سياسة

ثلاث “قُبَلْ” على الهواء!

عبود العثمان

شاعر وكاتب سوري
عرض مقالات الكاتب

خلال هذا الأسبوع، ومن على شاشات الفضائيات ،شاهدت بأمّ عيني ثلاث “قُبلات” :
الأولى: لرئيسة وزراء بريطانيا الجديدة “ليز تراس” وهي تقبل يد ملكة بريطانيا “اليزابيث الثانية” أثناء حفل تكليف الملكة لها برئاسة الوزراء خلفاً ل”جونسون” الذي قدم استقالته للملكة أيضاً بعد أن أطيح به في البرلمان، ففي تقاليد المملكة البريطانية يتم تكليف رئيس الحزب الفائز في انتخابات البرلمان برئاسة الوزراء، حيث “يُقبِّل” المكلف يد صاحبة الجلالة، وهذا ما فعلته”ليز” بكل وقار واحترام في هذا الحفل الذي يسمونه “حفل تقبيل اليدين”، وهذا ماجرت عليه العادة لدى البريطانيين، حيث قبّل يد الملكة “اليزابيث الثانية” 15 رئيس وزراء مكلف طيلة فترة مكوثها على العرش التي امتدت إلى 70 عاماً ،وانتهت بعد يومين فقط من حفلة “تقبيل اليدين”-كما تُسمى في البروتوكول البريطاني-وكأنها كانت نذير شؤم من “ليز” على العرش البريطاني، لكن “الإنكليز”، لا يتطيّرون من هكذا حدث، لا سيما وأن مليكتهم امتد بها العمر إلى ما يقرب من 96 عاما،ً أمضت 70 عاماً منه ملكة على بريطانيا العظمى التي كانت في يوم ما “لا تغيب عنها الشمس”.

القبلة الثانية: لأحد العراقيين وهو يقبّل يد “زائر إيراني” جاء ليزور قبر “الحسين” رضي الله عنه بمناسبة “أربعينية الحسين” وهي مشعر ديني شيعي يعبر من خلاله زوار قبر الحسين عن حزنهم وجزعهم من فاجعة مقتله وعدد من آل بيته في “معركة كربلاء” التي مضى عليها أكثر من 1400 عام.
وقصة هذه “الزيارةالأربعينية” كما وردت في بعض المصادر -خاصة الشيعية منها- أن “زينب بنت علي بن أبي طالب” “شقيقة الحسين ومعها “زين العابدين الملقب بالسجّاد” وهو الوحيد الذي نجا من المقتلة وعدد من آل بيت الحسين، وبعد أن غادروا “دمشق” باتجاه المدينة المنوّرة، وأثناء المسير، وقفت “زينب” أمام مفترق طرق وسألت: إلى أين يؤدي هذا الطريق؟ فقيل لها: إلى “كربلاء” حيث دفن فيها الحسين -بدون رأس- فقالت لمن معها: هيا لزيارته وإعادة رأسه المقطوعة إلى جسده- هذا ما يسميه الشيعة يوم “رد الراس”- وبعد وصولها إلى المكان الذي جرت فيه المعركة، فتحت قبور القتلى ومنهم الحسين وولده العباس وأعادت الرؤوس المقطوعة إلى أجسادها، وأقامت مأتماً عظيماً استمر لعدة أيام وهي تبكي أخاها وأبنائه ومن ثم غادرت إلى المدينة المنورة حزينة منكوبة.
هذه هي الرواية الشيعية وعلى أغلب الظن أنها غير صحيحة بتفاصيلها هذه، وهي من صناعة الشعوبيين الفرس، الذين جعلوا من وقعة “كربلاء” مناسبة وأداة ووسيلة تحريض على حكم بني أمية بسمته العربية، وهذا ما أدى إلى زرع الفتنة بين المسلمين وكرّس الكراهية المذهبية بينهم إلى اليوم.
نعود إلى “قبلة الأربعينية” هذه التي لم نشاهدها إلاّ بعد الاحتلال الأمريكي للعراق ومجيئه بذيول إيران وأتباعها من الخونة الذين يدعون بأنهم “عرب عراقيين” وهم عملاء ارتضوا أن يكونوا جنداً في دولة الملالي، وكانوا في الصف الأول في حرسها الثوري، حيث توكل إليهم المهمات القذرة، فكانت مكافأتهم على منجزاتهم الخيانية بأن نُصّبوا حكاماً على الشعب العراقي، ويأتمرون بإمرة الأمريكي والإيراني خدمة للمصلحة المشتركة بينهما.

في هذا العام، أخذت الزيارة الحسينية طابعاً وزخماً أكبر من ذي قبل، حيث تم توظيفها لأغراض سياسية، فقد أظهرت دولة الملالي مدى قدرتها على السيطرة على الساحة العراقية سياسياً واقتصادياً ودينياً،فالذين ينظمون مراسيم الزيارة وطقوسها هم ملالي إيران، وقد خرج علينا أحدهم ليقول:هذا العام سيبلغ عدد الزوار الذين سيدخلون العراق من جميع المنافذ وبدون تأشيرات دخول ما يقرب من مليوني إيراني!
فهل باستطاعة حكام العراق أن يعترضوا على هذا الوضيع وهذا الإجتياح الذي يغزو ارض العراق؟ هذا الاجتياح “ليس حباً ب “علي” وب “الحسين” ولكن كراهية ب “معاوية” و”العرب” بشيعتهم وسنتهم.
ومن الأحاديث المنسوبة للإمام جعفر الصادق في هذه الزيارة- وهو حديث مكذوب- أنه قال: “وكّل الله بقبر الحسين بن علي أربعة آلاف ملكاً يبكونه إلى يوم القيامة فمن زاره عارفاً بحقه، شيّعوه حتى يبلغ مأمنه، وإن مرض عادوه غدوة وعشياً،وإذا مات شهدوا جنازته واستغفروا له إلى يوم القيامة”!!
هكذا استطاعت الشعوبية الفارسية أن توظف وقعة كربلاء في خدمة مشروعها المعادي للعروبة والإسلام، وهكذا استطاعوا أن يفشوا العداوة والبغضاء بين المسلمين العرب- سنّة وشيعة-، وهذا ما نشاهده اليوم على أرض العراق.

القُبلة الثالثة: وهذه قبلة لها طعم آخر، فقد شاهدت بأم عيني أيضاً ،أحد السفلة الموالين للنظام وهو يقبّل تذكرة حصل عليها بعد جهد وساعات انتظار طويلة، لدخول حفل غنائي يقيمه المطرب”هاني شاكر” الذي أصبح اسمه على لسان حشد عظيم من أتباع النظام وهم يتدافعون أمام دار الأوبرا في دمشق للحصول على بطاقات دخول هذا الحفل الغنائي لهذا المطرب الذي أصبح من الماضي وطويت أغانيه الرديئة التي لم يكن لها حظ من الاهتمام إلاّ لدى أصحاب الذوق الرديء.
من المفارقات أن موعد حفلة “هاني شاكر” المقرر إقامته في يوم 16 أيلول، هو مصادف ليوم الزيارة الأربعينية التي ستكون في ليلة 16/17 من هذا الشهر، أي أن نواحاً وعويلاً سنسمعه يأتينا من كربلاء ومن زوار قبر “الحسين رضي الله عنه” وهم يحييون ذكرى مقتله، وفي ذات الوقت سنسمع الموسيقى الراقصة وأغاني الحب والأشواق والآهات والزغاريد تأتينا من دار الأوبرا من قلب عاصمة الصمود والتصدي “دمشق الأسد”على وقع أغاني فيها من الفن ما يليق بدار تسمى”دار الأوبرا” كما هو معروف عن دور الأوبرا في جميع دول العالم التي تحترم فنها وجمهورها.

تُرى هل سيجري تغيير موعد الحفل الغنائي المفعم بالطرب والكيف، احتراماً للزيارة الأربعينية المفعمة بالحزن والبكائيات والندب واللطميات؟ هذا ما سيقرره الإيراني صاحب القول الفصل في “دمشق” عاصمة الأمويين، و”بغداد” عاصمة العباسيين، اللتان غُيّب فيها الشرفاء والمناضلون، ليحكمها الخونة والجبناء والمحتلون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى