بحوث ودراسات

مَن وراء صعود و “سقوط الرَّبيع العربي”؟ 7 من 9

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب

ظهور الإخوان في المشهد ومشاركتهم في الاحتجاجات

يشير برينان إلى جماعة الإخوان المسلمون على أنَّها “حليف قوي للغرب”، مؤكّدًا إلى أنَّها أهمّ منظَّمة تنتمي إلى تيَّار الإسلام السّياسي في العالم. وتتمتَّع الجماعة بثقل كبير، بفضل انضمام عدد كبير من الشّخصيَّات المؤثّرة إليها، من مشايخ وعلماء للمسلمين، ممَّا جعلها أشبه ما يكون بالحزب السّياسي، على حدّ وصفه. تريد الجماعة، كما يشير الكاتب، تطبيق أيديولوجيَّتها الإسلاميَّة؛ وهذا ما يبرّر ميلها إلى الإطاحة بالأنظمة الحاكمة في المنطقة؛ وقد تورَّطت الجماعة في أعمال تخريبيَّة وعنيفة في دول المنطقة، مثل التَّحريض على اغتيال شخصيَّات سياسيَّة معادية لأهدافها. وبينما كان مهمَّة النُّشطاء السّياسيين المدرَّبين في أمريكا هي إثارة الرَّأي العام الشَّعبي ضدَّ النِّظام الحاكم وحشد الجماهير للاحتجاج في الميادين، كان دور الجماعة في الاستحواذ على السُّلطة بفضل إبدائها القدر المطلوب من الحنكة والتَّنظيم السّياسي. وليس في ذلك انحراف عن القاعدة؛ فقد اعتادت الحكومات الغربيَّة، على مدار قرون، على استخدام الإسلام الشَّعوبي درعًا في مواجهة الشُّيوعيَّة، ومطرقةً لسحْق القوميَّة العروبيَّة، ومنبرًا لتشتيت الانتباه عن الغضب الواسع تجاه السّياسات الأمريكيَّة.

وجماعة الإخوان، كما يفترض برينان (2015م)، كانت شريكًا للغرب في هذا الصَّدد؛ وقد بدأ التَّعاون بين الجماعة والقوى الغربيَّة في ذلك منذ عهْد الرَّئيس الأمريكي الأسبق، دوايت أيزنهاور (يناير 1953-يناير 1961م)، وبدعم من وكالة المخابرات المركزيَّة الأمريكيَّة (CIA)، ومن جهاز الاستخبارات البريطاني (MI-6)، في تدشين الوجود السّياسي للجماعة في الغرب. عملت الإمبراطوريَّة البريطانيَّة على استغلال الإسلام في التَّحكُّم في المسلمين، بعد إسقاط الدَّولة العثمانيَّة؛ حيث جنَّدت بعض علماء الإسلام لتبرير استعمارها للعالم الإسلامي وكسْب شرعيَّة في الوجود. أمَّا أمريكا، فقد بدأ توظيفها للإسلام في بداية سنوات الحرب الباردة (1945-1990م)، عند اقتناع الرَّئيس الأمريكي أيزنهاور بأنَّ الإلحاد المرتبط بالشُّيوعيَّة لا يمكن مواجهته إلَّا الإسلام؛ من هنا، سعى أيزنهاور إلى احتضان الجماعة. وينقل برينان عن مجلَّة ماذر جونز الأمريكيَّة ما نشرته في عدد يناير/فبراير 2006م، عن علاقة الإدارة الأمريكيَّة بجماعة الإخوان، في مقال تحت عنوان ” الحرب الباردة…والمحارب المقدَّس”، عن أنَّ مسؤولين في السَّفارة الأمريكيَّة بالقاهرة اعتادوا على مقابلة حسن البنَّا، مؤسّس الجماعة، بين الحين والآخر.

يروي مقال ماذر جونز عن استقبال دوايت أيزنهاور في خريف عام 1953م لسعيد رمضان، أحد قيادات جماعة الإخوان وصهر حسن البنَّا وقائد متطوّعي الجماعة في حرب فلسطين عام 1948م، في البيت الأبيض. كان رمضان في أمريكا لحضور مؤتمر عن الثَّقافة الإسلاميَّة نظَّمته جامعة برينستون، بمشاركة مكتبة الكونغرس. أمَّا هدف ذلك المؤتمر، فكان التَّقريب بين الشَّخصيَّات المسلمة المؤثّرة في العالم، على أن تمنح نتائج ذلك المؤتمر الباعث والاتّجاه لحركة النَّهضة الإسلاميَّة. غير أنَّ المقال يستبعد الاعتماد على جماعة الإخوان في تحفيز البعث الإسلامي، وهي في الأصل “منظَّمة أُسّست وكأنَّها حركة سرّيَّة”. في تلك المرحلة، كانت أمريكا لم تزل تتلمَّس الطَّريق في منطقة الشَّرق الأوسط؛ وكان المستشرقون والأكاديميون يتجادلون عن مدى إمكانيَّة استغلال الإسلام السّياسي في خدمة النُّفوذ الأمريكي في المنطقة.

بعد لقاء أيزنهاور برمضان، أصبحت جماعة الإخوان المسلمين “الرَّاعي التَّنظيمي لجيل بعد جيل من الحركات الإسلامويَّة، من السَّعوديَّة إلى سوريا، ومن جنيف إلى لاهور”، وصار سعيد المنظِّم الرَّئيس لتلك الحركات، وكانت تأثيراته تتجلَّى في كلّ مظاهر الإسلام السّياسي المتشدّد. ويعتبر المقال أنَّ سعيد رمضان “الأب الأيديولوجي” لأسامة بن لادن؛ هذا لأنَّ حركة طالبان، الَّتي قدَّمت العون لتنظيم القاعدة، اتَّخذت من جماعة الإخوان في مصر نموذجًا طبَّقته في تشكيل كيانها. غير أنَّ رمضان وكافَّة الحركات الإسلاميَّة ما كان لهم أن ينشروا الفكر الَّذي نشأ عليه تنظيم القاعدة، لو أنَّ أمريكا لم تتَّخذهم حلفاء لها خلال سنوات الحرب الباردة، ولم تتعهَّدهم بالدَّعم المعلن وغير المعلن. وهناك من الإشارات في وثائق سعيد رمضان نفسه ترجِّح أنَّه قدَّم النَّفع لوكالة المخابرات المركزيَّة الأمريكيَّة.

يدَّعي برينان أنَّ إدارة أيزنهاور، ووكالة المخابرات المركزيَّة الأمريكيَّة، وجهاز الاستخبارات البريطاني استخدمت جماعة الإخوان في مكايدة النِّظام الثَّوري في مصر، في عهد الرَّئيس الأسبق، جمال عبد النَّاصر، الَّذي اعتُبر مشروعه القومي العلماني عقبة في طريق الهيمنة الغربيَّة على العالم العربي، خاصَّة بسبب تحالُفه مع الاتّحاد السُّوفييتي النَّاتج عن تطبيقه نظامًا اشتراكيًّا في حُكم البلاد. ويشيع الكاتب الأمريكي أنَّ الإخوان كان يتعاونون سرًّا مع بريطانيا وأمريكا ضدَّ عبد النَّاصر؛ وكان ذلك سبب تنكيله بأعضاء الجماعة خلال سنوات حُكمه. واضطرَّ أنور السَّادات بعد تولّيه الحُكم عام 1970م إلى إعادة الإخوان إلى المشهد، من جديد لكي يصيروا أداةً لمقاومة التَّيَّار الشُّيوعي، المتَّبع للفكر النَّاصري والمعارض لسياسات السَّادات، وبخاصَّة في تقارُبه من أمريكا. بالطَّبع، توتَّرت علاقة الجماعة بالسُّلطة في مصر بعد اغتيال السَّادات على يد أعضاء في إحدى الجماعات الجهاديَّة كانوا ينتمون إلى المؤسَّسة العسكريَّة حينها؛ واقتصرت مشاركة الجماعة في الحياة السّياسيَّة على خوض التَّمثيل البرلماني.

وبرغم حملة القمع والاتّهام بالتَّطرُّف ورعاية الإرهاب الَّتي شنتَّها إدارة بوش الأبن على كافَّة المنتمين إلى التَّيَّار الإسلامي في أعقاب هجمات سبتمبر 2001م، شهدت فترته الرّئاسيَّة الثَّانية (يناير 2005-يناير 2009م) محاولات جديَّة للتَّقرُّب إلى جماعة الإخوان؛ وقد تجلَّى ذلك في حصول الجماعة على خُمس مقاعد مجلس الشَّعب المصري. وجاء التَّقرُّب الأمريكي إلى الجماعة بدفع من وكالة المخابرات المركزيَّة، الَّتي أشادت بقدرات الجماعة التَّنظيميَّة ودهائها الإعلامي، وفق ما ورد في مقال ” Washington’s Secret History with the Muslim Brotherhood-تاريخ واشنطن السّرّي مع الإخوان المسلمين”، المنشور على موقع نيويورك بوكس بتاريخ 5 فبراير 2011م. يستنتج برينان أنَّ مع الإعداد لـ “عدوان الرَّبيع العربي المدعوم من وكالة المخابرات المركزيَّة/الخارجيَّة الأمريكيَّة”، كان لا بدَّ من الاعتماد على فصيل الإخوان، ضمن الفصائل السِّياسيَّة الَّتي شاركت في الاحتجاجات، في حشْد الجماهير للمطالبة برحيل نظام مبارك، ثمَّ توفير هيكل سياسي يمكنه قيادة البلاد في المرحلة الانتقاليَّة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى