بحوث ودراسات

مَن وراء صعود و “سقوط الرَّبيع العربي”؟6 من 9

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب

من المفلت أنَّ حركة شباب 6 أبريل قد اتَّخذت نفس شعار حركة أوتبور!، أي المقاومة، وهي حرمة صربيَّة موَّلتها أمريكا بالملايين في سبيل إسقاط نظام الحُكم؛ وقد تمَّ ذلك مع إسقاط نظام سلوبودان ميلوسيفيتش في أكتوبر من سنة 2000م. وقد اتَّخذت حركات تمرُّديَّة في بلدان أخرى، منها روسيا وفنزويلا وجورجيا، الشَّعار ذاته. ومن الجدير بالذّكر أنَّ ذلك الشّعار هو شعار ماسوني، يستخدمه الكثيرون من أعضاء تلك المنظَّمة من السّياسيين. وبعد إسقاط نظام الحُكم في صربيا، أعادت حركة أوتبور! تنظيم نفسها، بأن أسَّس أعضاء سابقون فيها منظَّمة تحت اسم مركز العمل غير العنيف والاستراتيجيات التَّطبيقيَّة (CANVAS).

وكما يشير برينان، أرادت تلك المنظَّمة نقْل تجربتها إلى دول أخرى، بعد نجاحها في إسقاط نظام ميلوسيفيتش، برغم تطبيقه نظامًا اشتراكيًّا؛ وقد زار عدد من أعضاء شباب 6 أبريل منظَّمة CANVAS عام 2009م، وتلقُّوا تدريبًا على كيفيَّة تنظيم ثورات غير عنيفة. وكانت الحركة قد بدأت نشاطها بتنظيم تظاهرة احتجاجيَّة في 6 أبريل 2008م، لتجد تأييدًا شعبيًّا صاحَبه قمعٌ أمني شديد. وكانت التَّظاهرة تأييد من نشطاء سياسيين لإضراب عمَّالي لعمَّال شركة المحلَّة للغزل والنَّسيج، احتجاجًا على الفساد وغلاء المعيشة. وقد نشرت مجلَّة فورين بوليسي (Foreign Policy)، أو السّياسة الخارجيَّة، وهي مجلَّة سياسيَّة أمريكيَّة، في 17 فبراير 2011م مقالًا أشارت فيه إلى أنَّ أحد مؤسّسي شباب 6 أبريل، ويُدعى محمَّد عادل، قد سافر إلى صربيا في صيف عام 2009م، وكان حينها لم يتجاوز العشرين من العمر، وتلقَّى تدريبًا على تنظيم الثَّورات السّلميَّة. وأضاف مقال فورين بوليسي إلى أنَّ الحركة استخدمت شكة فيسبوك في التَّواصل مع المهتمّين من أفراد الشَّعب المصري، وقد وصل عدد المشتركين في تلك الصَّفحة سريعًا إلى 700 ألف شخص؛ ممَّا يعكس مدى رغبة المصريين حينها في التَّعبير عن سخطهم على الأوضاع المعيشيَّة.

يوضح برينان (2015م) أنَّ أساليب الاحتجاج الَّتي ابتكرها معهد ألبرت أينشتاين قد طُبّقت بحذافيرها في الاحتجاجات المصريَّة، بفضل الخبرات الَّتي اكتسبها نشطاء 6 أبريل وغيرهم من تدريبهم في منظَّمة CANVAS؛ وقد وُزّعت نسخٌ مترجَمة إلى العربيَّة من استراتيجيَّات جين شارب للعمل السّلمي، والمعروفة بـ “الأسلحة الـ 198 غير العنيفة”. ويضيف الكاتب أنَّ مراسلًا لشبكة بي بي سي الإخباريَّة البريطانيَّة قد تحاوَر مع أحد منظّمي الاحتجاجات، وقد رفَض الأخير الكشف عن مصدر أساليب الاحتجاج المتَّبعة خلال أيام انتفاضة يناير 2011م، خشية أن تفقد مصداقيَّتها. في حين أصرَّ أحد المحتجّين الموهومين، على حدّ وصْف برينان، على أنَّ تلك “الثَّورة” مصريَّة خالصة، معارضًا ما كان يتردَّد عن وجود أيادٍ خفيَّة تحرّكها من الخارج. ويعلّق الكاتب بقوله “هكذا، اقتاد ثوَّار مدعمون أمريكيًّا الآلاف من المصريين إلى احتجاجات حاشدة، دون وعي منهم بأنَّ ذلك كان مخطَّط لزعزعة الاستقرار برعاية أمريكيَّة” (صــ58). هذا، وقد كشف صحيفة تليجراف البريطانيَّة، في مقال نشرته في 28 يناير 2011م، تحت عنوان “احتجاجات مصر: دعْم أمريكا السّرّي لقادة المتمرّدين وراء الانتفاضة”، أنَّه قد تنامي إلى علمها أنَّ أمريكا كانت تدعم قيادات بارزة في الانتفاضة، الَّتي كانت حينها في يومها الرَّابع، مشيرةً إلى أنَّ التَّخطيط للاحتجاجات الحاشدة قد بدأ قبل ذلك بـ 3 سنوات.

 يضيف مقال تليجراف أنَّ السَّفارة الأمريكيَّة بالقاهرة ساعدت أحد شباب المتمرّدين على حضور قمَّة للنُّشطاء السّياسيين في مدينة نيويورك، مع مساعدته على الحفاظ على سرّيَّة هويَّته، خشية الملاحقات الأمنيَّة. ويقصد المقال اجتماع “تحالُف حركات الشَّباب”، الَّذي نظَّمته الخارجيَّة الأمريكيَّة عام 2008م. وعند عودته إلى مصر في ديسمبر 2008م، أخبر ذلك النَّاشط الدِّبلوماسيين الأمريكيين أنَّ تحالفًا من الحركات المعارِضة يخطّط للإطاحة بالرَّئيس حسني مبارك، وتأسيس حكومة ديموقراطيَّة في 2011م. وقد نُشرت تسريبات تشير إلى توسُّط مسؤولين أمريكيين للإفراج عن نشطاء معارضين للنّظام المصري.

وتذكر تليجراف أنَّ وثائق السَّفارة الأمريكيَّة بالقاهرة تشير إلى أنَّ النَّاشط مجهول الهويَّة قد عبَّر في 23 ديسمبر 2008م عن رضاه عن مشاركته في قمَّة “تحالُف حركات الشَّباب” في الفترة ما بين 3 و5 ديسمبر 2008م؛ كما أشار إلى مقابلته مسؤولين أمريكيين في واشنطن العاصمة، وكذلك إلى مشاركته في جلسة للاستماع في الكونغرس الأمريكي عن القرار 1303 بخصوص الحريَّة الدّينيَّة والسّياسيَّة في مصر. وبرغم عدم كشْف وثائق السَّفارة الأمريكيَّة عن تفاصيل مخطَّط تغيير النِّظام في مصر، فهي توضح مدى الألفة بين حركة شباب 6 أبريل ومسؤولي الإدارة الأمريكيَّة. حضَّ النَّاشط السّياسي، أو المتمرّد، الإدارة الأمريكيَّة على الإطاحة بحسني مبارك، الَّذي شبَّهه بدكتاتور زمبابوي، روبرت موغابي. وعندما أرادت واشنطن إحداث اضطراب سياسي في مصر، ضمن عدد من دول منطقة الشَّرق الأوسط وشمال إفريقيا، وجَّهت أصدقاءها من أعضاء الحركات التَّمرُّديَّة للتَّحريض على الاحتجاج.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى