صحافة

“الإعلام وتضليل الجمهور”.. عندما يصبح تخوين الائتلاف سهلاً

سامر العاني

صحفي سوري
عرض مقالات الكاتب

لم أتخيل يومًا أن تدفعني مادة صحفية في أحد المواقع العربية، للدفاع عن الائتلاف الوطني، وأنا الذي خصصت جزء من وقتي لتتبع أدق تفاصيله ونقد أداء وسلوك أعضائه من خلال عشرات المقالات والتقارير، لم أتخيل يومًا أن أدافع عن أي سياسي، حتى قرأت مادة إخبارية نشرها موقع المدن بتاريخ 22 سبتمبر/ أيلول الجاري تحت عنوان “مساع تركية روسية لجمع الائتلاف السوري والمقداد في نيويورك”

على الرغم من معرفتي الدقيقة بعلل وتجاوزات بعض أعضاء الائتلاف الوطني، بل وانزلاقهم إلى قاع مستنقع أسِنَ بسبب طريقة تعاطيهم مع الملف السوري فضلا عن أدائهم داخل المؤسسة، إلا أنه لا يمكن أن تمر مادة المدن مرور الكرام، إذ إنّها تشير بوضوح إلى اتهام أعضاء مؤسسة سورية معارضة بالخيانة.

اعتمد موقع المدن في مادته على وثيقة اكتشف كل من قرأها وضوح التزوير فيها، بل وتزوير أغلب مضمونها، وأصرّ الموقع على تأكيد صحة الوثيقة، ليستخدمها كمصدر رئيسي، وهذا خطأ مهني قد يصل إلى حد اتهامه بالتضليل.

من منّا راض عن عمل الائتلاف الوطني؟ من منّا لا يريد اقتلاع أغلب أعضائه؟ من منّا يتفق مع طريقة اتخاذه للقرارات؟ بالتأكيد لا أحد، لكن بالمقابل لم أسمع عن أي معارض أو ثائر سوري أنّه وصم الائتلاف السوري المعارض بالخيانة، كما فعل موقع المدن في مادته، فتلك تهمة لا يجرؤ عاقل على قولها أو تبنيها.

فضلاً عن الوثيقة المزورة التي اعتمدها الموقع لإعطاء مصداقية لمادته، فإنّه اعتمد على “مصدر خاص” لتثبيتها، ومن هنا تبرز القارئ أسئلة كثيرة، من هو هذا المصدر؟ ما مصداقيته؟ لأي تيار ينتمي؟ هل هو معارض أم مؤيد؟ لماذا لم يعقّب مصدر معلوم على حديث المصدر المجهول؟ وأسئلة كثيرة لم أجد إجابة عليها.

نضطر في بعض الأحيان لإخفاء هوية المصدر بناء على طلبه، وهذا حق مكفول له، لكن تفقد أي مادة قيمتها ومصداقيتها إذا اعتمدت على مصدر واحد مجهول، لذلك نعمد إلى التحدث مع سياسيين، أو باحثين، أو صحفيين، أو أصحاب اختصاص لتوثيق معلومات المصدر أو التعليق عليها وتفنيدها، وفي حال وجود اتهام لطرف آخر فمن واجب الصحفي التواصل معه ومنحه مساحة للتوضيح أو الرد في المادة ذاتها، وهذا أيضا حق مكفول للطرف الآخر، وحتى إن لم يتلق الصحفي أي رد، يجب أن يكتب هذا بوضوح، لاسيما إن كانت الاتهامات تصل إلى حد الخيانة، وذلك ما لم تفعله المدن.

بالعودة إلى مضمون المادة، فإن الواقع يقول عكس ما جاء به موقع المدن، إذ يمكن القول إنّ الائتلاف الوطني السوري لديه خطوط حمراء لا يجرؤ أي عضو من أعضائه على تجاوزها، وأول تلك الخطوط هو الجلوس مع النظام السوري أو التعاطي معه من خارج مظلة الأمم المتحدة أو المسارات السياسية المعروفة أو من خارج بنود القرار 2254، وتلك الخطوط تأتي من أمرين، الأول هو قناعة أعضاء الائتلاف الوطني بوجوب زوال بشار الأسد وزمرته، وأما الثاني فهو الشارع الثائر الذي لا يمكن أن يصمت على مثل تلك اللقاءات.

عندما ننتقد الائتلاف الوطني، فهذا لأننا نريد منه الوصول إلى الحالة الأفضل والأرقى ليليق بتمثيل ثورة الشعب السوري العظيمة، لا لتدميره وإنهاء وجوده، فنحن نعلم يقينا أنّ تلك المؤسسة أهم منجز للثورة السورية، على اعتبارها المؤسسة الوحيدة التي نالت الاعتراف السياسي، وتلك ميزة لا نريد التفريط بها.

في معظم المجموعات التي أنشأها ثوار سوريا على تطبيقات المراسلة الفورية ووسائل التواصل الاجتماعي، برّؤوا الائتلاف الوطني مما نسب إليه في الوثيقة المزوّرة، ونزعوا عنه تهمة الخيانة، مع بقاء الرأي في أدائه الضعيف الذي لا يتناسب مع حجم مأساة الشعب السوري، ومع ذلك فإنّ مادة المدن تصر على تخوينه بوضوح.

في ظل زحمة وسائل التواصل الاجتماعي وتدفق الأخبار الهائل، فإنّ مهمة الصحافة الأعم أصبحت غربلة الأخبار وفلترتها لا السبق الصحفي.

لا أعرف إن طرأت تحولات على سياسة موقع المدن، لكن حري به كموقع له شأن ووزن، وانحاز إلى قضايا الشعوب العادلة، ألا ينجر وراء الأخبار المميزة والصحافة الصفراء، وأن يحافظ على تاريخه المعهود، ولا يساهم في تأكيد إشاعة ربما يكون ضررها على الثورة السورية أكثر من نفعها، وقد يكون المراد منها تطبيع لقاءات المعارضة ونظام الأسد من خلال بث سيل من الإشاعات عبر وسائل الإعلام المختلفة. 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى