تقارير

بعد تهديد بوتين باستخدام النَّووي…ماذا ينتظر العالم؟

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب


اتَّخذت الحرب الرُّوسيَّة-الأوكرانيَّة، الَّتي رأى كثيرون أنَّ اندلاعها في 24 فبراير من العام الجاري كان بمثابة تدشين للحرب العالميَّة الثَّالثة، منحى جديدًا بعد إعلان الرَّئيس الرُّوسي، فلاديمير بوتين، في 21 سبتمبر الجاري التَّعبئة الجزئيَّة للجيش الرُّوسي لتكثيف الهجوم على أوكرانيا، ملوِّحًا بشنِّ هجوم نووي في إطار استغلال “كلِّ الوسائل المتاحة” لحماية بلاده. فبعد فشل الجيش الرُّوسي في تحقيق أهدافه من غزو أوكرانيا مع دخول الغزو شهره السَّابع، يعمل الرَّئيس الرُّوسي على إدخال الحرب إلى مرحلة جديدة تضمن له التَّفوُّق العسكري والنَّصر المؤزَّر، حيث أعلن تعبئة 300 ألف جندي من الاحتياطي البالغ عدد 25 مليونًا، مثيرًا استهجان الغرب الَّذي حرص زعماؤه، وعلى رأسهم الرَّئيس الأمريكي، جو بايدن، على استنكار خطوة بوتين الأخيرة وتحذيره من مغبَّة تنفيذ تهديده باستخدام السِّلاح النَّووي. وبما أنَّ العالم بأسره أصبح يعاني من تداعيات الحرب الرُّوسيَّة-الأوكرانيَّة، وبخاصَّة على المستوى الاقتصادي بعد الارتفاع المتواصل لأسعار السِّلع الأساسيَّة وانخفاض قيمات العملات المحليَّة أمام الدُّولار الأمريكي والتَّعرُّض لتهديد انقطاع إمدادات الطَّاقة بسبب العقوبات الأمريكيَّة المفروضة على روسيا بعد غزوها أوكرانيا، فمن البديهي أن يرد على الأذهان تساؤل هامٌّ عن مستقبل العالم في ظلِّ الأوضاع الجديدة الَّتي ستفرضها مرحلة استخدام السِّلاح النَّووي، مع تكهُّنات بمزيد من الأزمات في تدبير أهمِّ مستلزمات الحياة واتِّساع دائرة الحرب لتشمل جبهات جديدة شرقًا وغربًا.
ردود الفعل الدُّوليَّة حيال التَّهديد النَّووي الرُّوسي
بادر الاتِّحاد الأوروبِّي بانتقاد إعلان التَّعبئة الجزئيَّة في روسيا وتهديد رئيسها باستخدام السِّلاح النَّووي بحجَّة الدِّفاع عن بلاده وشعبه في خطاب ألقاه الأربعاء 21 سبتمبر، حيث وصفت المفوضيَّة الأوروبيَّة، الذِّراع التَّنفيذيَّة للاتِّحاد الأوروبِّي قرار الرَّئيس الرُّوسي بأنَّه جاء “في حالة يأس ولا يسعى إلَّا لتصعيد الأزمة”. وصرَّح المتحدِّث باسم السِّياسة الخارجيَّة للمفوضيَّة الأوروبيَّة، بيتر ستانو، بأنَّ “هذا مجرَّد دليل آخر على أنَّ بوتين غير مهتم بالسَّلام وأنَّه مهتم بتصعيد حرب العدوان هذه”. ومن جانبها، علَّقت وزيرة مكتب الشُّؤون الخارجيَّة البريطاني، جيليان كييجان، في تصريحات لشبكة سكاي نيوز البريطانيَّة، على قرار بوتين بقولها “من الواضح أنَّ هذا شيء يجب أن نأخذه بجديَّة لأنَّنا لسنا المتحكِّمين في الأمر هنا، وأنا لست متأكدة أنَّه، أي بوتين، يتحكَّم في الأمور أيضًا هناك حقًّا. هذا تصعيد واضح”.
من ناحيته، قال نائب المستشار الألماني، روبرت هابيك، إنَّ هذه “خطوة سيِّئة وخاطئة أخرى من روسيا”، مضيفًا أنَّ بلاده تسعى من خلال الوساطات الدِّبلوماسيَّة إلى إيجاد وسيلة للحيلولة دون تفجُّر الأوضاع في أوكرانيا من جرَّاء التَّهوُّر الرُّوسي. في حين أكَّد أمين عام حلف شمال الأطلسي “الناتو”، ينس ستولتنبرغ، أنَّ قرار بوتين الَّذي أعلن عنه في خطاب الأربعاء “خطوة خطيرة ومتهوِّرة”، معتبرًا تلك الخطوة دليل على عجْز بوتين عن تحقيق أهدافه من الغزو بعد 7 أشهر من القتال. وأضاف ستولتنبرغ أنَّ “القوات الرُّوسيَّة تفتقر للعتاد والقيادة المناسبة والسيطرة”، وأنَّ “إرسال مزيد من القوات سيصعد الصِّراع في أوكرانيا”. وبرغم المخاوف الأوروبيَّة من تداعيات تهديد بوتين باستخدام السِّلاح النَّووي في غزو أوكرانيا، استخفَّ الرَّئيس الأوكراني، فولدومير زيلينسكي، بتصريح بوتين الأخير، حيث صرَّح في مقابلة مع قناة بيلد بقوله “إنَّه، أي بوتين، يريد إغراق أوكرانيا بالدِّماء، بما في ذلك دماء جنوده”، معتبرًا أنَّ تهديدات بوتين الجوفاء ترمي إلى تخويف خصومه للاستيلاء على مزيد من الأراضي الأوكرانيَّة، كما نقلت عنه وكالة رويترز.
تحذير أمريكي من استخدام النَّووي تزامنًا مع رفع الفائدة على الدُّولار
من المثير للانتباه أنَّ الرَّئيس الأمريكي، جو بايدن، قد بادر بتحذير نظيره الرُّوسي من استخدام السِّلاح النَّووي قُبيل تلويح الأخير باستخدامه في المرحلة المقبلة من الحرب. فقد وجَّه بايدن خلال استضافته في برنامج “60 دقيقة” الَّذي تبثُّه شبكة CBS الإخباريَّة الأمريكيَّة الجمعة 16 سبتمبر، إلى بوتين تحذيرًا من مغبَّة تهوُّره، حيث قال “لا تفعل. لا تفعل، ستغيِّر وجه الحرب على عكس أي شيء حدث منذ الحرب العالميَّة الثَّانية”. وعلِّق بايدن على تساؤل المحاور عن طبيعة الخطوة الأمريكيَّة، في حال تهوَّر بوتين ولجأ إلى السِّلاح النَّووي بقوله “بالطَّبع لن أخبرك، سيكون ذلك وفقًا لما يفعلونه”، مضيفًا “سوف يصبحون منبوذين في العالم أكثر من أيِّ وقت مضى، واعتمادًا على مدى ما يفعلونه سيتمُّ تحديد الرَّدِّ”. وتزامَن إطلاق بوتين تهديده المثير للجدل مع قرار البنك الفيدرالي الأمريكي رفع سعر الفائدة على الدُّولار للمرَّة الخامسة منذ بداية العام الجاري، وبنسبة 0.75 بالمائة، في محاولة للحدِّ من التَّضخُّم الاقتصادي، الَّذي ارتفع معدَّله إلى 8.3 بالمائة في أغسطس الماضي؛ من جرَّاء تداعيات الحرب الرُّوسيَّة-الأوكرانيَّة. وبرغم أنَّ ذلك القرار يستهدف الاقتصاد الأمريكي، فإنَّ انعكاساته تصيب الاقتصادي العالمي برمَّته، حيث يؤدِّي إلى انسحاب الأموال السَّاخنة من الأسواق النَّاشئة وتحويلها إلى البنوك الأمريكيَّة للاستفادة من ارتفاع الفائدة على الدُّولار.
ونتساءل: ماذا ينتظر العالم بعد تهديد بوتين الأخير بالتَّزامن مع تفاقُم الأزمة الاقتصاديَّة العالميَّة بعد رفْع الفائدة على الدُّولار الأمريكي؟ وهل قرار إدارة بايدن رفْع الفائدة للمرَّة الخامسة قبل نهاية 2022م حقًّا لمواجهة ارتفاع معدَّل التَّضخُّم؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى