مجتمع

أممٌ أمثالكم.. وأمثال لكم

ثلاث حشرات متشابهة مذكورة في كتاب الله، خلقها على أشكال سلوكية مختلفة، وهي قد ترمز لأشكال سلوكية مختلفة لمجتمعات من بني البشر هكذا أراها.
١. الذباب:
يتطاير عشوائياً ويحط على كل شيء. يقع على الحلو واللذيذ من الأطعمة كما يقع على النجاسات والنفايات، همه أن يظفر بلعقة..( تجمعاته غير مقصودة وغير منظمة، مزعج متطفل لا يجمع ولا يخزن، ولا تدخر الذبابة لذاتها ولا لمثيلتها بل تتنافس جموعها على قطعة عفنة أو قطعة حلوة ، عديمة التمييز، كلما ذَبَبْت الذباب يعاود الكرة، وهو عنوان القرف ومؤشر على تدهور البيئة وضار بالصحة وناقل للأمراض، ولذا فهو غير مرغوب به ومطلوب إبادته.
٢. النمل:
منظم في سعيه، يجمع ويذخر، يخاطب بعضه ويتعاون ويقيم مستعمرات لكنها تحت الأرض في مساكن عجيبة غريبة تؤمن التهوية والتواصل والجمع والادخار. ولا يخرج من جحوره الترابية إلا في مواسم معينة.
ومجرد أن تكتشف نملة ما فريسة أو قطعة يتم التخاطب ببريد كيميائي عن طريق تلامس قرون الاستشعار فيسلك النمل خطاً واحداً يتعارف به الرائح والغادي، وإذا كانت الفريسة ضخمة يتعاون على جرها جمع غفير.

يأتي على مخلفات الكائنات الأخرى أو على ميتها أو على فتات وبقايا طعام البشر طازجاً أو عفناً حلواً أو دسماً ليفيد من كل شيء.
الجدير بالذكر أنه إذا ماتت نملة تشحن للمؤنة ليستفاد منها دون اعتبار للمماثلة أو الزمالة، يشكل النمل تضايقاً وإزعاجاً في بعض الأماكن ومطلوب إبادته بدرجة أقل من الذباب.
٣. النحل:
لا يحط إلا على رحيق الأزهار بل تحمل أوباره غبار الطلع لتلقيح الأزهار المؤنثة بنفع ملحوظ.
تتحرك أسرابه جماعياً وتبني بيوتها عروشاً ملكية في العلن والهواء الطلق، وهناك أدوار بينها منسقة فثمة نحل ملكي ونحل عامل ومنها ما يجمع الرحيق وما يعسل ومنها ما يبرد الخلايا برفيف أجنحته محلقاً قربها.
إذا شذت وشردت نحلة عن سربها تتوه فلابد من الجماعية، لكن احتياطات الإرشادات والتوجيه متوفرة مدروسة بنظام راداري محكم.
يدافع النحل عن مملكته الجميلة (شكلاً ومضموناً) جماعياً وبشراسة قد يميت النحل كائناً أقوى منه بنية وحجماً وإدراكاً بملايين المرات بفضل تعاونه المنظم.
﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (٦٨) ﴾ سورة النحل.
وبرغم أن الوحي هنا لا يتطابق مع مفهوم الوحي النبوي لكنه يدل على أن النحل له منزلة سامية تتميز عن الطبيعة أو الغريزة لدى أشباهها من الحشرات، فضلاً عن إطاعته هذا الوحي النافع.
فالنحل نافع في سعيه منظم في صنعه مفيد في إنتاجه، بل حلو وفيه شفاء ودواء وهو يقاوم بحدة من يحاول تخريب نظامه الراقي، والنحل مرغوب في تربيته ومطلوب لعظيم نفعه.

الآن بعد أن استعرضنا سلوك هذه الأنواع من الحشرات نستطيع إسقاط رمزية المماثلة على مجتمعاتنا البشرية لنقول مايلي:
● المجتمع الذبابي:
مجتمع بدائي، بل هو تجمع غير منتظم أو جماعة فاشلة فوضوية أنانية لا تميز الجيد من الرديء. فردية لا مؤسسية، معرضة للإبادة والانقراض بما هي تؤذي وتتطفل ولا تنفع ولا تنتج، ملوثة موبوءة، وفي عالمنا الكثير منها لا يخفى على القارئ من المجتمعات المتخلفة الفاشلة في دول العالم الثالث المقسمة المجزأة، وينطبق على بعض الجماعات ضمنها أيضاً.
●المجتمع النملي:
مجتمع مادي سلعي استهلاكي يعمل ويكد، قيمه العليا في العمل، لا يبالغ في العواطف البشرية، وكل شيء مقونن حتى الدين، براغماتي منتج ومدخر ومنظم، مؤسساتي وفق لعبة ديمقراطية بأنواعها متعارف عليها، مثل المجتمعات الغربية الرأسمالية والشيوعية بتفاوتات يمكن إدراكها، وقيمة الفرد مرتبطة بقيمة سعيه الجماعي وفيه عدالة وضعية وقوانين تراعي الحاجة. والفرد العاطل والمعطل فيه لا قيمة له، يطور نفسه ونظمه وفق الدوافع والحاجات المادية المتجددة، ولا يخلو من التآمر داخله وخارجه طمعاً في الغلبة والتوسع.
● المجتمع النحلي:
مجتمع راشد يعمل بالوحي والوعي، بالسماوي والأرضي، مجتمع قيمي وفق مبادئ وعواطف منظمة مقيدة بعقلها من الانفلات بل تغني الإنسانية وتتوافق مع السلوك الأخلاقي. أعماله نافعة وسمته التعاون والتكافل، مؤسساتي أيضاً. الشورى والعدل فيه يعملان بالتوازي، مخرجاته علنية ناصعة وجميل في شكله ومضمونه، يبغي خير البشرية مسالم إلا على من يخرب ويدمر الرقي.
ربما حدث هذا في التاريخ البشري في حقب كانت ذهبية، ولا بد أن ننشد مثل هذه المجتمعات لتتحقق مرة أخرى لنحصل على سعادة العمل وسعادة العاقبة.
■ أخيراً:
فيما يكون المجتمع الذبابي متفككاً ساعياً بلا هدف مكشوفاً يظن في نفسه التحرر والعلو والتفوق، يكون المجتمع النملي مدبراً أمره يخطط بخفاء ويسعى ويجمع ويحسب ويتوسع.
ويبقى المجتمع النحلي راقياً سامياً عاملاً بوعيه ممتثلاً لما يوحى له عزيزاً على مدمريه، وهو أملنا المنشود.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى