أخبار

الداعية والمربي “محمد سعيد مبيض” في ذمة الله

ياسر سعد الدين

كاتب سوري
عرض مقالات الكاتب

“مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا”

“وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ”

في يوم الجمعة 16 سبتمبر أيلول 2022 الموافق 20 صفر 1444، وفي الدوحة رحل عن دنيانا الفانية الداعية والمربي الأستاذ الفاضل، محمد سعيد مبيض (أبو حسان) عن عمر يناهز 92 لينضم إلى جيل الراحلين من الرعيل الأول من الأخوان المسلمين والذين كانت الدعوة والجماعة لهم بمثابة المحضن والأسرة والعشيرة والمنطلق والمبتدأ والمنتهى.

التحق فقيدنا في الحركة الاسلامية منذ كان يافعا وقادها في محافظة إدلب في سن مبكرة ورص صفوفها وكان له من سجن الطغاة نصيب فاعتقل الأستاذ مبيض للمرة الأولى عام 1967 لمدة شهرين وخرج من السجن بعيد هزيمة حزيران، كما سجن مرة ثانية عام 1969 حيث مكث عدة شهور.

ولد الراحل في مدينة إدلب عام 1930 في أسرة محافظة متوسطة الحال، وكان أكبر اخوته وله ثلاثة إخوة وأختان، توفي والده وكان في العشرين من عمره فوجد نفسه مسؤولا عن رعاية إخوته وأخواته في سن مبكرة الأمر الذي شد من صلابته وعوّده ودفعه إلى عالم العطاء والمسؤولية في وقت مبكر.

حصل على شهادة أهلية التعليم عام 1952 ليعمل في سلك التعليم الابتدائي في مدارس حلب ومن ثم انتقل للتدريس في مدارس مدينة إدلب وكان التعليم هنا وفيما تلاه من السنوات ميدان الراحل في الدعوة وتربية الأجيال. ولما كان تربية الطفل من اهتمامات أبو حسان يرحمه الله الأساسية، والتي رآها الحجر الأساس في تنشئة الرجال القائمين على نصرة الأمة، فلقد كان للأطفال والناشئة النصيب الأوفر مما كتبه من الكتب، فكتب: “أخلاق الطفل المسلم”، “أخلاق المسلم وكيف نربي أبناءنا عليه”، “حكايات من واقع الحياة للناشئة”، “آداب الطفل المسلم”، و”قصص الأنبياء الهادفة للأطفال”.

استدعي لخدمة العلم أوائل عام 1953 و سرح في أواخر 1956، تزوج من الفاضلة سعاد عاصي أخت المرحوم بإذن الله الأستاذ الأديب ابراهيم عاصي عام 1958 ورزق منها ب 12 ولد منهم 5 أبناء و7 بنات. انتدب للتدريس في دولة قطر ما بين عامي 1960 و1964 وهناك عاصر عددا من رجال التربية و الفكر والدعوة أمثال الشيخ يوسف القرضاوي، عبد المعز عبد الستار، علي السالوس، مصطفى الصيرفي، عادل كنعان، هاني طايع، وعدنان سعد الدين والذي ترافق معه في المرحلة الدراسية في شهادة أهلية التعليم. عاد من قطر أواخر عام 1964 ليستقر في سوريا ويعمل في ميدان التدريس في إدلب معلما ومربيا وموجها.

تلقى علمه الشرعي وخبرته الدعوية على أيدي علماء أفاضل منهم المشايخ طاهر الكيالي وأبو الخير زين العابدين ونافع شامية رحمهم الله جميعا. انضم إلى الحركة الكشفية وحضر دورة الشارة الخشبية في القدس عام 1966 ثم استلم قيادة الفوج الكشفي الأول في محافظة إدلب وحضر عدة مؤتمرات كشفية دولية في العديد كم الدول العربية.

عمل فترة في التدريس في بلدة اريحا المجاورة لمدينة إدلب و هناك التقى بأحمد بربور والذي كان مؤذنا في أحد المساجد وشجعه وحثه على الإنشاد الديني الهادف والذي كان الشيخ أحمد بربور الرائد فيه والمؤسس للبديل الإسلامي عن الفن الهابط والذي كان ولا يزال منتشرا في مجتمعاتنا وبشكل مدروس ومبرمج ليستهدف أخلاقيات المجتمع الإسلامي وقيمه وعفته.

تلقى الكثير من المضايقات والاستفزازات من أعوان النظام الأسدي وحزب البعث في مديرية التعليم في إدلب وصبر عليها محتملا لها ليمضي ثابتا في هدفه النبيل في تعليم الأجيال وتنشئتها على القيم والأخلاق وبمهنية وكفاءة عالية مما جعله موضع تقدير من قبل المنصفين من مسؤولي التعليم حتى ممن يحسبون على النظام، مما أحبط كثيرا من المكائد لإبعاده عن سلك التعليم. غير أن النظام وفي أوائل عام 1979 ولما لمس للراحل وإخوانه المدرسين الدعاة من آثر بالغ في توجيه الناشئة إلى الأخلاق والالتزام الإسلامي وهو ماكان يهدف النظام البعثي الطائفي لهدمهما وتقويضهما، عمد إلى إصدار مرسوم يقضي بتحويل أكثر من مئة من هؤلاء المدرسين الى دوائر ليس لها علاقة بالتربية والتعليم كمديرية التموين والإحصاء وكان أبو حسان بطبيعة الحال واحدا منهم، غير أنه قدم استقالته في أوائل عام 1979 رافضا أن يتحول إلى مجرد رقم في مجتمع مستهدف في عقيدته ودينه وقيمه.

وعندما فشل النظام في منع تاثير أبناء الحركة الاسلامية في المجتمع وحتى مع إبعادهم عن التدريس، قرر استئصال شأفتهم و بدا بحملة اعتقالات واسعة فاعتقل الأستاذ محمد سعيد مبيض في إبريل/نيسان عام 1979 ثم أفرج عنه بعد قرابة الشهرين لعدم ثبوت صلته الرسمية بالحركة أنذاك، لكنه وضع قيد المتابعة والمراقبة لنحو شهر، كان الراحل حذرا فكان لا يبيت في منزله حتى تمت مداهمته في وضح النهار، غير أن لطف الله نجاه واستطاع الخروج الى الأردن ومنها الى قطر ليستقر بها من جديد وبعد 15 عاما من العودة لوطنه.

هاجر الى قطر نهاية عام 1979 حيث عمل مديرا لمكتبة دار الثقافة للكتب في الدوحة ليحولها من مكتبة إلى دار نشر حيث نشر العديد من الكتب الدينية والفكرية والأكاديمية القيمة، ومن خلال عمله كان عضدا وعونا للكثير من طلبة الجامعة والدراسات العليا بتأمين المراجع العلمية وإرشادهم إلى سبل البحث، كما خاض غمار التأليف والتحقيق وأصدر مجموعة متنوعة من الكتب منها: “إلى غير المحجبات أولا وإلى المحجبات ثانيا”، “أزمة القيادة وعلاجها في واقعنا الإسلامي المعاصر”، و”موسوعة حياة الصحابيات”.

و في أواخر عام 2015 أصيب بجلطة دماغية نتج عنها شلل جزئي في الجهة اليمنى من الجسم الا أنه حالته كانت مستقرة وقضى ست سنوات ونصف بين أبناءه وبناته، توفيت زوجته يرحمها الله في شهر 11 من عام 2018 مما كان له أثر بشكل جلي على حالته الصحية.

رحم الله أبو حسان وأثابه عن دعوته وغربته خير الجزاء وجمعنا معه ومن سبقه من الدعاة في الفردوس الأعلى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى