مقالات

القرضاوي الذي قضَّ مضاجع الطغاة حيًّاً وميتاً

د. عز الدين الكومي

كاتب مصري
عرض مقالات الكاتب

منذ أيام انتقل إلى رحمة الله تعالى الشيخ العلامة الدكتور يوسف القرضاوي – رحمه الله – فصلى عليه المصلون _ منهم رؤساء دول _ صلاة الغائب في قارات العالم الست باستثناء مصر بلد الأزهر التي كانت أولى الناس به رحمه الله ، فهي مسقط رأسه وفيها نشأ وترعرع ، وتلقى فيها تعليمه ، وألَّف بها أول كتبه ، وكان الأولى والأجدر أن يشيع ويدفن فيها .
ولكن الطغاة الذين يخشون العلماء الربانيين أحياءً وأمواتاً أصدروا الأوامر حتى بعدم نعيه وعدم صلاة الغائب عليه ، خاصة من قبل مؤسسة الأزهر التي نعى شيخها ملكة بريطانيا قبل أيام !! ، ولكنه لم يجرؤ على نعي الشيخ القرضاوي رحمه الله ، حتى لايغضب الجهات السيادية التي تتحكم في هذه المؤسسة العريقة ، والتزم الصمت هو وغيره من الذين ترحموا على راقصات وساقطات في مناسبات عديدة .
ويعلم الجميع خاصة المهتمين بالشأن السياسي أن السبب في ذلك هو فتاوى الشيخ القرضاوي _ الرئيس السابق للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين _ والتي كانت فاضحة للنظم الدكتاتورية ومعادية للاحتلال الصهيوني بغير هوادة ، ومنع بسببها من دخول فرنسا وبريطانيا وأمريكا الوكلاء الحصريين لرعاية الصهاينة ، بل تم وضعه على قوائم الإرهاب ! ، وحكم عليه بالإعدام من القضاء المصري المسيّس .
وماحدث مع الشيخ القرضاوي يذكرنا بموقف الإمام الأعظم “أبو حنيفة النعمان”- رحمه الله- حين عرض عليه الخليفة المنصور تولي القضاء، فأبى ، فضُرِبَ من أجل ذلك وعُذِّب ، لكن موقفه لم يتغير ، وقال للمنصور : “إنى لا أصلُح لتولي القضاء ، فقال له المنصور : أنت تكذب .. أنت تصلُح ، فقال : أرأيت؟ فأنت تقول عني كاذب ، والكاذب لا يصلح للقضاء .
وقد كان أبو حنيفة رحمه الله ينتقد قضاء القضاة بشدة ويبين أخطاءهم ، فاتخذ المنصور هذا الموقف ذريعة للتخلص منه ، فعرض عليه من جديد تولي منصب القضاء ، لكنه أبى أيضاً ، فحبسه ، وجرى بينهما حوار قال فيه الإمام الأعظم رحمه الله : “اتقِ الله ولا ترع أمانتك إلا من يخاف الله ، والله ما أنا بمأمون الرضى .. فكيف أكون مأمون الغضب؟، لك حاشية يحتاجون إلى من يُكرمهم لك فلا أصلح لذلك” .
ثم أمر المنصور بحبسه وضربه على مشهد من العامة ، ثم أُخرِجَ من السجن ، و مُنِعَ من الفتوى والجلوس إلى الناس حتى توفي رحمة الله عليه .
وكان المنصور بعد وفاة أبى حنيفة يردد : من يعذرني من أبي حنيفة حيّاً وميتاً؟ .
وقد لاحظنا أن “الإعلام العكاشي” لم يهتم بخبر وفاة الشيخ القرضاوي ، لأن مهمة سب الرجل والتهجم عليه أوكلت لبعض الأبواق المأجورة بعيداً عن الإعلام الرسمي ، حرصاً على تدفق الزر القطرى !! .
فقامت لجان النظام وذبابه الإلكتروني بتدشين وسم بعنوان : “مفتي الإرهاب” ، تضمن تغريدات مبتذلة تنتقد الشيخ رحمه الله ، وتنتقد “بالمرة” جماعة الإخوان المسلمين ، بزعم أن الشيخ أفتى بإباحة دماء الضباط والجنود المصريين ، دون أن يقدموا دليلاً واحداً على هذه المزاعم المفتراة التي يدحضها منهج الشيخ الذي أكد مراراً وتكراراً على حرمة الدماء المعصومة ، فضلاً عن منهج الاعتدال والوسطية الذي تبناه الشيخ في كتبه وكتاباته ، وخطبه وأشعاره ، حتى سلّم روحه لبارئها !! .
كما لاحظنا تطابق مواقف المطبعين والمتصهينين الأعراب مع المواقف الصهيوينة التي لم تُخف فرحتها بوفاة الشيخ رحمه الله .
فقد غرّد الصحفي الصهيوني “روعي كايس” رئيس قسم الشؤون العربية في قناة “كان” الصهيونية واصفاً الشيخ بأنه “الزعيم الروحي للإخوان المسلمين ، الذي شرعن العمليات الاستشهادية ضد الإسرائيليين ؛ وقال إنه كرس حياته لحماية المسلمين والتحريض ضد اليهود وتشويه سمعتهم ، ونشر مقاطع فيديو للشيخ زعم أنه يشيد فيها بهتلر ، ويقول إن الهولوكوست عقاب إلهي” .
وبدورها قالت صحيفة معاريف في تعليقها على وفاة الشيخ القرضاوي : “كان من أشد المؤيدين للعمليات الفلسطينية ضد الأهداف الإسرائيلية ، زاعماً أن هذا تعبير مشروع عن المقاومة ، وأن إسرائيل مجتمع عسكري جميعه جنود ، وفق وصفها .
وأنه “نشر فتوى تبيح مهاجمة اليهود في جميع أنحاء العالم ، وأنه لا يوجد فرق جوهري بين اليهودية والصهيونية”.
كما صدرت تعليمات وزارة أوقاف الانقلاب بمنع صلاة الغائب على الشيخ القرضاوي ، فى الوقت الذي صلت عليه جموع المسلمين صلاة الغائب في الكثير من المساجد على مستوى العالم ، خاصة المسجد الأقصى المبارك .
وذلك لأن نظام الانقلاب الهش يعلم أن صلاة الجنازة ستكون بمثابة استفتاء على شعبية الشيخ رحمه الله ، وشعبية جماعة الإخوان المسلمين ! ، وهو ما يخشاه النظام الانقلابي ، فضلاً عن إرضاء وكلائه العرب ، وأصدقائه الصهاينة .
فالشيخ رحمه الله لم يهادن النظام الانقلابي ، ولم يقل كما قال علماء السلطة وعملاء الشرطة : ” أخف الضررين وأهون الشرين”!! ، بل قال : “إن الرئيس محمد مرسي هو الحاكم الشرعي الصحيح ، لأنه انتخب من طرف الأغلبية ، والخوارج هم من خرجوا عليه ، وأن ما حدث في مصر “انقلاب عسكري” على حاكم شرعي منتخب بإرادة الأمة” .
وكان الدكتور القرضاوي رحمه الله قد هاجم موقف شيخ الأزهر أحمد الطيب الداعم لسلطة الانقلاب قائلاً : “فجعنا وفجع الشعب المصري بمشاركة شيخ الأزهر في مشهد الانقلاب”.
وانتقد موقف شيخ الأزهر لعدم دعوته لاجتماع لهيئة كبار العلماء لترى رأيها في الأحداث الجسام التي تمر بها مصر قائلاً : ” انتظرنا شيخ الأزهر أن يرجع إلى الحق ، وأن يعلن براءته من هذا النظام التعسفي ، ولكن يبدو أن الرجل يفضل الجلوس بين لواءات المشيخة على الجلوس إلى إخوانه العلماء”.
لكل ذلك تخشى النظم الدكتاتورية جنائز الصالحين المصلحين والتي عبّر عنها إمام أهل السنة الإمام الممتحن أحمد بن حنبل رحمه الله أفضل تعبيرٍ حيث قال : “بيننا وبينكم يومُ الجنائزِ” .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى