مقالات

الدبلوماسية ومنظومة القيم

د. محمود المسافر

سياسي وأكاديمي عراقي.
عرض مقالات الكاتب

تداولت منصات التواصل الاجتماعي على نحو مكثف خلال الساعات القليلة الماضية مجموعة صور تجمع السفير العراقي في الأردن وزوجته ومجموعة سيدات ويتوسطهن الفنان راغب علامة.

لم يتقبل العراقيون هذه الصور لا سيما تلك التي تجمع زوجة السفير براغب علامة وبحضور السفير العراقي، وقد استغربت كثيراً من ردة الفعل العراقية على هذا الموضوع، فأنا شخصيًّا وأقولها بكل صراحة لم أجد فيه شيئا غريباً، فهذا الأمر يحدث ولا شك في كل بيوتات السياسيين وأصحاب النفوذ في العراق اليوم، فما هو الغريب في هذا الموضوع ونحن نعيش عقدين من الاغتصاب الفعلي للعراق.
هل كنتم تظنون أيها العراقيون أن الذي يقبل أن يُغتصب العراقيين والعراقيات يوميًا من قبل الأمريكان في سجن أبي غريب وغيره يمكن أن يكون لديه شرف شخصي او غيرة على عرضه وأهل بيته.

وإذا كانت لديهم بقية غيرة، هل يبقي المال الحرام الذي اغتصبوه من العراقيين أي قطرة غيرة لديهم، ولو بقيت قطرة واحدة منها، هل يرضى الله أن تبقى لديهم وقد باعوا العراق وشرفه وعرضه وأسموا يوم احتلاله تحريرًا.

هل تعتقدون أن الذي نصر الأمريكان على المقاومة بقيت لديه ذرة شرف؟.
هل تعتقدون أن الذي طارد المقاومين بحجة أنهم إرهابيين وقتلهم وزجّ بهم في السجون وغيّبهم ويتّم أولادهم ورمّل زوجاتهم بقيت لديه ذرة شرف؟
هل تعتقدون أن من يوالي الصفويين وهو يعرف كمية حقدهم عليه وعلى أبناء جلدته بقيت لديه ذرة شرف؟
هل تعتقدون أن من يسرق قوت شعب كامل، متقاعدين وشهداء وأرامل وجرحى ومعوقين ويتامى.. يمكن أن تبقى لديه ذرة شرف؟
هل تعتقدون أن من يبثّ الطائفية والعصبية بين أبناء الشعب الواحد ويفرّقهم من أجل أن يحكمهم بقيت لديه ذرة شرف؟
هل تعتقدون أن من يوزّع المخدرات على أبناء الشعب الفقير ويغرق السوق السرية والعلنية بها فيحول فئة مهمة من شبابه إلى قتلة ومجرمين يمكن أن تكون لديه ذرة شرف؟
هل تعتقدون أن من يفتح صالات القمار والملاهي وبيوت الدعارة فتلجأ إليها بعض العراقيات مضطرات فيغويهن ويبيعهن يمكن أن تبقى عنده ذرة شرف؟
هل تعتقدون أن من يسرق بيوت المواطنين في المناطق المنكوبة بداعش بعد أن خرجوا منها وتركوها هاربين يمكن أن يكون لديه ذرة شرف؟
هل تعتقدون أن الذي ينشر الفاحشة بين الشباب باسم المتعة فيحللها في الجامعات والمعاهد فتشيع الفاحشة بين أبنائنا يمكن أن تكون لديه ذرة شرف؟
هل تعتقدون أن الذي يبيع ميناء أو حقاً عراقياً أو أثراً أو قيمةً عراقيةً ضاربةً في التاريخ يمكن أن تكون لديه ذرة شرف.؟
هل تعتقدون أن الذين كانوا في إيران تحت مسميات عدة يقاتلون مع الجيش الإيراني ضد العراق وأبناء جلدتهم يمكن أن يكون لديه ذرة شرف؟
هل تعتقدون أن أصحاب التاريخ المنحط في علاقاتهم الجنسية ببعضهم البعض في المخيمات والمنافي قبل أن تأتي بهم أميركا من سلّات القمامة في كل العالم يمكن أن تكون لديهم ذرة شرف.؟
إن من أجمل أمثال العراقيين “اگعد أعوج واحچي عدل”.
بعد كل هذا أيها العراقيون تنتظرون صورة منشورة لزوجة سفير القمامة في المنطقة الخضراء لتعرفوا أن هؤلاء بلا شرف؟!!! واعجبي!!!!

اعلموا إخواني وأخواتي أن الدبلوماسية هي السطح العلوي لقاعدة واسعة من القيم والثقافة والعادات والمبادئ، منظومة كبيرة جدًا ومتشابكة من الآداب والعلوم والقوانين والتوافقات والتوازنات.
يحاول الدبلوماسي وباستخدام الأدوات التي تدرّب على استخدامها خلال دورة المعهد الدبلوماسي وخلال عمله بمركز الوزارة والدورات التي يدخلها أن يكون مرآة تظهر الوجه الجميل من المنظومة المتشابكة التي تحدثت عنها آنفًا.
فهل هؤلاء من خريجي مدارس الطائفية والمتعة السياسية يمكن لهم أن يعكسوا طموحات العراقيين وآلامهم للدول والشعوب التي بُعثوا لها؟
لا يحتاج المرء كثير من الجهد إذا ما جلس مع دبلوماسي يمثّل دولة ما ليعرف كيف يكون رئيس تلك الدولة وكيف تكون قيمه وأخلاقه.
فالدبلوماسي أو السفير هو مرآة رئيسه، فماذا يمكن لحيدر العذاري أن يعكس من وجه هذه الطبقة الحاكمة في العراق اليوم.؟
إن مشكلتنا ليست حيدر العذاري، بل إن مشكلتنا النظام الحاكم وجذوره وقوائمه وأفرعه واغصانه، وأؤكد لكم أن ما ظهر وسيظهر من صور وفضائح وفديوات وتسريبات لا تمثّل إلا الجزء البسيط من جبل الجليد الظاهر، أما الغاطس فهو عميق جدًا ومظلمٌ جدًا لو اطلعتم عليه لوليتم فرارًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى