بحوث ودراسات

مَن وراء صعود و “سقوط الرَّبيع العربي”؟ 5 من 9

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب

ما أن اندلعت الاحتجاجات الشَّعبيَّة في مصر، بعد دعوة أحد نشطاء الحركات الثَّوريَّة عبر شبكة فيسبوك إلى تنظيم تظاهرات احتجاجيَّة على ممارسات جهاز أمن الدَّولة في عيد الشُّرطة، 25 يناير 2011م، حتَّى تسلَّط الإعلام المُسيَّس على الفساد الإداري، والقمع السّياسي، وارتفاع الأسعار، وانتشار الفقر والبطالة، لإثارة الرَّأي العام ضدّ نظام مبارك والتَّهيئة للإطاحة به، برغم أنَّ من أُشير إليه من فساد يُمارس منذ عقود، دون أن يسلّط الإعلام الضَّوء عليه بتلك القوَّة، كما حدث خلال أيَّام الاعتصام في ميادين مصر الكبرى. يكشف برينان عن مفارقة هامَّة، وهي أنَّ تقديرات الشفافيَّة الدوليَّة، وهي منظَّمة غير حكوميَّة تُعنى برصد كافَّة أنواع الفساد في العالم، تشير إلى أنَّ معدَّل الفساد في مصر أقل ممَّا هو عليه في دول، منها الأرجنتين وإندونيسيا وفيتنام، وفي نفس مستوى الفساد في دول أخرى، منها إيطاليا واليونان والصّين؛ ولم تخرج في أيّ من تلك الدُّول حركات احتجاجيَّة. أمَّا بالنِّسبة لانتشار الفقر في مصر، فهناك تقديرات تفترض أنَّ 40 بالمائة من المصريين ينفقون دولارين في اليوم الواحد وقت اندلاع الاحتجاجات؛ فإذا كان ذلك الرَّقم صغيرًا حينها، فهناك دول يعيش الفرد فيها على دولار واحد، ولم تشهد احتجاجات مشابهة.

تدريب أمريكا لنشطاء متمرّدين لإشعال الاحتجاجات

يتطرَّق برينان (2015م) إلى مسألة في غاية الأهميَّة، وهي أنَّ نشطاء سياسيين، من المدافعين عن الدِّيموقراطيَّة والحريَّة، هم في الأصل أذرع لأمريكا، ينفّذون مخطَّطاتها لإحداث الاضطرابات. يقول الكاتب صراحةً “تلقَّى المحتجُّون المؤيّدون للدِّيموقراطيَّة الَّذين قادوا ‘الرَّبيع العربي’ في مصر وفي أنحاء المنطقة، التَّمويل والتَّدريب برعاية أمريكيَّة، تمامًا مثل قادة حركات ‘الثَّورات الملوَّنة’ في سيبيريا وأكرانيا وغيرهما من قبل” (صــ56). وقد نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكيَّة في 14 أبريل 2011م مقالًا تحت عنوان “جماعات أمريكيَّة ساعدت في رعاية الانتفاضات العربيَّة”، اعترفت فيه بدور أمريكا في التَّغير السّياسي الَّذي حدث.

يبدأ المقال بانتقاد سياسة الإدارة الأمريكيَّة في الإنفاق ببذخ على البرامج العسكريَّة الأجنبيَّة وحملات مكافحة الإرهاب، مع تخصيص مقدار محدود من أجل تعزيز الدِّيموقراطيَّة في الدُّول العربيَّة الخاضعة لحُكم استبدادي. غير أنَّ بمراجعة المسؤولين الأمريكيين ما حدث من تغييرات سياسيَّة في عدد من الدُّول العربيَّة مطلع عام 2011م، سيجدون أنَّ حملات الولايات المتَّحدة لإرساء قواعد الدِّيموقراطيَّة لعبت دورًا أكبر في تأجيج الاحتجاجات، من خلال قادة الحركات الَّذي تلقُّوا التَّدريب على تنظيم الحملات بواسطة وسائل الإعلام الحديثة على يد أمريكيين.

وبرغم ما ذُكر عن تدريب حركات كان لها الدَّور الأهمّ في إشعال الاحتجاجات، مثل شباب 6 أبريل في مصر، ينفي المقال ما تردَّد عن أنَّ انتفاضات الرَّبيع العربي كانت بتدبير أمريكي. ينقل مقال نيويورك تايمز عن المدير التَّنفيذي لمشروع الدَيموقراطيَّة في الشَّرق الأوسط، وهي منظَّمة أمريكيَّة غير ربحيَّة تُعنى بتعزيز الدَيموقراطيَّة، كما تقدّم نفسها، قوله أنَّ أمريكا لم تموّل حركات التَّمرُّد، الَّتي تُطلق على نفسها حركات ثوريَّة، لإشعال الثَّورات، إنَّما قدَّمت لها التَّدريب، وكان لذلك دوره في إنجاح الانتفاضات. ويشير برينان كذلك إلى أنَّ صحيفة واشنطن بوست نشرت مقالًا، عنوانه “أمريكا تموّل شركات تقنيَّة لمساعدة متمرّدي الشَّرق الأوسط في تجاوُز الرّقابة الحكوميَّة”، يكشف عن تمويل بعض الوكالات الفيدراليَّة الأمريكيَّة، مثل وزارة الخارجيَّة ووزارة الدّفاع ومجلس حكَّام الإذاعة، لشركات تقنيَّة للسَّماح للمتمرّدين بالدُّخول على الإنترنت دون تعقُّب من السُّلطات الرَّسميَّة، وزيارة المواقع الإخباريَّة ومنصَّات التَّواصل الاجتماعي المحجوبة.

 وينقل برينان (2015م) عن عدد من المقالات الأخرى تصريحات من مسؤولين أمريكيين عن رعاية المتمرّدين الشَّباب وضمان سلامتهم؛ يُذكر منها تصريح نائب وزير الخارجيَّة الأمريكي لشؤون العمل وحقوق الإنسان، في اعترافه بتخصيص 50 مليون دولار في العامين السَّابقين على اندلاع احتجاجات 2011م على تطوير تقنيات تساعد المتمرّدين، الَّذي يسمّيهم النُّشطاء، على حماية أنفسهم من الاعتقال والملاحقات القضائيَّة. واستعدادًا لانتفاضة عام 2011م في مصر، سافر بعض المتمرّدين إلى الخارج لإتمام التَّحضيرات الأخيرة. يُذكر من ذلك سفر مجموعة من طليعة أعضاء حركة شباب 6 أبريل المصريَّة إلى أمريكا عام 2008م، لحضور اجتماع استضافته الخارجيَّة الأمريكيَّة عنوانه “تحالُف حركات الشَّباب”.

صورة 1.1-شعار حركة 6 أبريل وحركات تمرُّديَّة أخرى

وقد ادُّعي وقت عقْد ذلك الاجتماع أنَّه كان عبارة عن منتدى للنُّشطاء الشَّعبيين عن كيفيَّة إعادة تشكيل العالم. شارك في ذلك الاجتماع موظَّفون في الخارجيَّة الأمريكيَّة، ومجلس الأمن القومي الأمريكي، وجهاز الأمن الداخلي الأمريكي، إلى جانب أعضاء منظَّمة فريدم هاوس الحقوقيَّة، وممثّلين عن بعض الشّركات والمنظَّمات الأمريكيَّة. ويشير تقرير لمركز الدّراسات الأمنيَّة والاستراتيجيَّة الأمريكي، ستراتفور، إلى أنَّ حركتي كفاية وشباب 6 أبريل تقودان النُّزول إلى الشَّوارع في تظاهرات سلميَّة، وتنظيم فعاليَّات لانتقاد ممارسات النِّظام الحاكم؛ ويضيف التَّقرير أنَّ هؤلاء تلقُّوا تدريبًا في معهد ألبرت أينشتاين الأمريكي، كما ذُكر من قبل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى