مقالات

قناة الجزيرة تفقد بريقها !

أ. د. عبد المجيد الحميدي الويس

سياسي وأكاديمي سوري
عرض مقالات الكاتب

تميزت قناة الجزيرة على غيرها من القنوات الفضائية بميزتين رئيستين: بمذيعيها وببرامجها، وكان على رأس مذيعيها وبرامجها فيصل القاسم، وبرنامج الاتجاه المعاكس.. ولم يكن فيصل القاسم والاتجاه المعاكس مجرد برنامج أسبوعي ومذيع يدير حوارا، بين ضيوف عاديين، يعالجون مشكلة ما، وإنما كان الاتجاه المعاكس صوت الشعب ونبض الشارع، ولسان المخنوقين، وصرخة المظلومين في وجه الظالمين.. كان فيصل القاسم والاتجاه المعاكس ثورة فكرية وإعلامية وسياسية وأخلاقية وإنسانية. عندما خفت صوت الثورة، وخنقوه، وظنوا أنهم أسكتوه، ظل صوت فيصل القاسم يكبر وينادي أبطال الحرية بالثبات ومواصلة الكفاح والنضال والثورة.. وقد كان..

ظنوا أنهم إن أسكتوا فيصل القاسم، وأوقفوا برنامجه الخطير فإن صوت قطر سيخفت، ومكانتها ستهتز، وقيمتها ستقل، وقد صدقوا وأصابوا، فقناة الجزيرة بلا فيصل القاسم تصبح وأصبحت مجرد قناة عادية مثلها مثل أي قناة أخرى، بلا لون ولا طعم ولا رائحة ولا نكهة خاصة تميزها.. وقد صدق ظنهم.. وأصابوا.. لقد كان لسان فيصل القاسم السوط الذي يلهب ظهور الحكام العرب، وكاشف عوتهم، وفاضح سترهم وعهرهم.. وكانت كلماته النافذة؛ القذائف التي تصيبهم في مقتل، وتدمي عيونهم وقلوبهم. كان فيصل القاسم القائد الذي لا يهزم في معركة، ولا ينبو له سيف، ولا يكبو له حصان، ولا يشق له غبار، ولا يقف بوجهه فارس مهما كان سلاحه.. كان الاتجاه المعاكس ثورة، وكان فيصل القاسم أمة.. لقد أعطى فيصل القاسم للكلمة معناها وأهميتها وبعدها وعمقها وقداستها.. وللإعلام رسالته الإيمانية، وقيمته الرسالية، وقوته التي لا تقهر.. يظل الاتجاه المعاكس البرنامج المميز في كل شيء، والوجه المشرق لقناة الجزيرة؛ والمتفرد الذي لا نظير له، ويظل فيصل القاسم صوت الحق الذي يصدح، ويصم آذان الطغاة والبغاة، ويهز عروش الظلمة والجبارة.. وإن غاب عن الساحة مؤقتا.. لكنه سيعود، وبقوة.. فانتظروا.. كان فيصل القاسم الملح والسكر، والعطر والحلي والجوهرة الثمينة في تاج الجزيرة، والماركة المسجلة والسر الذي لا يكشف، والسحر الذي لا يفك.. والاتجاه المعاكس البرنامج الوحيد الذي تترقبه الناس، وتسعد به الجماهير ويهتم به العالم.. فيصل القاسم مالئ الدنيا وشاغل الناس، ومعشوق الجماهير، وآسر القلوب، وكحل العيون، وملء السمع والبصر.. الإطلالة المشرقة التي تسر الناظرين، والحضور المميز، والذكاء والفن والذوق والرقي والجمال والإبداع.. والصوت الذي لا تمل سماعه، وتشتاق إليه، وتأنس به وتحسه قريبا منك وحولك وعندك وبين يديك.. والوجه الجميل الوضاء، والابتسامة الساحرة التي ترى ظلها في وجه كل عربي ومسلم مظلوم ومحروم.. يظل الاتجاه المعاكس علامة فارقة مميزة في تاريخ الثورة السورية والربيع العربي، ويظل فيصل القاسم حامل الراية والسباق إلى الساحات، والأقرب إلى العدو، وهو الذي يقض مضاجعهم، ويقتحم عليهم خلوتهم، ويفسد عليهم أنسهم، وينغص عيشتهم، ويهز عروشهم.. فتحية له من كل ثائر عربي حر شريف، وتحية لكل من صدح بالحق من على منصة الاتجاه المعاكس، وألقم ظهير المجرمين حجرا، وأسكته وهزأه وهزمه في تلك المناجزة والمنازلة في ساحة الفكر والسياسة والحرب الكلامية، التي لا تقل عن أهمية عن منازلة القتال والحرب العسكرية.. إن لم تتفوق عليها..

تحية لفيصل القاسم ولحواريي فيصل القاسم جنوده الأبطال؛ كلما دقت الساعة العاشرة وخمس دقائق موعد الاتجاه المعاكس المقدس الذي نرقبه كما نرقب أذان المغرب في يوم رمضاني قائظ.. وسنظل نرقبه حتى يعود..

فهو اليوم الغائب الحاضر المنتظر..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى