فنجان سياسي

قوارب الموت كثيرة وقارب نوحٍ عليه السلام ينتظر


فراس العبيد/
غرقا تحت مياه البحر، جميعهم “فارون” و”هاربون” إلى “النجاة”.. تلك قصةٌ تتكرر، والكل يتغنى بوصف “ليلى” وحبها، ثم يغادرونها إلى غيرها، وهم مأمورون بالبقاء…
وتتراكم الجماجم والجثث تطفو على سطح البحر، الذي يوصف زوراً على لسان السكان المحليين بالغدر، وهو بريء براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام، وإنما هي غدرات الهاربين عن “ليلى” إلى غيرها…
جميعهم غرق في بحر أشواق عيني “غانيةٍ” أو “فانية”… تاركين “ليلى” تحت سكين “الذئب” في قصةٍ تراجيديةٍ عصريةٍ، عنوانها شكسبيري بامتياز، فالهاربون بقوراب الموت مبتعدون عن قارب “يابني اركب معنا”، اختاروا “أكون أنا أو لا أكون”، و”أنانية أنا ومن بعدي الطوفان” الذي أغرقهم في ظلماته رغم أنّ المسمى على سبيل “قافلة النور”، وكانت العتمة.
تلك مجرد مقدمة؛ لمن كان له قلب، وعرف معنى أن يركب سفينة النجاة وهي “الجهاد” بدل الفرار، حتى تعصمه من الماء، ويكون بين “الغرباء”، من العصابة الظاهرة، ﻻ مع المتخاذلين..
النتيجة كانت فراراً من الموت إلى الموت… أين العقول التي تدرك أن ﻻ عاصم إﻻ الله، وأن العزة لله ولرسوله والمؤمنين…؟
تعجبت بينما كنت أتابع تقريرا لموقع “عنب بلدي” حول تفاصيل كثيرةٍ أسوق شيئا منها قبل أن أختم سردي وثرثرتي:
“انهيار قطاع الخدمات، وسوء الأوضاع الأمنية والاقتصادية، وارتفاع معدلات البطالة والفقر، أسباب مجتمعة، أرخت بظلالها على الحياة المعيشية للسكان في مناطق النظام، ومع فقدان الأمل في تحسن الأوضاع، تضاءلت خيارات السوريين فاتجهت نسبة كبيرة منهم للهجرة خارج البلاد.
تكشف دراسة تحت عنوان “تطبيع الرعب.. الظروف الأمنية والمعيشية في المناطق السورية الخاضعة للأسد”، صدرت في 9 من آب 2021، أن 68% من سكان المناطق التي سيطرت عليها قوات النظام، و48% من سكان المناطق التي هي أصلًا تحت سيطرة النظام، يفكرون في الهجرة.
تتزامن الرغبة المتزايدة في الهجرة من مناطق النظام مع موجات لجوء جديدة للسوريين، رغم الخطر الذي أودى بالعشرات منهم غرقًا في عرض البحر أو ضياعًا في مجاهل الغابات”.
غرق وضياع.. بين البحر والغابات.. وذلُ في الطرقات… يسوقني لحديث عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : (إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ ، وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ).
وما يلفت النظر من قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، (وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ، سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ). فالسفينة التي لا يمكن أن تغرق، والعزة المنشودة في الجهاد، فهو شرطٌ واضح، وإﻻ ذلٌ كما قال المصطفى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وﻻ يخفى أن أسطوانة “باعوها” شماعةٌ الفارين المنهزمين، فإذا وجد من باع “ليلى” فلماذا لم تشترها أنت… يا صاح؟!
ﻷنني وحيد بمفردي.
لكنك لست مكلفاً اليوم إﻻ بنفسك.. هل فكرت أن تكون ذئبًا مثلاً.
نعم؛ إنها مقولة جدتي؛ “إذا لم تكن ذئبًا أكلتك الذئاب”.
لست أعني ذئب جدتك…
ما الذي تريد أن تصل إليه سأوي إلى ركنٍ يعصمني من الماء.
ﻻ عاصم لك اليوم إلا بالركوب في قارب الجهاد وتكثير سواد العصابة الظاهرة.
وختمت؛ إن أحببت ليلى، فقوارب الموت كثيرة فهي أمام عينيك مزينة، وقارب نوحٍ عليه السلام ينتظر وطريقه وعرٌ ومن يركبه لزمه “وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى