مقالات

لو نظر بوتين في المرآة؟!

هيثم المالح

عرض مقالات الكاتب

سنوات ليست بعيدة عن اجتماع الدول الأوربية ، وتأسيس الاتحاد الأوربي ، وكانت في الحقيقة خطوة جبارة وكبيرة ، يمكن لها لو اكتملت أن تؤسس قطبًا يحل محل الإتحاد السوفييتي في مواجهة القطب الذي يقوده وحش البيت الأبيض القابع في واشنطن .
لم يستطع الاتحاد الأوربي سوى توحيد العملة المتداولة ، وفشل في إيجاد خارجية واحدة وجيش واحد واقتصاد واحد ضمن استراتيجية اتحاد حقيقي لأوربا . صحيح أن أوربا عمومًا لا تقف إلى جانب الحق العربي المتمثل بالقضية الفلسطينية والتي هي أم القضايا العربية ، بل وبقيت منحازة إلى الكيان الصهيوني المصطنع خلافًا لميثاق الأمم المتحدة نفسه ، والذي خلق لنا في عالمنا العربي جريمة التهجير القسري المستمرة وغير القابله للتقادم ، وهي التي كانت من مبررات الأنظمة العسكرية التي سيطرت على معظم حكومات عالمنا العربي ، وطبعًا قد يخطر على بال بعض الذين سيقرأون كلمتي هذه بأنني أميل إلى هذا الاتحاد بشكل او بآخر ؟! وهذا غير صحيح ، وفقط أحببت أن أضع وجهة نظري لعلها تفيد ، في هذه المرحلة التي فتحت الأطراف على نفسها بوابة جهنم .
الكريملن يعرف كيف انتهى دور الاتحاد السوفييتي ، ولم يعد لروسيا الاتحادية أي دور على الساحة السياسية العالمية ، وتفردت الولايات المتحدة بجشعها وجبروتها بإدارة العالم لتحقيق مصالحها غير آبهة بمصالح الدول الأخرى بمافيها الإتحاد الأوربي ، التي ضغطت لإخراج بريطانيا منه ، لأنها ترى في النهوض الأوربي منافسة لها فعملت بكل الوسائل لعرقلة تطور الاتحاد الأوربي لتحقيق الاندماج الفعلي .
ومن جهة اخرى، سعى بوتين للعودة بروسيا لتأخذ مكان الاتحاد السوفييتي ، وقد كتبت في التسعينيات مقالين حول سقوط الاتحاد السوفييتي وبشرت بإنهيار المنظومة الرأسمالية، فأنا من الناس الذين يعتقدون بأنّ كلا النظامين الشيوعية ، بإشتراكيتها ، وكذلك الرأسمالية كلاهما عدو للإنسانية ، والمخلص الوحيد لها هو النظام الإسلامي بفروعه الاقتصادية والسياسية والعسكرية ، وقد كتبت في ذلك ، كما بينت رأيي في مسألة انهيار الاتحاد السوفييتي من أن ذلك الانهيار ليس من مصلحتنا حين وقع ، لأنه يجعلنا دولًا وشعوبًا أمام الوحش الأمريكي الذي لا يرى سوى بعين واحدة .

وأودّ أن أشير هنا إلى خطوتين خطاهما العالم العربي والإسلامي ، حين أسس جامعة الدول العربية ، ثم منظمة التعاون الإسلامي ، فكانت عبارة عن اسم بلا فاعلية ولا وزن ، لأن الدول العربية والإسلامية تحكمها حكومات وظيفية ، لا تفكر بمصالح الشعوب .
وأودّ أن أشير هنا إلى أنني أمضيت سنوات في القاهرة التي أحب ، واعتقد بأن مصر وسورية هما جناحا الطائر لا يطير دونهما ، وكان لدي مشروع ، يتضمن استلام عالمنا لقيادة العالم من الناحية الاخلاقية ، وهيأت مذكرة تتضمن الدعوة لاجتماع إسلامي مسبحي يهودي لإصدار فتوى بتحريم صناعة واستخدام أسلحة الدمار الشامل ( النووي و الكيميائي و البيولوجي) وأرفقت ذلك بكلمة عن قواعد الاشتباك في الشريعة الإسلامية .
وحاولت لقاء شيخ الازهر ،حين كنت في القاهرة لمناقشة الموضوع معه؛ ولكن حيل بيني وبين لقائه ، ما دفعني لإرسال المذكرة له بالبريد ، كما أرسلتها إلى بابا الفاتيكان ،وإلى أحد الحاخامات من غير الصهاينة ،وإلى المفكر نعوم تشومسكي ،وإلى اتحاد علماء المسلمين وبعض الجهات الاخرى ، وحتى الآن لم أحقق أي تقدم يذكر ، ولكني أحاول تقديم حلول لمشاكل علها تنفع .
أعود لأقول : بأن روسيا من ضمن أوربا ، فماذا لو اتخذت القيادة الروسية طريقًا بعيدًا عن المشكلات الدولية ،وتخلت عن النظرة الاستعمارية ،وتخلت عن المجرم بشار الأسد التي جاءت بها أمريكا والصهاينة لحمايته، ومنع سقوط نظامه العميل ، وعملت مع الاتحاد الأوربي لتاسيس اتحاد فعلي يؤسس لقطب ينافس القطب الذي تقوده أمريكا ، ويسعى لإرساء الأمن والعدالة بين الشعوب ،ويبتعد عن الولوج في أتون الحروب والنزاعات ، وإشعال نيران جهنم في كل بقعة من بقاع الكرة الأرضية ، فهو في اللحظات الأخيرة لتمزق روسيا الاتحادية كما حصل مع سلفها الاتحاد السوفييتي؟
طبعًا سيقول بعض القراء ، كيف تقدم مقترحًا كهذا ، أفلا ترى مافعل المجرم بوتين في سورية وما ارتكبه من جرائم بحق أهلنا وشعبنا ؟!
طبعًا أقول : هذا صحيح ولكن ما انطلق منه ، يكمن في ضرورة وجود توازن قوى في العالم أمام غياب القوة الإسلامية ، فالصراع بين قوتين تتنافسان على العالم يؤدي لمنع تشكل حلف عالمي ضد الإسلام ، ويدفع إحداهما للتعامل مع العالم الإسلامي بأسلوب مختلف، وربما بشكل أخلاقي أرقى فتنتفي تلك المصطلحات التي ألصقت بالإسلام ، وتسقط معها الإسلامو فوبيا .

وأختم : معذرة إلى ربكم ، إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى