مقالات

“عواقب” التَّمرُّد السَّعودي على أمريكا: إيقاف الحماية وزعزعة استقرار الحُكم!

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب


يزداد الخلاف الَّذي عصف بالعلاقات الأمريكيَّة-السَّعوديَّة التَّاريخيَّة، منذ دخول جو بايدن البيت الأبيض في يناير 2021م، خاصَّةً بعد فشل زيارة الأخير إلى المملكة منتصف يوليو الماضي، وعجْزه عن دفْع وليِّ العهد السَّعودي والحاكم الفعلي للمملكة، الأمير محمَّد بن سلمان، إلى زيادة إنتاج النَّفط. يمرُّ الرِّئيس الأمريكي هذه الآونة بظروف حرجة، حيث يستعدُّ إلى انتخابات التَّجديد النِّصفي نوفمبر المقبل، وكان يأمل أن يحسم ملفَّ الطَّاقة لصالحه قبل الانتخابات، حرصًا على شعبيَّته في الشَّارع الأمريكي. لذلك؛ فقد سعى بكافَّة الطُّرق إلى تخفيض أسعار الوقود الآخذة في الارتفاع، منذ اندلاع الحرب الرُّوسيَّة-الأوكرانيَّة في فبراير الماضي، حتَّى وإن كلَّفه ذلك الذِّهاب إلى الأمير محمَّد بن سلمان والتَّفاوض معه مباشرةً، بعد فشل كافَّة الوساطات، بما فيها وساطة رئيس الوزراء البريطاني السَّابق، بوريس جونسون.
وبرغم موافقة وليِّ العهد السَّعودي مبدئيًّا زيادة إنتاج النَّفط ليصل الإنتاج اليومي إلى 13 مليون برميل في أعقاب زيارة بايدن للمملكة، فقد اتِّفق أعضاء منظَّمة أوبك بلس في ختام اجتماعهم الأخير، مطلع أكتوبر الجاري، على تخفيض الإنتاج مليوني برميل، لتعلن السَّعوديَّة انخفاض إنتاجها إلى 10.48 مليون برميل يوميًّا بدءً من نوفمبر المقبل. تجاهلت إدارة محمَّد بن سلمان الضُّغوط الأمريكيَّة، سعيًا إلى إنعاش أسعار النَّفط الَّتي تراجعت إلى 90 دولارًا للبرميل، بعد أن كانت قد تجاوزت 120 دولارًا في بداية الحرب الرُّوسيَّة-الأوكرانيَّة، وفي ذلك ما يصبُّ في مصلحة الحليف الرُّوسي، الَّذي يعتمد على عائدات النَّفط في تمويل حربه على أوكرانيا. غير أنَّ القرار السَّعودي سيكون له تبعات غير محمودة من جرَّاء ردِّ الفعل الأمريكي، الَّذي سيتمثَّل في رفْع الحماية الأمريكيَّة عن منطقة الخليج في مواجهة الهجمات الحوثيَّة، وكذلك في التَّخطيط للإطاحة بوليِّ العهد السَّعودي، الخصم الألدِّ لإدارة بايدن.
كيف سيكون الرَّدُّ الأمريكي بعد إعادة تقييم العلاقات مع السَّعوديَّة؟
صرَّحت كارين جان بيير، المتحدِّثة باسم البيض الأبيض، بأنَّ قرار أوبك بلس الاستفزازي المدعوم سعوديًّا يستوجب إعادة تقييم العلاقات الأمريكيَّة مع المملكة النَّفطيَّة؛ لما له من تأثير سلبي على السِّياسة الأمريكيَّة لمعاقبة روسيا. قالت جان بيير نصًّا ” “منذ بداية الإدارة، منذ توليه منصبه، كان الرَّئيس واضحًا جدًّا أنَّ الولايات المتَّحدة بحاجة إلى نوع مختلف من العلاقة مع المملكة العربيَّة السَّعوديَّة. لقد قال ذلك منذ وقت مبكر جدًّا. وقد قلت هذا الأسبوع الماضي عندما اتخذت أوبك قرارًا بمواءمة سياستها للطَّاقة مع حرب روسيا فإنَّ الحرب تستهدف وضدَّ الشَّعب الأمريكي وتؤكد بشكل أكبر على المنطق بإعادة تنظيم تلك العلاقة مع المملكة العربيَّة السَّعوديَّة”. من ناحيته، صرَّح جو بايدن في مقابلة مع شبكة CNN الإخباريَّة بأنَّه سيدرس مع مجلسي النُّوَّاب والشُّيوخ أبعاد القرار السَّعودي، في تأكيد منه على أنَّه “ستكون هناك عواقب” لذلك القرار.
وكان النَّائب الدِّيموقراطي روبرت مينينديز، رئيس العلاقات الخارجيَّة في مجلس الّشُّيوخ، قد دعا إلى تجميد كافَّة العلاقات مع السَّعوديَّة، بما يشمل إيقاف بيع الأسلحة، وإيقاف الحماية الأمنيَّة الهجمات الحوثيَّة، المدعومة إيرانيًّا، على المملكة، والَّتي تستهدف قطاعها النَّفطي على الأخصِّ. وفي ظلِّ تصاعد الأزمة مع السَّعوديَّة، يتوقَّع مراقبون أن تلجأ إدارة بايدن إلى إقرار المقترَح التَّشريعي المعروف باسم “نوبك” (NOPEC)، الَّذي ينصُّ على معاقبة الدُّول المحتكرة للنَّفط، كما أوضح عبد الرحمن يوسف، الكاتب والصَّحفي المتخصِّص في الشَّأن الأمريكي، في تقرير نشرته شبكة BBC البريطانيَّة.
مستقبل موقف السَّعوديَّة في حرب اليمن في ظلِّ الوضع الرَّاهن
دخلت الأطراف المتحاربة في اليمن في هدنة منذ 2 أبريل الماضي، بعد دخلت الحرب عامها الثَّامن، وبلغ عدد ضحاياها 150 ألف قتيل وملايين المشرَّدين. ومع انتهاء الهدنة في 2 أكتوبر الجاري، تسعى السَّعوديَّة، أحد أهمِّ الأطراف المتحاربة، إلى تجديد وقْف إطلاق النَّار، حيث صرَّح الأمير فيصل بن فرحان، وزير الخارجيَّة السَّعودي، في مقابلة له مع قناة العربيَّة السَّعوديَّة في 11 أكتوبر بأنَّ “مساعي تمديد الهدنة في اليمن لا تزال قائمة، والحكومة اليمنيَّة أبدت مرونة كبيرة بمسؤوليَّة عالية تجاه مصلحة اليمن”. غير أنَّ القوَّات اليمنيَّة الموالية لجماعة الحوثي، الطَّرف الثَّاني في حرب اليمن، قد توعَّدت بعدم تجديد الهدنة، بل وباستهداف الشَّركات النَّفطيَّة السَّعوديَّة والإماراتيَّة. فقد صرَّح يحيى سريع، المتحدِّث باسم قوَّات الحوثيين، مع انتهاء الهدنة عبر حسابه على شبكة تويتر بقوله “القوَّات المسلَّحة تمنح الشَّركات النَّفطية العاملة في الإمارات والسَّعوديَّة فرصة لترتيب وضعها والمغادرة مادامت دول العدوان الأمريكي السَّعودي، غير ملتزمة بهدنة تمنح الشَّعب اليمني حقَّه في استغلال ثروته النَّفطيَّة لصالح راتب موظفي الدَّولة اليمنيَّة، وقد أعذر من أنذر”.
ونتساءل: ما مآل إيقاف الحماية الأمريكيَّة للسَّعوديَّة في حربها مع الحوثيين؟ وكيف سيؤثِّر استهداف الحوثيين القطاع النَّفطي السَّعودي على أسعار النَّفط عالميًّا؟ وهل تلجأ إدارة بايدن إلى إحداث فتنة بين آل سعود للتَّخلُّص من الأمير محمَّد بن سلمان، حليف روسيا وصديق دونالد ترامب؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى