دين ودنيا

القواعد الفقهية (5)الضرر لا يزال بالضرار

محمد عبد الحي عوينة

كاتب وداعية إسلامي. إندونيسيا.
عرض مقالات الكاتب


ألفاظ القاعدة: أوردها بهذا اللفظ السيوطي: (الأشباه والنظائر للسيوطي ص86 وهي الْقَاعِدَةُ الرَّابِعَةُ عنده)، والزركشي: (القواعد والضوابط الفقهية المتضمنة للتيسير 1/ 277)
وعبر عنها كثير من أهل العلم بلفظ : الضرر يزال
كالسبكي، وقال: أي يزال ولكن لا بضرر
(الأشباه والنظائر للسبكي 1/ 41 وهي القاعدة الثانية عنده)
وابن نجيم: الأشباه والنظائر لابن نجيم ص94الْقَاعِدَةُ الْخَامِسَةُ، غمز عيون البصائر 1/274
وهذه القاعدة مسوقة لبيان وجوب إزالة الضرر إذا وقع (المدخل إلى دراسة المذاهب الفقهية ص337)
معنى القاعدة:
معنى هذه القاعدة: لا تضروا انفسكم ولا يضركم غيركم(الأصل الجامع لإيضاح الدرر المنظومة في سلك جمع الجوامع 3/ 59)
أَي لَا يجوز شرعاً لأحدٍ أَن يُلْحق بآخر ضَرَراً وَلَا ضِرَارًا، وَقد سيق ذَلِك بأسلوب نفي الْجِنْس ليَكُون أبلغ فِي النَّهْي والزجر. (شرح القواعد الفقهية ص165)
والأصل في المنافع الإباحة، والْأَصْلَ فِي الْمَضَارِّ التَّحْرِيمُ وَالْمَنْعُ
(الفروق للقرافي 1/ 220، الإبهاج في شرح المنهاج 3/ 165)
فَإِنَّ الأَحْكَامَ إمَّا لِجَلْبِ الْمَنَافِعِ، أَوْ لِدَفْعِ الْمَضَارِّ، فَيَدْخُلُ فِيهَا دَفْعُ الضَّرُورِيَّاتِ الْخَمْسِ الَّتِي هِيَ حِفْظُ الدِّينِ، وَالنَّفْسِ وَالنَّسَبِ، وَالْمَالِ وَالْعِرْضِ. (التحبير شرح التحرير 8/ 3846)
وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ تَرْجِعُ إلَى تَحْصِيلِ الْمَقَاصِدِ وَتَقْرِيرِهَا بِدَفْعِ الْمَفَاسِدِ أَوْ تَخْفِيفِهَا. (التحبير شرح التحرير 8/ 3846)
وَمِمَّا يَدْخُلُ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ ” الضَّرُورَاتُ تُبِيحُ الْمَحْظُورَاتِ ” وَهُوَ مَا أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ “وَإِبَاحَةُ الْمَحْظُورِ” يَعْنِي أَنَّ وُجُودَ الضَّرَرِ يُبِيحُ ارْتِكَابَ الْمَحْظُورِ، أَيْ الْمُحَرَّمِ، بِشَرْطِ كَوْنِ ارْتِكَابِ الْمَحْظُورِ أَخَفَّ مِنْ وُجُودِ الضَّرَرِ، وَمِنْ ثَمَّ جَازَ – بَلْ وَجَبَ – أَكْلُ الْمَيْتَةِ عِنْدَ الْمَخْمَصَةِ وَكَذَلِكَ إسَاغَةُ اللُّقْمَةِ بِالْخَمْرِ وَبِالْبَوْلِ. وَقَتْلُ الْمُحْرِمِ الصَّيْدَ دَفْعاً عَنْ نَفْسِهِ إذَا صَالَ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لا يَضْمَنُ. وَمِنْهَا الْعَفْوُ عَنْ أَثَرِ الاسْتِجْمَارِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا لا حَصْرَ لَهُ. (مختصر التحرير شرح الكوكب المنير 4/ 444)
مصدر القاعدة ودليلها:
حديث (لا ضرر ولا ضرار). رواه ابن ماجة في كتاب الأحكام، باب: من بنى في حقه ما يضر بجاره (2/784) عن عبادة بن الصامت – رضي الله عنه – مرفوعاً برقم (2340) بلفظ: (أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قضى: أن لا ضرر ولا ضرار) . وعن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً في الموضع السابق رقم (2341)
وأخرجه الإِمام أحمد في مسنده (1/313)، (5/326) .
وأخرجه الدارقطني في سننه في كتاب الأقضية والأحكام (4/228) عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – مرفوعاً، وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – مرفوعاً أيضاً في الموضع السابق بلفظ: (لا ضرر ولا ضرورة، ولا يمنعن أحدُكم جارَه أن يضع خشبته على جداره)
وأخرجه الحاكم في كتاب البيوع (2/57) وقال: (صحيح الإسناد على شرط مسلم) ووافقه الذهبي.
وأخرجه البيهقي في كتاب الصلح، باب: لا ضرر ولا ضرار (6/69) .
وأخرجه الإمام مالك في الموطأ في كتاب الأقضية، باب: الأقضية في المرافق. عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه مرفوعاً.
قال الألباني في الإرواء (قلت: وهذا مرسل صحيح الإسناد، وهذا هو الصواب من هذا الوجه) .
أخرجه عنه أبو داود في كتابه المراسيل رقم (367) .
ورمز له السيوطي في الجامع الصغير رقم (9899) بالحسن.
وقال المناوي في فيض القدير: والحديث حسَّنه النووي في الأربعين.
قال: ورواه مالك مرسلاً. وله طرق يقوى بعضها بعضاً، وقال العلائي: للحديث شواهد ينتهي مجموعها إلى درجة الصحة أو الحسن المحتج به) .
وقد صدر الشيخ الألباني كلامه عن هذا الحديث بقوله: (صحيح) .
وفي آخر الكلام عن الحديث قال: (قلت: فهذه طرق كثيرة لهذا الحديث قد جاوزت العشر، وهي وإن كانت ضعيفة مفرداتها، فإن كثيراً منها لم يشتد ضعفها، فإذا ضم بعضها إلى بعض تقوى الحديث بها وارتقى إلى درجة الصحيح إن شاء الله تعالى) .
ثم قال: (قلت: وقد احتج به الإمام مالك، وجزم بنسبته إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال في الموطأ: وقد قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لا ضرر ولا ضرار.
وكذلك احتج به محمد بن الحسن الشيباني في مناظرة جرت بينه وبين الإمام الشافعي، وأقره الإمام الشافعي عليه) .
ئم ذكر بعد ذلك شواهد للحديث.
أمثلة وتطبيقات:
هذه القاعدة ينبني عليها كثير من أبواب الفقه: كدفع الصائل، وقتال المشركين، والبغاة، وفسخ النكاح بالعيوب، أو الإعسار، ووجوب القصاص على المكره على القتل أو غير ذلك.(المدخل إلى دراسة المذاهب الفقهية ص 337، الأشباه والنظائر للسبكي 1/41، تشنيف المسامع بجمع الجوامع 3/ 466)
1-وَمن ذَلِك بعض الخيارات، كَخِيَار الرُّؤْيَة وَخيَار الشَّرْط، فَإِن الأول شرع لدفع الضَّرَر عَن المُشْتَرِي بِدُخُول مَا لَا يلائمه فِي ملكه. وَالثَّانِي شرع للْحَاجة إِلَى التروي لِئَلَّا يَقع فِي ضَرَر الْغبن.(شرح القواعد الفقهية ص166)
2-وَمن ذَلِك أَنْوَاع الْحجر، فَإِنَّهَا شرعت توقياً من وُقُوع الضَّرَر الْعَائِد تَارَة لذات الْمَحْجُور وَتارَة لغيره، فَإِن من وَجب حجره إِذا ترك بِدُونِ حجر قد يضر بِنَفسِهِ وَقد يضر بِغَيْرِهِ كَمَا هُوَ ظَاهر.
3- وَمِنْهَا: الشُّفْعَة، فَإِنَّهَا شرعت توقياً من ضَرَر جَار السوء، وضرر القسمة. ( تشنيف المسامع بجمع الجوامع 3/ 465)
4- وَمِنْهَا: جبر الشَّرِيك على الْعِمَارَة إِذا أَبَاهَا فِي ثَلَاثَة محلات وَهِي: مَا إِذا كَانَ وَصِيّ يَتِيم، أَو مُتَوَلِّي وقف، وَعند ضَرُورَة تعذر الْقِسْمَة. فَإِنَّهُ شرع توقياً من تضرر الصَّغِير وَالْوَقْف وَالشَّرِيك من تداعي الْعقار للخراب.
5-وَمِنْهَا: مَا لَو بَاعَ لآخر مَا يتسارع إِلَيْهِ الْفساد وَغَابَ المُشْتَرِي قبل قَبضه وَقبل نقد الثّمن فَأَبْطَأَ، فَللْبَائِع بَيْعه لغيره توقياً من تضرره بفساده، وَلَا يرجع على المُشْتَرِي بِشَيْء لَو نقص الثّمن الثَّانِي عَن الأول (رد الْمُحْتَار، من كتاب الْبيُوع).
6- وَمِنْهَا: حبس الْمُوسر إِذا امْتنع عَن الْإِنْفَاق على أَوْلَاده أَو قَرِيبه الْمحرم وَجَوَاز ضربه فِي الْحَبْس إِذا أصر على الِامْتِنَاع، توقياً من وُقُوع الضَّرَر بأولاده أَو قَرِيبه الْفُقَرَاء ببقائهم بِلَا نَفَقَة. (الْأَشْبَاه والنظائر لِابْنِ نجيم، بَاب الْقَضَاء)
7-وَمِنْهَا: مَا لَو أعَار أَرضًا للزِّرَاعَة أَو آجرها، فزرعها الْمُسْتَعِير أَو الْمُسْتَأْجر، ثمَّ رَجَعَ الْمُعير أَو انْتَهَت مُدَّة الْإِجَارَة قبل أَن يستحصد الزَّرْع، فَإِنَّهَا تتْرك فِي يَد الْمُسْتَعِير أَو الْمُسْتَأْجر بِأَجْر الْمثل إِلَى أَن يستحصد الزَّرْع وَذَلِكَ توقياً من تضرره بقلع الزَّرْع. (رد الْمُحْتَار، كتاب الْعَارِية، شرح القواعد الفقهية ص167)
8-وَمِنْهَا مَا لَو اشْترى اثْنَان شَيْئا قيمياً وَغَابَ أَحدهمَا فللحاضر دفع كل ثمنه وَقَبضه وحبسه عَن شَرِيكه إِذا حضر حَتَّى ينْقد لَهُ ثمن حِصَّته، لِأَنَّهُ مُضْطَرٌ، وَيجْبر البَائِع على قبُول كل الثّمن من الْحَاضِر وَدفع كل الْمَبِيع لَهُ (الدّرّ الْمُخْتَار وحاشيته رد الْمُحْتَار، من كتاب الْبيُوع، متفرقات، شرح القواعد الفقهية ص170)
9-وَمِنْهَا: أَن الْوَكِيل بشرَاء شَيْء معِين لَا يملك أَن يَشْتَرِيهِ لنَفسِهِ من غير أَن يعلم الْمُوكل بِأَنَّهُ يُرِيد أَن يَشْتَرِيهِ لنَفسِهِ، كَمَا ذَكرُوهُ فِي الْوكَالَة، فَمَنعهُمْ لَهُ عَن شِرَائِهِ لنَفسِهِ إِنَّمَا كَانَ دفعاً للضَّرَر عَن الْمُوكل، إِذْ عساه أَن يتَضَرَّر من عدم الْحُصُول على مَقْصُوده ليسد حَاجته.
10-وَمِنْهَا: مَنعهم شِرَاء الْحُبُوب وإخراجها من بَلْدَة يضر بِأَهْلِهَا، قال أبو يُوسُف: لَو أَن أعراباً قدمُوا الْكُوفَة وَأَرَادُوا أَن يمتاروا مِنْهَا ويضر ذَلِك بِأَهْلِهَا أمنعهم عَنهُ، أَلا يرى أَن أهل الْبَلدة يمْنَعُونَ عَن الشِّرَاء للحكرة؟ فَهَذَا أولى. (شرح القواعد الفقهية ص172)
11- ومن ذلك أيضاً الرد بالعيب، رفعاً للضرر عن المشتري، والرد بالعيب فوري، الفورية بالعرف، مع ملاحظة أن ما يعده الناس متراخياً يسقط البيع، وشرط الرد بالعيب: ظهور العيب، وأن يكون العيب من عند غير المشتري.
ومن الملاحظ أن الرد بالعيب كان لدفع ضرر مترتب على ضياع مال المشتري، وقد يؤدي عدمه إلى إشاعة الغش، فدفعًا لكل ذلك شرع الرد بالعيب.
12- وَمِنْهَا: أَنهم لم يجوزوا شَهَادَة الْعَدو على عدوه إِذا كَانَت الْعَدَاوَة دنيوية. وأوجبوا فسخ حكم الْحَاكِم إِذا كَانَ بَين الْمَحْكُوم عَلَيْهِ وَالْحَاكِم أَو بَينه وَبَين ابْنه أَو بَينه وَبَين أَبَوَيْهِ عَدَاوَة دنيوية بَيِّنَة.
13- ومن ذلك التعزير والحدود والقصاص لئلا تعم الجريمة (المدخل إلى دراسة المذاهب الفقهية ص 337، الأشباه والنظائر للسبكي 1/41)
13-جَوَاز دفع السَّارِق والباغي مَا أمكن إِلَى أَن ينْدَفع شَره وَلَو بِالْقَتْلِ. (شرح القواعد الفقهية ص 163)
14- نصب الأئمة والقضاة شرع لدفع الضرر من عدم استحقاق الحق في بلد، واستفحاش الظلم فيه. (المدخل إلى دراسة المذاهب الفقهية ص 337، الأشباه والنظائر للسبكي 1/41)
15-جَوَاز طعن الْمُحدث فِي الروَاة.
16-وعدم وجوب الْخُرُوج على الإِمَام الجائر إِذا كَانَ متغلباً وَفِي الْخُرُوج عَلَيْهِ مفْسدَة. (شرح القواعد الفقهية ص164)
17- يجوز لكلٍ من الرجل والمرأة فسخ عقد النكاح بالعيوب.
تَنْبِـــيهٌ: يُتَحَمَّلُ الضَّرَرُ الْخَاصُّ؛ لِأَجْلِ دَفْعِ ضَرَرِ الْعَامِّ. لِأَنَّ الْخَاصَّ لَيْسَ مِثْلَ الْعَامِّ، وَهَذَا مُقَيِّدٌ لِقَوْلِهِمْ: الضَّرَرُ لَا يُزَالُ بِمِثْلِهِ
وَعَلَيْهِ فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ: (الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 74)
1- منها جواز رمي الكفار وإن تَتَرَّسُوا بِأُسَارَى الْمُسْلِمِينَ.
2- وَمِنْهَا: وُجُوبُ نَقْضِ حَائِطٍ مَمْلُوكٍ ـ مَالَ إلَى طَرِيقِ الْعَامَّةِ، أَوْ انْشَقَّ طُولًا أَوْ عَرْضًا ـ عَلَى مَالِكِهَا؛ دَفْعًا لِلضَّرَرِ الْعَامِّ.
3- وَمِنْهَا: جَوَازُ الْحَجْرِ عَلَى الْبَالِغِ الْعَاقِلِ الْحُرِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي ثَلَاثٍ: الْمُفْتِي الْمَاجِنِ (الَّذِي يُعَلِّمُ النَّاسَ الْحِيَلَ)، وَالطَّبِيبِ الْجَاهِلِ (الَّذِي يَسْقِي النَّاسَ الدَّوَاءَ وَيَمُوتُ الْمَرِيضُ)، وَالْمُكَارِي الْمُفْلِسِ(الَّذِي يُكَارِي الدَّابَّةَ، وَيَأْخُذُ الْكِرَاءَ فَإِذَا جَاءَ أَوَانُ السَّفَرِ رَأَيْته لَا دَابَّةَ لَهُ فَيَنْقَطِعُ الْمُكْتَرِي عَنْ الرُّفْقَةِ)؛ دَفْعًا لِلضَّرَرِ الْعَامِّ
4- وَمِنْهَا: بَيْعُ مَالِ الْمَدْيُونِ الْمَحْبُوسِ. (غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر 1/ 281)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى