مقالات

مصارف لبنان.. بين سطوة “حزب الله” وسطو “المودعين”

عبود العثمان

شاعر وكاتب سوري
عرض مقالات الكاتب

“أنا بدّي مصرياتي”، عبارة سمعناها من امرأة لبنانية تقف بين جموع المحتشدين أمام مصرف لبناني مطالبين بسحب ودائعهم من المصرف بعد أن انهارت الليرة اللبنانية انهياراً حلزونياً أمام الدولار الذي اقترب سعر صرفه في السوق السوداء من عتبة ال/40/ ألف ليرة لبنانية أمام الدولار الواحد، بعد أن كان أقل من 10 آلاف في العام 2019، حيث ارتفع إلى هذا الحد بعد انتفاضة الشباب اللبناني فيما سمي بثورة تشرين”، وكان من نتائج هذه الثورة أنها كشفت الغطاء عن الواقع المتردي الذي يعيشه الشعب اللبناني، وعن حال مؤسسات الدولة اللبنانية المتهالكة ومنها- بل وعلى رأسها- القطاع المصرفي الذي بات عاجزاً عن الوفاء بالتزاماته أمام زبائنه، وأصبح معسراً لا يقوى على تمكين المودع من سحب ولو جزء من وديعته المصرفية، مما حدا بعدد من المودعين باقتحام المصارف – الذي لم يعد للدولار وجود في خزائنها- تحت تهديد السلاح واحتجاز الموظفين كرهائن إلى أن حصلوا على الوديعة أو جزءً منها!!
هذه الحالة من الاقتحامات المتكررة للمصارف لم تعرفها دولة من دول العالم، هي حالة “سطو مسلح” يعاقب عليها القانون بأشد العقوبات بجرم الترويع والاستيلاء على المال بقوة السلاح، وهذا ما تتبعه عصابات سرقة البنوك، ولكن هذا القانون بات مرتبكاً أمام حالة “سطو مسلح” يقوم به “مودع” للحصول على ماله الذي هو اليوم بأمس الحاجة إليه والمصرف “المحترم” يمتنع عن الدفع! حالة غير مسبوقة بهذا الشكل وهذا العدد من الإقتحامات خلال عدة أيام فقط!
هذا ما يحدث اليوم في لبنان، لبنان الذي عرفناه في خمسينيات وستينيات القرن الماضي من الدول التي تقدم خدمات مصرفية في مستوى من الرقي والتحضر، مما جعل الكثير من أصحاب الأموال العرب يتوجهون إلى مصارفه ليضعوا فيها ودائعهم، ويجرون من خلالها الصفقات التجارية التي كانت تدر على لبنان موارد مالية جمّة، إضافة إلى ما كان يحصل عليه من قطاع السياحة والتجارة والصناعة التكميلية.
لبنان اليوم لم يعد كذلك، هو الآن في مقدمة الدول الفاشلة التي باتت على وشك الإنهيار ،فلم تعد فيه سياحة تأتيه بالسواح ليستمتعوا بأجوائه وطبيعته وخدماته، بل أصبح بلداً تنعدم فيه الخدمات تماماً جعلت ساكنيه يبحثون عن سبل للفرار من جحيمه الذي بشّر به رئيس دولته “ميشيل عون”، حين سُئل: إلى أين نحن ماضون يا سيادة الرئيس؟ فأجاب بعبارة ستدخله التاريخ من بابه الخلفي حين قال: “إلى جهنم”..!
لبنان الثقافة والفنون والكلمة الحرة والملاذ الآمن للمفكرين والسياسيين الهاربين من بطش أنظمة الاستبداد في بلادهم، هو اليوم بات ملاذاً معقلاً لشذاذ الآفاق والمجرمين وتجار المخدرات بعد أن أصبح رهينة في يد عصابة حزب الله وميليشيات الحرس الثوري الإيراني وعملاء النظام السوري.
“سطوة “حزب الله التي غيّبت مؤسسات الدولة اللبنانية وجعلت منها ألعوبة بيد عناصره وميليشيات إيران، هذه “السطوة” هي التي دفعت بالمودعين اللبنانيين إلى “السطو “على خزائن المصارف للحصول على مالهم المستلب!
لقد بات من الواضح ومن اليقين الذي لا يرقى إليه الشك، أن نظام الملالي في إيران وميليشياته وحرسه الثوري الذي اجتاح المنطقة كالطاعون، هو سبب الخراب وتردي الأوضاع حيثما حلّ هؤلاء وفي أي أرض تطأ أقدامهم ترابها، لذلك بات لزاماً على شعوب المنطقة أن تقف صفاً واحداً في وجه هذا الوباء القادم من الشرق بلبوسه الطائفي المقيت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى