سياسة

مقياس الأشخاص وأوزانهم في الثورة السورية

مرهف الزعبي

ناشط سوري
عرض مقالات الكاتب

يقول الله سبحانه وتعالى: (والسابقون السابقون)
إن قوة الأشخاص لا تنبع من دعم خارجي، ولا من تأييد إقليمي، ولا من ارتهان مخابراتي، أو اعترافٍ جهويٍ أياً كان؛ إنما تنبع من الأشخاص السابقين الذين انخرطوا في الثورة، وحافظو على مكتسباتها، وصانوا مبادئها، واستمروا فيها من دون الإذعان لأحد، وقاوموا جميع أنواع الضغوطات التي مورست عليهم، بعيدين عن محاباة داعمين، ومغازلة دول، وأجهزة استخبارات. فكل من ارتهن لهؤلاء، أو لأمثالهم ولو كانوا أفراداً؛ فلا وزن لهم، ولا ثقل ثوري، أو قيمة عند الثوار ولو قدَّم عشرات الشهداء من أبنائه، وأقربائه. وبالتالي فإنَّ الفشل سيكون مصيره. والخيبة، والخذلان ملازمةٌ له.
فَوَزنُ أي ناشط ثوري يكمن بانخراطه في الثورة منذ صيحة النصر (الله أكبر)، وهتافات (الشعب يريد إسقاط النظام)، و (عل جنَّة رايحين شهداء بالملايين) وبالقدر الذي قدَّم فيه تضحيات، ولازم الثورة، وضحى لأجلها، وسعى لنصرتها، ولم ينقطع بنشاطه عنها، وقاوم المؤامرات، وكشف الخيانات، وتعنَّت بمطالب الشعب السوري من أجل تحقيق أهداف ثورته، واستعادة حريته، وكرامته دون التنازل عن هذه الأهداف قيد أنملة. وعرف أنَّ الثورة تضحياتٌ، وواجبات. وليست مكتسباتٌ، أو سعيٌ لنجومية، أو وصول للسلطة. وأنَّها لن تنتصر سوى بالصادقين فيها، المتفانين في خدمتها، المتفائلين في انتصارها، الذين لا يهمهم لا سلطة، ولا جاه.
فكثيراً ما دأبت أجهزة المخابرات المهتمة بحماية حكم أسد من السقوط، والانهيار بتسخير كل ما يلزم لبقاء الأخير في سلطة الحكم. فسخَّرت، وجيَّرت له كل وسائل الصمود، والثبات في وجه الثورة السورية. واستطاع ضباطها التغلغل في الصفِّ المضاد للأول عن طريق الدعوم المالية، والعسكرية، والإغاثية، ووعود أشخاص ساذجين بمناصب وهمية عند إسقاط مجرم سورية. فجنَّدت جواسيس وعملاء ينشطون لخدمتها، ولصالح بشار أسد بكل مؤسسات الثورة، ونجحت في خلق هياكل عميلة بمسميات ثورية، وإسلامية. وكلتاهما من أشد الأعداء للثورة، والإسلام.
كما تمكنت من نشر شعارات عبر جواسيسها استطاعت من خلالها عزل المكون السنِّي الثائر عن باقي السوريين عبر شعارات طائفية، وعدائية للأخير بعد مشاركة عامة دامت قرابة عامين من انطلاقة الثورة. فأفرزت هذه الهياكل، وأدواتها الوظيفية الجيد، من الرديء لكل من عمل في الشأن الثوري السوري العام. ومع ذلك لم تُتوج عمليات التجنيد التجسسية بتحقيق أهدافها كاملة. رغم التضليل الذي مارسته على بعض نشطاء الثورة، وتهميشهم، والتضييق عليهم، ومحاربتهم من قبل أذناب المخابرات المتعددة. فعرَّت كل أدواتهم، وأعضائهم المُشَغَّلين، وأبعدت الحاضن الثوري عنهم تنسيقاً، وشرعيةً. وبقوا وحدهم في بوتقة العزلة لا وزن لهم، ولا تأثير. كما بدأت ملامح تشكيل هياكل ثورية بالظهور عبر بعض النخب، والهياكل في سباق لتنظيم بيوتهم دون الإعداد الجيد لإدارة مؤسسات الدولة السورية، ومرافقها العامة عند تحرير سورية من الغزاة، وإسقاط حكم أسد فيها. والسعي والبحث عن قيادة ثورية لا تستطيع تقديم شيئاً للثورة في ظلِّ الوصايات، والرهانات، والاتفاقيات التي وُقِّعت ظُلماً، وعدواناً باسم الثورة، والشعب السورييَّن، وكبلتاهما عن تحقيق أهدافهما. كما ساهمت هذه الاتفاقيات في التهجيرة السورية، والتغيير الديمغرافي، والتقسيم القادم الذي ينقصه فقط عملة ورقية مختلفة عن كل كنتون سوري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى