مختارات

أزمة التجديد عند المثقف الشيعي


بقلم عبد الرحمن جميعان|

ما من شك، أن التشيع قد تلقى ضربات قاصمة من قبل العلماء السنة، وأخرى شديدة من المراجع الشيعية، لاسيما الحديثة منها، مثل أحمد الكاتب وعبد الحليم الغزي (نقد السلوك، وبعض الأفكار، وهو من المغالين لا الإصلاحيين)، كمال الحيدري، الصرخي، ياسر عودة، فضل الله علي شريعتي، البرقعي، الموسوي وغيرهم كثير. كل هؤلاء وغيرهم، لا شك أنهم أحدثوا شرخا كبيرا في جدار التشيع، ومع ذلك، لا يزال التشيع، سلوكا وطقوسا، يقاوم التغيير والتبديل. فكيف تمكنت المراجع من حماية العقل الشيعي، وتحصينه ضد الوافد الجديد، ومن ثم محاولة حماية التشيع الخاص بهم؟

أولاً:

انطلق الرافضون والمانعون للتجديد، أو أي تحديث أو تطوير للخطاب الشيعي، من خلال تسوير العقل الشيعي، عبر إغراقه بالروايات المكذوبة، والخرافات والأساطير، بل وزيادة جرعة الكذب، وممارسة التمويه، وتزيين الباطل، حتى وصل بهم الحال اليوم إلى الاعتراف والمجاهرة بالقول بتحريف القرآن. ومن يتابع قنوات التشيع، أو القنوات التي تعمل ضدهم، لن يخطئ في الرصد! ومما يزيد الطين بلة، أنك لا تستطيع محاورة أحد الشيعة، أو أحد رجال الدين أو المراجع المعتبرة، إلا ويتملص بإلقاء اللوم على رأي المرجع أو الخطيب، ولا يعترف بأن هذا الأمر أو هذه الفكرة، إنما هي في صلب العقيدة الشيعية! وتلك إشكالية كبيرة، فكيف يمكن للمحاور والمناقش، إيجاد أرضية أو أصول مستقرة يمكن الانطلاق منها في الحوار؟ أو البناء عليها!

ثانيا:

كيل الاتهامات لمن يحمل هم التغيير، وتجديد الخطاب وتطويره، بل وحبسهم في بيوتهم كما فعلوا مع الحيدري، كما يقال، والحجر عليه بالخروج في أي قناة إعلانية، أو حتى تهديدهم بشتى التهديدات. وكما شاهدنا ما حصل للصرخي وجماعته، من تهديم المساجد وحرق الكتب والمصاحف، ومحاربته علنا، مما جعل الكثير من المثقفين يحجمون عن القول بالتجديد، بل إن بعضهم قد يكتم تسننه حتى عن أهل بيته، خوفا ورهبا! أو رغبة!

ثالثا:

صنع العداء وتضخيمه بين بسطاء الشيعة وأهل السنة، والتحذير الشديد من الاقتراب منهم، حتى أن بعض المراجع قد أفتى بتطليق المرأة التي زوجها يستمع إلى القنوات السنية التي تهاجم التشيع وأهله!! واتهام كل من يحاول التجديد أو النقد بأنه وهابي سلفي داعشي! دون وجود ردود عقلية نقلية ترد على أهل الخطاب الناقد، مما يدل على عجز الخطاب الشيعي عن التواصل، فضلا عن التطوير والتجديد، والتصدي للقادم الجديد!

منطلقات تسوير العقل الشيعي

ينطلق الفكر الشيعي اليوم- وبخاصة بعد استيلاء الأمريكان على العراق، وإفساح الطريق للاحتلال الإيراني كي يتوغل ويكون هو الحاكم الفعلي، وينصب السيستاني حاكما فعليا للعراق – من ثقافة الشارع التي أتاحت لرجال من التشيع اعتلاء المنابر، دون تمحيص من المؤسسة العلمية للتشيع. فأصبح كل من له عمامة يخرج ويدلي بأي فكرة له سواء صادمت العقول أو النقول أم لا! وهذا سبب من أسباب بروز الغلو اليوم، والأفكار الغريبة والأسطورية واللامعقولة التي نفر منها حتى بعض أهل التشيع، وبدأ يرفضها بعض رجال الدين من عدة وجوه:

1- تضخيم المظلومية الواقعة على الأئمة، وبخاصة ما وقع على الحسين عليه السلام، من قتل وقطع الرأس وتشريد لأهل بيته، وفق الرواية الشيعية، مما يستدعي عاطفة جياشة مشوبة بالدموع المكفرة عن ذلك الذنب، ومن ثم الانتقام وأخذ الثأر، والتهيؤ لهذا!!! والضرب على هذا الوتر بقوة، مما استدعى خلق أفكار جديدة، لتنمية ما يسمى بـ «الشعائر الحسينية»، وزيادتها، لدرجة صناعة تماثيل على صور الأئمة ودعوتهم والتبرك بهم!!!! فضلا عن التفنن في التطبير وإيذاء النفس والأطفال وغير ذلك مما هو منهي عنه في الشرع الحنيف!

ولعل استخدام هذا النوع من العاطفة، كسلاح بيد المراجع، سيجعل المتلبس بهذه الأفعال، أسيرا لها، وساعيا لتحسين الأداء وحتى الغلو فيه، وما يلبث المتشيع العامي من الناس أن يخرج من شعيرة حتى يلحقوه بأخرى، كي لا يهدأ ولا يفكر فيتمرد، كما حدث مع البعض! والطريف أن الغلو في الطقوس والابتداع والجنون الذي يبديه المتشيع في المناسبات كيوم عاشوراء مثلا تتيح له الشعور بقمة الحرية، ولما اشتد التطرف والغلو في الطقوس كلما شعر أنه ارتقى درجة أعلى من الحرية!

2- زيادة جرعة تكفير وتخوين الصحابة، والطعن في عرض النبي صلى الله عليه وسلم، من خلال الطعن في عائشة وحفصة رضي الله عن الجميع، حتى يوقن هذا الشيعي «الموالي»، أن الدين قائم فقط على البراءة من أعداء الولاية، والذين هم الصحابة، الممثلون لأهل السنة، وأولئك أجداد لهؤلاء الأحفاد، حيث لا اختلاف بينهم. فيكبر الحقد وتتعمق الضغينة. وتشتد مخرجاتها كما رأينا مما ألحقه الشيعة في العراق بأهل السنة من مآسي وكوارث، عملا بقاعدة «يا لثارات الحسين»!!

ثم إن الطعن في عرض المصطفى صلى الله عليه وسلم، لم يأت صدفة، ولا اعتباطا، بل هو أمر دبر بليل، أريد من خلاله الطعن في النبوة وبالدين كله، حتى لا تتبقى أية قدسية حوله صلوات ربي وسلامه عليه، لا لكتابه المحرف ولا لصحابه المرتدون ولا حتى لعرضه.

3- الغلو بالأئمة غلوا، أدى بهم إلى القول بتوحدهم بالله تعالى، أو مشاركته سبحانه الربوبية، والقول بالولاية التكوينية لهم، والتي تخضع لها جميع ذرات الكون، فهم الأنوار المحدقة بالعرش المخلوقون قبل آدم وذريته عليه السلام! ومن ثم دعاءهم، والاستغاثة بهم، بل إن بعضهم يدعي أن دعاء الله وحده شرك، والتوحيد هو عدم افراده، بل دعاء الإمام أولا وأخيرا!!! وقد سيقت الكثير من القصص المثيرة حول هذا الموضوع.

4- المحاولات المستميتة من الخطباء والمراجع لصرف الشيعة عن القرآن، واستبداله بكلام الأئمة وخزعبلات التشيع، لضعف قدرة المراجع والخطباء ورجال الدين على قراءته، فضلا عن حفظه، لدرجة أن بعضهم لا يرى غضاضة من القول، عند سماع آية، أنه لا يعرفها، أو أنه لم يكن يظنها آية، مثل (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء). وهذا ليس تهويلا ولا ادعاء، إنما هو كلام الشيعة باعترافهم، بعد رجوعهم عن التشيع، وقراءتهم القرآن بتأمل، حيث يعودون للفطرة، فيبدؤون بالتغيير.

مسؤولية المثقف الشيعي

إن المثقف الشيعي الذي تحرر عقله ودينه من البدع والخزعبلات والأساطير التي ما أنزل الله بها من سلطان، مسؤول (أولا) أمام الله مسؤولية عظمى، و (ثانيا) عن النظر في أمر التجديد في الخطاب الشيعي، وعن الدعوة بين الشيعة، وإعلاء صوت العقل، لتحرير التشيع من البدع والخرافات والمصائب الكبرى التي حلت به، والبدع الكفرية والشركية، وتقريب الشيعة نحو الأمة، وعدم الانفصال عنها، ولهذا كان على المثقف الشيعي اليوم، تحديد بوصلة الاتجاه إلى:

أولا- التراث الشيعي، ومحاولة غربلته وعرضه على القرآن والسنة الصحيحة، ثم على العقل السليم، ومحاولة النظر إلى التناقضات فيه، فالتناقضات تؤثر كثيرا في المتلقي إن صفا عقله وسلمت فطرته. والتراث الشيعي لا شك أنه تطور كثيرا، وهي نقطة مهمة جدا، ومن ثم صاحب هذا التطور، تطورا في الدين نفسه، بل نلاحظ أنه في كل فترة يزاد التشيع طقوسا وعبادات لم تكن موجودة سابقا، فتدون وتكون في صلب الدين الشيعي! مما يجعل هذا الدين محضنا لأعداء الدين والأمة والملة، وبيئة صالحة لاستنبات بذور الكفر والنفاق والشقاق.

ثانيا-محاولة تفكيك العلاقة بين الإمام والولاية التكوينية، من خلال عرض قصص الأئمة، وعجزهم عن انقاذ أنفسهم من الظلم أو القتل أو السجن!!! حتى علي عليه السلام، لم تفده هذه الولاية. فلم يحافظ على ولايته، أمام «اغتصاب» الخلافة منه، ولم يستطع حماية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي زوجته فاطمة عليها السلام، ولم يجد حيلة يمنع الصحابة من تحريف القرآن!!! فليس هناك إمام استخدم هذه الولاية التكوينية في إنقاذ نفسه، فإذن جعلها الله لهم لغوا وعبثا، ولا فائدة منها، والله تعالى منزه عن اللغو والعبث سبحانه.

ثالثا-الحوار الطويل حول قضايا القرآن التي طرحها كالعبادات والشرك والكفر والطاغوت من جانب، وأن مبعث الأنبياء كان لتجديد العبادة لله وحده، ومن جانب آخر مدح القرآن للصحابة جميعا وأمهات المؤمنين الطاهرات، والبحث عن كل الآيات التي تمدحهم، وترفع من شأنهم، بل جعلت لهم المغفرة والجنات!

ومن باب آخر التركيز على أن القرآن لم يذكر الأئمة لا تصريحا ولا تلميحا، فأين أسماء الأئمة وفضل الإمامة!!! ولماذا لم يذكر اسم أي إمام مع ذكر من هم أقل شأنا، كزيد رضي الله عنه، بل وذكر الكفار مثل أبي لهب وفرعون وهامان وقارون، بل ذكرت البعوضة والنملة والهدهد والذباب والجمال والخيل والحمير والفيل، ولم يذكر اسم واحد على الأقل لإمام!!!

أخيرا

أيها المثقفون هذا واجبكم، وهو واجب واقع على عاتقكم، قبل وقوعه على أهل السنة، ومن يتابع القنوات التي تحاور التشيع مثل قناة رامي عيسى، أو صباح الموسوي، أو أشرف غريب، أو فراج الصهيبي أو وليد إسماعيل وغيرها، سيدرك المنصف أن أهل التشيع يتساقطون تحت مطارق الحق، ويتلقون ضربات موجعة، فلا يكون أمامهم إلا الهروب، فكيف إذا انطلق المثقفون من الداخل! وهم الأقدر والأكثر إدراكا من غيرهم؟ لا شك أن التشيع سيكون له شأن آخر!
ثم إن عليكم استشعار الأجر بإنقاذ هؤلاء من النار أولا، ومن نير وظلم السادة والمراجع ثانيا، واستغلالهم بأكل أموالهم أو باستغلال أعراضهم وأجسامهم…

أيها المثقف الشيعي

ضع لبنة في بيت التجديد للخطاب الشيعي حتى يتسق مع الأمة ودينها ومواجهتها ضد عدوها، ولا تكونوا أول الخائنين، بوقوفكم مع من يطعن الأمة بخاصرتها، ولا مع أهل الزيغ والضلال والغلو… وقد ورد في الروايات عن الإمام الصادق عليه السلام، أنّه قال : (إنّ العُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ ؛ وَذَاكَ أَنّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرّثُوا دِرْهَماً وَلَا دِينَاراً وَإنّمَا أَوْرَثُوا أَحَادِيثَ مِنْ أَحَادِيثِهِمْ فَمَنْ أَخَذَ بِشَي ءٍ مِنْهَا فَقَدْ أَخَذَ حَظّاً وَافِراً ؛ فَانْظُرُوا عِلْمَكُمْ هَذَا عَمّنْ تَأْخُذُونَهُ ؟ فَإنّ فِينَا أَهْلَ البَيْتِ فِي كُلّ خَلَفٍ عُدُولاً يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الغَالِينَ، وَانْتِحَالَ المُبْطِلِينَ، وَتَأْوِيلَ الجَاهِلِينَ) – فليكن هذا الشرف لكم، و الله سائلكم عن عملكم، فماذا أنتم قائلون؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى