تقارير

الجنيه يفقد مزيدًا من قيمته…وأزمة غذاء تهدِّد المصريين

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب


مع وصول نسبة الفقر في مصر في أغسطس الماضي، بحسب إحصاءات الجهاز المركزي للتَّعبئة والإحصاء، إلى ما يقرب من 30 بالمائة من أبناء الشَّعب المصري، بمتوسِّط دخْل لا يتعدَّى دولارين في اليوم؛ ومع تفاقُم أزمة انخفاض الاحتياط النَّقدي الأجنبي من العملات الصَّعبة، بعد خروج الأموال السَّاخنة للمستثمرين الأجانب مع اندلاع الحرب الرُّوسيَّة-الأوكرانيَّة أواخر فبراير الماضي؛ ومع عجز البلاد عن توفير بعض السِّلع الغذائيَّة الأساسيَّة، بسبب شحِّ الدُّولار الأمريكي اللازم في استيراد الحبوب والأعلاف الحيوانيَّة وتسديد جماركها، تواجه مصر أزمة محقَّقة تهدِّد بارتفاع نسبة الفقر إلى ما يفوق التَّوقُّعات. عصفت الأزمة الاقتصاديَّة العالميَّة النَّاجمة عن الحرب الرُّوسيَّة-الأوكرانيَّة، المستمرَّة على مدار ثمانية أشهر متواصلة وإلى أجل غير مسمَّى، بجهود الحكومة المصريَّة لتوفير حياة كريمة للمواطنين، من خلال برامج الضَّمان الاجتماعي ودعْم السِّلع الغذائيَّة.
وقد لجأت الحكومة المصريَّة إلى صندوق النَّقد الدُّولي منذ أشهر للحصول على قرض جديد، يزيد من الدَّين الخارجي ويقدِّم حلًّا مؤقَّتًا لأزمة انخفاض احتياطي العملات الأجنبيَّة، وكان من أهمِّ شروطه التَّحرير الكامل لسعر صرف الجنيه المصري أمام الدُّولار الأمريكي، دون سقف من البنك المركزي المصري. وبحسب تقارير الوكالات الاقتصاديَّة العالميَّة، فإنَّ القيمة الحقيقيَّة للجنيه هي 15 بالمائة أقل من قيمته المتداوَلة، ما يعني ارتفاع أسعار السِّلع الأساسيَّة والخدمات في الفترة المقبلة، مع اقتراب إتمام صفقة الحصول على القرض غير مُحدَّد القيمة، كما أعلن جيري رايس، المتحدِّث باسم صندوق النَّقد الدُّولي، في بيان عن نتائج المناقشات بين الصُّندوق وممثِّلي الحكومة المصريَّة.
القيمة الحقيقيَّة للدولار تنذر بارتفاع جديد في الأسعار
تتَّفق الوكالات الاقتصاديَّة العالميَّة بشأن مواجهة الجنيه المصري أزمة فادحة تنذر بانخفاض قيمته إلى مستويات غير مسبوقة في تاريخه. فبعد أن فقد الجنيه في مارس الماضي حوالي 20 بالمائة من قيمته، تتوقَّع وكالة بلومبيرغ الاقتصاديَّة الأمريكيَّة انخفاض الجنيه 15 بالمائة من قيمته قريبًا، مع إتمام صفقة حصول مصر على قرض صندوق النَّقد الدُّولي، ليصل سعر الدُّولار الواحد إلى 24.6 جنيه. وقد صرَّح جوردن ج. باورز، المحلِّل الاقتصادي التَّابع لشركة Columbia Threadneedle Investments الأمريكيَّة، المتخصِّصة في إدارة الأصول الماليَّة، بقوله ” أتوقَّع أن تبدأ الوتيرة السَّريعة للضَّعف الآن، والَّتي ستكون خطوة رئيسيَّة لمصر قبل أن تتمكَّن من الحصول على موافقة المجلس التَّنفيذي لصندوق النَّقد الدُّولي على قرض جديد”، في تأكيد منه على أنَّ الانخفاض الجديد في قيمة الجنيه لن يكون الأخير. وبحسب ما صرَّح به هشام جنينة، الخبير الاقتصادي، لموقع العربيَّة.نت الإخباري، فإنَّ الدُّولار حتَّى ولو انخفضت قيمته قليلًا بعد حصول مصر على القرض الجديد، فالقيمة ستعاود الارتفاع من جديد، مع إتاحة الاستيراد وحركة رؤوس الأموال. ومن المثير للانتباه أنَّ الأزمة الاقتصاديَّة في مصر تتفاقم، برغم تدفُّق الأموال الخليجيَّة إلى البلاد، إمَّا في صورة مساعدات ماليَّة أو في مقابل شراء أصول البلاد من المصانع والشَّركات والبنوك.
أزمة قطاع الدَّواجن تهدِّد قطاعات أخرى في مصر
نتيجة لنقص الاحتياطي النَّقدي من العملات الصَّعبة في مصر، يواجه قطاع الحبوب الغذائيَّة أزمة في الإفراج عن شحنات القمح وأعلاف الماشية والدَّواجن المستورَدة من الخارج، والمكدَّسة في الموانئ المصريَّة منذ أشهر. وقد نتج عن ذلك أن لجأ منتجو الدَّواجن في مصر إلى إعدام آلاف الكتاكيت خنقًا؛ نتيجة لشحِّ الأعلاف. وقد صرَّح ثروت الزَّيني، نائب رئيس اتِّحاد منتجي الدَّواجن في مصر، بأنَّ استمرار أزمة توفير الأعلاف قد تفضي إلى ارتفاع جنوني في أسعار الدَّجاج والبيض بما لا يطيقه المواطن العاديّ. هدأت أزمة أعلاف الدَّواجن قليلًا، بعد الإفراج عن شحنات من فول الصُّويا والذُّرة، الَّتي تحتاجها المصانع لخلط الأعلاف وتصنيعها، تكفي لثلاثة أشهر. غير أنَّ أزمة أعلاف الدَّواجن قد تطال المزيد من الحبوب والسِّلع الغذائيَّة، منها الأرز والسُّكَّر وزيت الطَّعام والشَّاي والقهوة.
ونتساءل: كيف سيكون ردُّ فعْل الشَّارع المصري تجاه ارتفاع أسعار أهمِّ السِّلع الأساسيَّة في ظلِّ الدَّعوة إلى الخروج للاحتجاج على سوء الأوضاع المعيشيَّة؟ وإن فشلت تلك الدَّعوات في دفْع المصريين إلى الاحتجاج هذه الآونة، هل سيستمرُّ السُّكوت طويلًا؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى