مقالات

الثورة؛ والثورة المضادة!

أيمن عمر

كاتب يمني
عرض مقالات الكاتب

هناك سنن كونية ثابته منها الثنائيات الوجودية في الكون، حيث يوجد الظلام والنور، والخير والشر، والموت والحياة، حيث يوجد الشيء وضدة، ومن هذه السنن هناك معارك أزلية لا تنتهي أكبرها هي معركة الخير والشر، ومثلما هناك خير في الكون هناك الشرّ. وكذلك الثورة التي تمثل إرادة حرّة للشعوب هناك ضد لها ؛وهي ما يسمى الثورة المضادة، فما هي الثورة المضادة وما مدى فاعليتها؟ وهل الثورة المضادة نجحت باكتساح المشهد العربي؟

الثورة المضادة كما حدّدها علماء السياسة منذ أيام الثورة الفرنسية عام 1789، تشير إلى الحركات التي ترفض ثورة ما، فتعمل على إعادة الأمور أو المبادئ السابقة إلى ما كانت عليه قبل الحِقبة الثورية؛ فهي بهذا المعنى، يمكن أن تكون سلبية أو إيجابية.

وبالتالي فهي على الأغلب تجمعات من قيادة وأطراف النظام السابق؛ أو ما يسمى بالدولة العميقة، تهدف إلى اغتيال الثورة ودفن كل ما قامت من أجله.

هل اغتيال الثورات حقيقة ام انهُ وهم يعلق عليه الثوار فشلهم؟

طبيعة الأفكار هي الصراع، وصراع الأفكار يرجع إلى اختلاف الناس بطبيعة الحال، ومن المحال أو شبه محال ان تسلم البشرية جمعاء بفكرة دون صراع، وإذا سلمنا بهذا الصراع فإن اغتيال الثورات يصبح حقيقة طبيعية، نتيجة عن الفكرة والفكرة المضادة.

كيف يتم اغتيال الثورات؟

يقول اغلب فقهاء القانون الدستوري ان اغتيال الثورة يتم عندما لا يكتب الثوار دستورهم، ومن هذا المنطلق حيث إن الدساتير تخدم أصحابها، لانهُ من غير المعقول ان يكتب الحاكم دستوراً قويماً لأجل المظهر ولا يطبقه كما يقول البعض من دون علم (دستورنا رائع لكن لا يطبق) وهذه في الحقيقة خدعة ووهم مزروع في عقول الكثير من غير المتخصصين. الدستور الموجود هو لخدمة الحاكم والدستور يدين بالولاء لمن صنعة باعتباره أسمى التشريعات الموجودة في الدولة. ومن هذه النقطة تحديداً يجب على الثوار كتابة دستورهم الذي يوضع فيه مبادئ وفلسفة الثورة التي قامت من اجلها الشعوب ولكيلا يتم اغتيال الثورة.

ماذا حصل في المشهد العربي؟

وحقيقة مرور عشر سنوات منذ تاريخ قيام ثورات الربيع العربي يحتاج إلى وقفة ومراجعات من جديد تراجع ما حدث وما تم وما كان مراداً وقتها، وإلى إعادة تقييم من جديد وتصويب لكثير من الأخطاء التي وقع فيها الثوّار أو لم يدركوها، لأن الثوار تعلموا بالطريقة الصعبة جداً لأنهُ بحكم تاريخ الاستبداد الطويل في المنطقة العربية لم يتح ذلك أي مناخ للثوار من تكوين أي خبرة سياسية وعلى الجانب الآخر كان أصحاب الثورة المضادة يمتلكون كل الخبرة السياسية المطلوبة وكل الوسائل والعلاقات ولذلك أطلق عليهم بـ (الدولة العميقة) ومن هنا كان أصحاب الثورة المضادة يتقنون عملهم بأحسن وجهة حيث هكذا تقمع وتجهض الثورات بالدماء والقتل والإرهاب، والأخطر من ذلك كله هو أن السردية التي يرويها أصحاب الثورة المضادة أصبحت شائعة جداً ولها مروجون كثر، ولم ينتهي أصحاب الثورة المضادة على القمع بالفعل والفكر فقط ولا عند نشر وترويج سردياتهم الخاصة بل وصلوا إلى التشكيك الداخلي في أنفس الثوار حيث يقول بعضهم (انظروا إلى ما وصلنا اليه من جوع وفقر وحرب، لقد كنا قبل الثورة في أمن وأمان)

وهذه الجملة مردود عليها بلا شك، ولكن حقيقة كيف توغل وأصحاب الثورة المضادة في سردياتهم وتقليص وتحجيم الثوار ومحاولة كسر نفوسهم وثقتهم، يدل بشكل كبير على الجهد المبذول في إجهاض الثورة بالذات في الوطن العربي. وبعيداً عن نظرية المؤامرة ألا إن علاقة الاستعمار مع الاستبداد علاقة متينه جداً ومبنية على مصالح مشتركة أو بالأصح مصلحة واحدة. حيث إن الاستعمار عندما خرج من بلادنا واعترف باستقلالها سلم الدولة لوكلاء الاستعمار (المستبد) وفرض شكل النظام وحوكمته الداخلية من أصغر مؤسسة محلية إلى أكبر مؤسسة دولية داخل الدولة.

معالم طريق جديد

قد يقول البعض ما هو الحل؟ كيف نخرج من هذا المنعطف الخطير في تاريخ الثورة ،وحركة تحرر الشعوب المقهورة. واقول أن حتمية انتصار الثورة أمر لا جدال فيه وهذا ما علمنا التاريخ عبر كل الثورات السابقة مثل الثورة الفرنسية التي دامت ١٠٠ سنة كاملة وقامت خلالها جمهوريات وتقلبات حتى رست دولة قامت بتلك المبادئ التي قامت عليها الثورة. وبالتالي لا مجال في التشكيك في الثورة أو مبادئها ولا على نجاحها لـن هذا الأمر مسلّم به، ويقع الأمل والعمل على الثوار في التعلم من تلك التجارب التي مضت ،وتكوين خبرات منها والتركيز على سدّ الفجوات أينما كانت في الفكري أو العملي، والعمل على إعداد وتأهيل النخبة الواعية الجديدة لقيادة المرحلة المقبلة، لأنّه كلما زاده مساحة الوعي المنهجي في المجتمع قلت نسبة الانقياد الأعمى، وزاد ذلك على تحول المجتمع من جماهير إلى شعوب واعية تناصر الحقّ وتدحض الباطل.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى