. فهم يقولون: هذان ساحران، إن هذان ساحران، ومررت بهذان الساحران.

هذا، وقد اجتهد بعض النحاة ليوفقوا بين قواعدهم وقوله تعالى: “إنَّ هذان لساحران”، فكلفوا أنفسهم شططًا فوق شطط ولم يفلحوا.

 ولا مخرج سوى الأخذ برأي الفرّاء القائل إن قوله تعالى: (إنَّ هذان لساحران) جاء مسايرًا للغات بعض العرب ومنهم “بني الحارث بن كعب، يجعلون الاثنين في رفعهما ونصبهما وخفضهما بالألف”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى