أخبار عاجلة

حكم من أفشى سر مسلم وشهر به عبر وسائل التواصل الاجتماعي

د. هاني السباعي

مدير مركز المقريزي للدراسات التاريخية بلندن.
عرض مقالات الكاتب

سأل سائل كريم: عن حكم شخص أفشى سراً بينهما أليس المجالس بالأمانة؟ وما حكم من شهر بشخص وطعن في عرضه عبر وسائل التواصل الاجتماعي؟.

جواب د. هاني السباعي

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد.

أولاً: أما بالنسبة لإفشاء السر أقول مستعيناً بالله:
سرّ المسلم لأخيه المسلم أمانة وحفظه واجب، وإفشاء السرّ حرام شرعاً. قال الله تعالى في محكم التنزيل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُود) المائدة ـ آية 1. وقال سبحانه وتعالى (وَأَوْفُواْ بِٱلْعَهْدِ ۖ إِنَّ ٱلْعَهْدَ كَانَ مَسْـُٔولًا) الإسراء ـ آية34.
لقد أمر الله تعالى بالوفاء بالعهد والعقود؛ فالائتمان على حفظ السر، عهد وعقد لا ينبغي للمؤمن أن يفشيه. فقد مدح الله تعالى الموفين بعهدهم (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا) البقرة ـ آية 177.
روى الإمام أحمد في مسنده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:”المجالسُ بالأمانة إلَّا ثلاثةَ مجالس سفك دم حرام أو فرج حرام أو اقتطاع مال بغير حق”أهـ الحديث بمجموع طرقه حسّن إسناده الحافظ ابن حجر العسقلاني وأيضا الشيخ الألباني في صحيح الجامع الصغير.
أقول فعلى من يحضر في مجلس أن يتقي الله، ولا يتحدث عن أخيه بما يكره، ولا يذيع ما ذكر من كلام ومحادثات وحوارات في المجلس إلا بإذن من حضر. ومن يفعل ذلك فقد خان الأمانة، لكن يستثني من ذلك ما ذكر في الحديث وهو واضح ومعلوم.

وقد حث الرسول صلى الله عليه على ستر المسلم؛ فقد روى الإمام مسلم في صحيحه بسنده عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من نفَّس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفَّسَ اللَّهُ عنه كربة من كرب الآخرة، ومن ستر على مسلم ستره اللَّه في الدنيا والآخرة واللَّه في عون العبد ما كان العبد في عونِ أخيهِ”أهـ
أقول: ما أعظم الأجر العميم لمن يستر على مسلم! فالله يستره في الدنيا والآخرة وأكرم به من ستر!
إن من صفة المنافقين؛ خيانة الأمانة، تصداقاً لما رواه الشيخان في صحيحهما من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها؛ إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر). متفق عليه.
أقول: إن الذي يفشي السرّ ويذيعه في وسائل التواصل الاجتماعي أو غيرها، قد التصقت به خصلتان ذميمتان؛ الخيانة والغدر. ومن ثم قد ارتكب إثماً كبيراً ينبغي أن يبادر بالاستغفار والتوبة النصوح.
وأود أن أشير إلى أنه لا يشترط أن يقول لك الشخص الذي ائتمنك على سره أو تحدث معك في موضوع ما أن يقول لك هذا سر لا تفشيه. وإنما قد يتحدث معك بأريحية في أمر ما، لكن بالقرينة العرفية يفهم أن هذا الكلام ما ينبغي أن ينقل عنه أو يذاع لآخرين.
وفي حياتنا اليومية يتحدث أحدهم بالهاتف مع آخر فيسجل المحادثة بغير إذنه!؛ فإذا حدثت خصومة بينهما؛ أذاع المحادثة عبر وسائل التواصل الاجتماعي دون وجه حق شرعي، فيتسبب في إلحاق الأذى والضرر النفسي أو المادي أو كليهما بغرض الانتقام والتشفي!.. ولا حول ولا قوة إلا بالله. فمن يفعل ذلك فقد اقترف إثماً عظيماً.
وفي الأثر أن الحسن البصري رحمه الله: قال “إنما تجالسوننا بالأمانة، كأنكم تظنون أن الخيانة ليست إلا في الدينار والدرهم، إن الخيانة أشد الخيانة أن يجالسنا الرجل، فنطمئن إلى جانبه، ثم ينطلق فيسعى بنا”أهـ
ثانياً: أما عن حكم من يشهر بالناس ويطعن في الأعراض؟
أقول وبالله التوفيق:
قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا) الأحزاب ـ آية 58.
من فضح مسلماً أو شهر به، أو طعنه في عرضه بغير حق؛ فقد احتمل بهتاناً وإثماً مبيناً؛ فجزاؤه طينة الخبال يوم القيامة إن لم يتب توبة نصوحاً يبرئ فيه ذمة أخيه وعرضه.
وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الغيبة والنميمة، وعن تتبع عورات المسلمين؛ كما في حديث أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا معشر من آمن بلسانه، ولم يدخل الإيمانه قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتّبع عوراتهم يتّبع الله عورته، ومن يتّبع الله عورته يفضحه في بيته)أهـ الحديث رواه الأئمة أحمد وأبو داود وصححه ابن حبان والألباني في صحيح أبي دواد.
وفي رواية الصحابي عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عند الترمذي: (صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فنادى بصوت رفيعٍ فقال يا معشر من أسلم بلسانه ولم يُفضِ الإيمان إلى قلبه، لا تؤذوا المسلمين ولا تعيّروهم ولا تتّبعوا عوراتهم، فإنه من يتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحْه ولو في جوف رحلهِ”أهـ
أقول: فليحذر الذين يتتبعون عورات المسلمين، فإن الله يفضحهم في الدنيا في عقر دارهم؛ جزاء وفاقاً لجريمتهم التي اقترفوها في حق مسلم برئ.

صفوة القول

إن حفظ السر واجب ونشره حرام. وإن من يشهر بأخيه المسلم، ويتتبع عوراته، وينشرها في وسائل التواصل وغيرها؛ فقد ارتكب إئماً عظيماً. أما إذا ترتب على هذا التشهير الطعن في العرض من سب وقذف ولم تكن معه بينة شرعية؛ فقد وجب عليه حدّ القذف، عقوبته ثمانون جلدة. قال تعالى في محكم التنزيل: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ. إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) النورـ الآيتان 4 و5.
أقول ومعلوم بإجماع الأئمة الأعلام؛ أن الآية تعني الأنفس المحصنة من الرجال والنساء؛ فذكر النساء هنا لأن قذفهن أكثر، وأيضاً لخصوص سبب نزول الآية؛ فالآية عامة تشمل الرجل والمرأة. فمن قذف امرأة أو رجلاً في عرضه ولم يكن معه أربعة شهداء؛ فعليه حد القذف المذكور في الآية الكريمة.
على أية حال أقول: من أذاع سر مسلم بغير حق فقد اقترف إثماً كبيراً. ومن نشر محادثة مكتوبة أو مسموعة أو مصورة صورة ثابتة أو متحركة بغير إذن صاحبها أو تلفظ بعبارات نابية فقد وقع في الحرام واقترف ذنباً عظيماً. أما إذا كان كان المنشور بوسائل التواصل وغيرها سباً وقذفاً في العرض دون بينة شرعية؛ فعقوبته ثمانون جلدة. وإذا شتم بعبارات غير صريحة في السب والقذف، وتكرر ذلك منه أو كانت لا تزال متداولة في وسائل التواصل الاجتماعي ولم يقم بحذفها؛ فعلى القاضي الشرعي أن يعاقبه عقوبة تعزيرية لا تصل إلى عقوبة الحد الشرعي. والله أعلم.
د. هاني السباعي 24 ربيع الأول 1444هـ ـ 17 أكتوبر 2022

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً

الفرق بين صومين

د. عثمان محمد بخاش باحث في الفكر الإسلامي والقضايا المعاصرة عن أبي هريرة …