أخبار

تركيا ترتب أوراق الشمال السوري.. تأديب الفصائل أم تنظيمها؟

عاد الحديث مجددًا عن تشكيل مظلة عسكرية جديدة تضم تشكيلات “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا، وإنهاء حالة الفصائلية، بعد تسعة أيام من انتهاء اقتتال بين أبرز مكوناته، أسفر عن دخول “هيئة تحرير الشام” صاحبة النفوذ العسكري في إدلب إلى مناطق في ريف حلب.

تقارير صحفية، مصادر أمنية تركية، باحثون ومحللون، يصب حديثهم مؤخرًا عن تشكيل عسكري جديد يضم مكونات “الجيش الوطني” تحت عباءته بدعم وتوجيه تركي، دون وضوح ماهية هذا التشكيل.

مساعٍ لتوحيد “الجيش الوطني”

في 25 من تشرين الأول الحالي، نشر موقع “Middle East Eye” تقريرًا قال فيه إن “تحرير الشام” انسحبت إلى حد كبير من مدينة عفرين شمالي حلب، بعد أسبوعين تقريبًا من سيطرتها عليها وفقًا لمصدر “أمني تركي رفيع”.

وقال المسؤول التركي المطلع، “لن نترك هذه المناطق أبدًا لجماعة مثل هيئة تحرير الشام، كل هذه التكهنات ونظريات المؤامرة هي محض هراء”.

وقالت مصادر تركية إن أنقرة قد تستغل الاشتباكات مؤخرًا لإعادة تنظيم “الجيش الوطني السوري” أخيرًا، الذي يعاني من الاقتتال المستمر، بحسب الموقع.

وسيتم تشكيل قيادة واحدة وجيش واحد، رغم عديد المحاولات لتحقيق ذلك سابقًا، ومن المستبعد إعادة التنظيم لـ”هيئة تحرير الشام” لأنها ليست جزءًا من نظام الحسابات القومية، وفق ما قالته مصادر أمنية تركية للموقع.

وسيتم حل كل المجموعات والمكونات الخاضعة لـ”الجيش الوطني” بموجب الخطة الجديدة، وفق المصادر.

الباحث والصحفي التركي ليفانت كمال نشر عبر “تويتر” أن وحدات القوات المسلحة التركية ستتولى من “الجيش الوطني” جميع المعابر والنقاط العسكرية التي تسببت في حدوث مشاكل في الاشتباكات بينها وبين “هيئة تحرير الشام” في عفرين والاقتتال الداخلي في مناطق اعزاز (منطقة عملية درع الفرات).

الباحث السياسي السوري في مركز “جسور للدراسات” فراس فحام، ذكر عبر “تويتر” اليوم، الخميس 27 من تشرين الأول، أنه لا يوجد قرار نهائي حاليًا حول مصير فصائل “الجيش الوطني”.

وأشار فحام إلى وجود توجّه لإعادة تشكيل للفصائل لتصبح “منضبطة” بشكل أكبر، ليس من الناحية الأخلاقية فحسب، وإنما على صعيد القرارات والتعاطي السياسي.

تأديب أم تحدٍ

ذكر مقال للباحث عروة عجوب، نشره “معهد الشرق الأوسط”، أن لتركيا مصلحة في تحقيق الاستقرار في الشمال السوري لدرء التدفق المحتمل للاجئين السوريين إلى أراضيها وإعادة الموجودين في تركيا، لكن رغبتها أُعيقت غالبًا بسبب تدهور الوضع الأمني المستمر.

ونادرًا ما تنجح جهود أنقرة لحل النزاعات بشكل دائم وترسيم خطوط واضحة بين هذه الفصائل، ما سمح بتشكيلات جديدة بالظهور داخل “الجيش الوطني”، وترك مساحة لصراعات دموية على السلطة والتنافس على المنافع الاقتصادية بين قادتها، وفق مقال الباحث عجوب، وهو كبير المحللين في مركز التحليل والبحوث العملياتية.

سياسة تركيا غير التدخلية تجاه فصائل “الجيش الوطني” تغذي الشعور بالفوضى لدى الفصائل، إذ لم يتدخل الجيش التركي أبدًا لدعم فصيل ضد آخر في حوادث الاقتتال الداخلي السابقة، وغالبًا ما اقتصرت مشاركته على إنهاء العنف مؤقتًا والحفاظ على الوضع الراهن.

ورجح مقال “معهد الشرق الأوسط” أن يثير تدخل وسيطرة “تحرير الشام” على مناطق ريف حلب ردود فعل محلية ودولية، وقد تقوم تركيا بـ “تأديب” فصائل “الجيش الوطني” التي تجرأت على تحدي سلطة أنقرة في الشمال.

وتريد أنقرة، بحسب المقال، تلقين “الفيلق الثالث” درسًا على عصيانه الأوامر التركية، لأنه رفض إرسال قواته للقتال في ليبيا وأذربيجان بعد تلقيه أوامر من تركيا، على عكس بقية فصائل “الوطني”.

وتعمل تركيا أيضًا على تمكين الموالين لها، مثل فرقتي “الحمزة” (الحمزات) و”السلطان سليمان شاه” (العمشات) الذين قاتلوا إلى جانب “تحرير الشام” في الاقتتال مؤخرًا.

انتهاكات واختراقات

جرى الإبلاغ عن 184 اشتباكًا على الأقل بين مقاتلي “الجيش الوطني” بين آذار 2020 و10 من كانون الأول 2021، ويرجع ذلك بشكل كبير إلى أزمة القيادة والفصائل والقبلية والخلافات الشخصية والفساد المستشري في صفوفه، بحسب تقرير نشره مركز “كارتر” في آذار 2022.

كما يشهد “الجيش الوطني” عمليات اندماج وانشقاق لتشكيلات عسكرية عديدة تحت عباءته، وتسود حالة من الفصائلية تتشكّل بمسميات متعددة رغم تبعيتها لـ”الجيش الوطني”.

وتعتمد هذه التشكيلات بعد اندماجها رايات تحمل الاسم الجديد للجسم العسكري، ترفعها في مقراتها وعلى حواجزها وآلياتها، ثم تزيلها في حالة الانشقاق.

وتكرر دخول “تحرير الشام” إلى مناطق عفرين الخاضعة لنفوذ “الجيش الوطني” في حزيران الماضي وفي تشرين الأول الحالي، واكتفت تركيا إما بالتوسط لعودة كل فصيل إلى موقعه أو بدفع غير مباشر.

وربما شجع رد فعل أنقرة “هيئة تحرير الشام” على التوسع في الشمال، إذ سبقها خلافات عديدة لم تبد تركيا أي رد فعل.

ما القصة؟

تأتي هذه التحركات والتكهنات بعد تسعة أيام من اقتتال بين “الفيلق الثالث” و”هيئة تحرير الشام” بتحالفها مع فصائل أخرى في “الوطني” أيضًا.

وبدأ الاقتتال مساء 10 من تشرين الأول الحالي، وتوقفت في 17 من الشهر نفسه، بعد ضلوع مقاتلين من “فرقة الحمزة” بقتل الناشط محمد عبد اللطيف (أبو غنوم) وزوجته الحامل في مدينة الباب بريف حلب الشرقي، وهو ما أدى إلى استنفار من “الفيلق الثالث” لتفكيك الفصيل (الحمزات).

وتزامنت الاشتباكات مع وقفات احتجاجية ومظاهرات لمدنيين في مدن وبلدات ريفي حلب رفضًا لدخول “تحرير الشام”، ووصلت الاحتجاجات إلى معبر “باب السلامة” للضغط على السلطات التركية من أجل التدخل.

ووصلت حصيلة الضحايا نتيجة الاقتتال إلى ثمانية أشخاص بينهم امرأتين وطفلين وإصابة 47 آخرين بينهم 11 طفلًا وسبع نساء، ونزح سبعة آلاف و284 شخصًا من المخيمات التي شهد محيطها اشتباكات.

وأدت الاشتباكات إلى محاصرة آلاف العائلات داخل المخيمات وانقطاع الطرق المؤدية إليها نتيجة الاقتتال وعدم قدرة العائلات على الخروج بسبب الاستهدافات، وفق ما نشره فريق “منسقو استجابة سوريا“.

ونددت جهات محلية ودولية بتدخل “تحرير الشام” في مناطق حلب، منها السفارة الأمريكية في دمشق التي نشرت، في 18 من تشرين الأول، تغريدة عبر حسابها الرسمي في “تويتر”، قالت فيها، إنها قلقة من توغل “تحرير الشام” في مناطق شمالي حلب، وطالبت بسحب قواتها من المنطقة على الفور، وأنها لا تزال منظمة “إرهابية”.

وقالت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان“، إن أي مشاركة بأي طريقة في دعم أو تمويل أو تشجيع أو مساعدة “تحرير الشام”، يعتبر سببًا كافيًا لإدراج الأفراد والكيانات على قوائم مجلس الأمن لـ”الإرهاب”، وتهديدًا بنيويًا وخطرًا على أبناء هذه المناطق، كما أنه سوف يتسبب في عرقلة هائلة للعمليات الإغاثية، والهيئات المدنية فيها.

وسحبت “تحرير الشام” قواتها من ريف حلب الشمالي بعد الاقتتال مؤخرًا، في حين لا يزال عناصر “جهاز الأمن العام” العامل في إدلب موجودين في ريف حلب.

“الجيش الوطني”

ويسيطر “الجيش الوطني” على ريفي حلب الشمالي والشرقي إضافة إلى مدينتي رأس العين شمال غربي الحسكة وتل أبيض شمالي الرقة.

وكان قد أُعلن، في تشرين الأول 2019، بمدينة شانلي أورفة جنوبي تركيا، عن تشكيل “الجيش الوطني” من قبل مجموعة من القادة العسكريين في المعارضة السورية، بقيادة وزير الدفاع في “الحكومة السورية المؤقتة”، ورئيس هيئة الأركان حينها، سليم إدريس.

لا توجد إحصائية دقيقة لعدد مقاتلي “الجيش الوطني” لأنه يفتقر إلى قيادة وإدارة مركزية، لكن مصادر عسكرية داخله تقول إن التشكيل لديه قدرة لجمع ما بين 50 ألف و70 ألف مقاتل، وفق “معهد الشرق الأوسط”.

ونفذت تركيا بالتعاون مع “الجيش الوطني السوري” ثلاث عمليات عسكرية داخل سوريا، هي “درع الفرات” وشملت مناطق اعزاز وجرابلس والباب ومارع والراعي، وعملية “غصن الزيتون” وشملت عفرين ونواحيها، و”نبع السلام” وشملت مدينتي تل أبيض ورأس العين.

عنب بلدي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى