مجتمع

“الزواج” مودة ورحمة.. والحصاد قيم نبيلة

أسعد المبارك_كاتب عراقي|

إن علاقة الزواج يجب أن تقوم على الاختيار والحب والتفاهم والاحترام المتبادل، أما بناؤها على غير ذلك، فيدل على وجود مصالح مادية تغيب تماماً المقاييس والمقاصد الأخرى للزواج، وهذا النوع من الزواج تطغى من خلاله المصلحة الشخصية، ويؤدي إلى بطلان أهداف الزواج بين المرأة والرجل التي ترتكز على قيم نبيلة وأهداف سامية، أهمها المودة والرحمة والتفاهم والتعايش والاحترام، فمع تنامي الأنانية والحرص على المصلحة الشخصية أصبح أساس زواج المصلحة هو شركة اقتصادية تقوم على أساس توفير رأسمال مادي، وإلغاء كل المبادئ والأسس الخاصة بالزواج.
إن الله سبحانه وتعالى خلق الكون على نظام الزوجية، قال تعالى: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}، يحكم ذراته قانون الجاذبية المتبادلة بين الشيء وزوجه، وخلق الله تعالى الرجل والمرأة من نفس واحدة؛ لتكون الجاذبية بينهما أقوى، هذه الجاذبية الفطرية التي لولاها ما قام هذا الوجود البشري، وما وجدت بين أفراده مشاعر المودة والرحمة، وأعلى وأرقى هذه المشاعر أرقاها تلك التي تكونت في أحضان الرؤية الإيمانية المشتركة القائمة على منظومة العبودية الخالصة لله تعالى، والتي تفهم أن الزواج آية وحقيقة من الحقائق الثابتة التي جاءت وسط منظومة من آيات كونية، فقال تعالى: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.

ونلاحظ أن الله تعالى أسند مهمة تحقيق السكن والسكينة إلى نفس الزوجين أي إلى هذه النفس الواحدة لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا، لذلك أسند الله تعالى المودة والرحمة في حياة الزوجين إليه عز وجل فقال تعالى: { وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً}، ف “جعل” أمر إلهي يجعل الشيء يقوم بمهمته التي خلقه الله من أجلها، ولقد خلق الله “آية الزواج” ليسكن إليها الزوجان، فإذا أحسنا الإختيار بشروطه المحققة لهذا السكن، فإن آليات تحقق المودة والرحمة ستعمل تلقائياً بقدرة الله تعالى وعظيم فضله، لذلك ارتبطت قوة وطبيعة مشاعر المودة والرحمة وطبيعتها بين الزوجين بطبيعة وبقوة الرؤية المشتركة وطبيعتها بينهما، فإذا قامت هذه الرؤية على الموازين المادية فقط أثمرت نوعاً من المودة والرحمة يختلف تماماً عما تثمره الرؤية الإيمانية المشتركة من مشاعر، إنها منّة إلهية وليست مشاعر زائفة سرعان ما تذوب وتتلاشى.

إنه عندما تسود المودة والرحمة بيت الزوجية فإن المرأة تستطيع أن ترى في عين زوجها ما إذا كان مناسباً أن تتحدث معه في موضوع ما قد يزيد من أعبائه النفسية، أم أن تؤجله إلى وقت آخر. وهذا هو الود الذي أوجده الله في قلوب الذين أقاموا حياتهم في إطار منظومة العبودية الخالصة لله تعالى التي انطلق منها سكن الزوجية.
عزيزتي القارئة، إن الأسرة تقوم على أساس المودة والرحمة، فإذا زالت من البيت والأسرة خرب البيت وتلاشت الأسرة، إن من ألطاف رب العالمين أن جعل المودة والرحمة حالة طبيعية عند تأسيس الأسرة، يقول الله تعالى: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.
إذن فمن آيات الله تعالى أن خلق للرجل امرأة وللمرأة رجلاً؛ ليشكلا أسرة ويكون كل منهما سكناً للآخر، ولتكوين الأسرة جعل بينهم رحمة فأزال النقص عن الأسرة.

إنَّ لكل شيء في الدنيا آفة، فكذلك للمودة آفات وهي:

سوء الخلق وهو العامل الأول الذي يزيل المودة من البيت ويحطم زجاجتها، ويثير النزاع والإختلاف والجدال، فإذا كانت المرأة سليطة اللسان في تعاملها مع زوجها تسيء إلى مشاعره في الكلمة الأولى من حديثها.

 وإذا كان الرجل سيء الخلق مع زوجته فإن صراخه وعنف تعامله يوجه ضربة للمودة في الدرجة الأولى، وإذا استمر سوء الخلق من كلا الطرفين فإنه سيهشم المحبة بلا ريب، والأشد أنه يحول المودّة إلى قسوة وكره متبادلين خاصة إذا اشتمل سوء الخلق والنزاع على كلمات جارحة متبادلة، فهذا العمل مدمر حتى أنه لا يقتصر على إزالة المودة والرحمة فحسب، بل يقوم أيضاً بإحلال الكره والبغض والقسوة محلهما، وينبغي لنا الحذر والمراقبة لكيلا تقع مثل هذه الأمور في حياتنا.

العُجب من العوامل التي تُزيل المودة، عامل العُجب والأنانية والتكبُّر الناشئ عن العجب. واتصاف أي من الزوجين بهذه الصفات وإعجابه بنفسه أو عمله، يوجد حالة خطيرة يوضح عمقها التأكيد القرآني بأن ثورة الأنبياء(عليهم السلام) هي على المتكبرين الذين كانوا حجر عثرة في طريق الأنبياء (عليهم السلام) وإنجازهم لرسالاتهم.

وهذه الصفات تؤثر في أعماق الإنسان تأثيراً يجعله يتكبر حتى يوم القيامة، ويتمرد ويُعجب بنفسه في مقابل الله تبارك وتعالى، والقرآن الكريم تحدث عن أمثال هذا وكيف أنهم يتصوَّرون أنفسهم يوم الحشر أنهم صالحون، ورغم كونهم في الحقيقة من أهل جهنم إلا أنهم يقسمون بالله بأنهم خلاف ذلك، وأنهم من أهل الجنة وكأنهم والعياذ بالله يتهمون الله بالإشتباه في إرسالهم إلى النار، يقول عز اسمه: {يوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ}، هذا هو حال المعجبين بأنفسهم والمتكبرين يوم القيامة، حتى لو كان تكبرهم في البيت.
فعلى كلا الزوجين بالحذر من الاتصاف بذلك، فلا ينبغي للزوجة أن تكون معجبة بنفسها في مقابل زوجها، فتمدح نفسها وأخاها ووالديها، أو تتفاخر بجمالها وكمالها أو بحصولها على الشهادة الفلانية فتصاب بالغرور العلمي والأنانية والعجب في مقابل زوجها، فاتصافها بمثل ذلك يوجه ضربة تسلبها الحاكمية التي يجب أن تكون لها على قلب زوجها فتهدم المودة. فإذا كان زوجك فقير وأخوكِ غنياً ووالدتك ثرية، فعليك أن تطيبي خاطره وتقدميه على أخيك ووالديك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى