مقالات

أمريكا وإيران تتباريان في تقديم تنازلات لإحياء الاتِّفاق النَّووي!

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب

بعد قرابة عام ونصف من الشَّدِّ والجذب، وبعد تكرار فرْض الشُّروط المجحفة الَّتي هدَّدت بإفشال المفاوضات أكثر من مرَّة، وبعد ازدياد توتُّر العلاقات الأمريكيَّة-السَّعوديَّة في الفترة الأخيرة لأسباب تتعلَّق في ظاهرها بإنتاج النَّفط واحترام حقوق الإنسان، أثمرت مفاوضات فيينا النَّوويَّة عن تقارُبات كبيرة في وجهات النَّظر بين الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة ونظام ملالي الرَّافضة في إيران بشأن إحياء الاتِّفاق النَّووي المُبرم عام 2015م، في عهد الرَّئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، بعد أن انسحب منه خليفته، دونالد ترامب، عام 2018م، متَّهمًا نظام الملالي باستغلال برنامجها النَّووي في تهديد أمن دولة الاحتلال الإسرائيلي. برغم إصرار إيران في السَّابق على التَّمسُّك بشرط رفْع الحرس الثَّوري الإيراني من قوائم الإرهاب الأمريكيَّة ومعاقبة المسؤولين الأمريكيين في إدارة ترامب المتورِّطين في اغتيال قاسم سليماني، قائد فيلق القُدس التَّابع للحرس الثَّوري، يبدو أنَّها تراجَعت عن ذلك في ردِّها على المسوَّدة الأخيرة الَّتي قدَّمها الاتِّحاد الأوروبِّي لإحياء الاتِّفاق النَّووي.

أمَّا الجانب الأمريكي، فيشاع أنَّه وافَق على غضِّ الطَّرف عن سير العمل في بعض المواقع النَّوويَّة الإيرانيَّة غير الخاضعة لتفتيش الوكالة الدُّوليَّة للطَّاقة الذَّريَّة، إلى جانب منْح الجانب الإيراني ضمانات كافية لعدم انسحاب الإدارات الأمريكيَّة مستقبلًا من ذلك الاتِّفاق، ولو لفترة. ومن المثير للتَّساؤل أنَّ التَّفاهم الأمريكي-الإيراني لم يحدث إلَّا بعد فشْل زيارة الرَّئيس الأمريكي، جو بايدن، إلى المنطقة العربيَّة منتصف يوليو الماضي في إقناع دول الخليج، وعلى رأسها المملكة العربيَّة السَّعوديَّة، في زيادة إنتاج النَّفط بما يضمن انخفاض أسعار الوقود. وفي تأكيد على عدم اهتمام السَّعوديَّة بتوتُّر علاقاتها التَّاريخيَّة بأمريكا، فقد أسفر اجتماع أوبك بلس الأخير للدُّول المنتجة للنَّفط عن زيادة الإنتاج اليومي بما لا يزيد عن 100 ألف برميل، هذا إلى جانب إعلان استفاضة المملكة للرَّئيس الصِّيني، شي جين بينغ، هذا الأسبوع، في خطوة تصعيديَّة ضدَّ إدارة بايدن ستؤدِّي إلى مزيد من توتُّر العلاقات.  

إدارة بايدن متفائلة بعد تخلِّي إيران عن “الخطِّ الأحمر”

صرَّح مسؤول في إدارة جو بايدن بأنَّ الجانب الإيراني قد تخلَّى عن شرط مُعجز سبق وأن هدَّد إمكانيَّة إحياء الاتِّفاق النَّووي، وهو رفْع الحرس الثَّوري الإيراني من قوائم الإرهاب الأمريكيَّة، حيث لم يتضمَّن الرَّدُّ الإيراني على المسوَّدة النِّهائيَّة للاتِّحاد الأوروبِّي ذلك الشَّرط، الَّذي اعتبره المسؤول الأمريكي “خطًّا أحمر”، معزيًا نجاح جهود إحياء الاتِّفاق إلى تخلِّي إيران عن ذلك الشَّرط، وفق تصريحه لشبكة CNN الأمريكيَّة. ومع ذلك، لم يؤكِّد المسؤول الأمريكي إحياء الاتِّفاق النَّووي في الأسابيع المقبلة، كما لم يُشر إلى ردِّ إدارة بايدن على الشُّروط الإيرانيَّة الأخيرة، مكتفيًا بالتَّصريح بأنَّ الوصول إلى اتِّفاق نهائي “أقرب مما كان عليه قبل أسبوعين”، ومع ذلك فإنَّ “النَّتيجة لا تزال غير مؤكدة حيث لا تزال هناك بعض الفجوات، وسيوافق الرئيس بايدن فقط على اتِّفاق يلبي مصالح أمننا القومي”. في حين نقلت وسائل الإعلام الإيرانيَّة عن كبير المفاوضين الإيرانيين قوله إنَّ “واشنطن قدمت ضمانات بعدم الانسحاب من الاتِّفاق النَّووي لـ 5 سنوات ونصف سنة”، في طمأنة للجانب الإيراني بشأن سرعة انسحاب أيِّ إدارة أمريكيَّة جديدة من الاتِّفاق، في حال إحيائه.

مواقف متباينة من إحياء الاتِّفاق: رفْض داخلي أمريكي وتحذير إسرائيلي

سيترتَّب على إحياء الاتِّفاق النَّووي بين أمريكا وإيران رفْع العقوبات الأمريكيَّة المفروضة على الاقتصاد الإيراني، بما يشمل القطاع النَّفطي؛ وفي ذلك ما يعني عودة الإنتاج الإيراني للنَّفط إلى فترة ما قبل العقوبات الأمريكيَّة، بالسَّماح بإنتاج 2.5 مليون برميل يوميًّا. فكما نشرت شبكة الجزيرة الإخباريَّة، نقلًا عن مصادر مطَّلعة في الاتِّحاد الأوروبِّي، أنَّ الاتِّفاق يتضمَّن 4 مراحل، وفترتين زمنيتين تستغرق كلٌّ منهما 60 يومًا، وسيشمل رفْع العقوبات عن 17 بنكًا و150 مؤسسة اقتصاديَّة، إلى جانب الإفراج عن 7 مليارات دولار من أموال إيران المجمدة في كوريا الجنوبيَّة، والسَّماح بعودة الإنتاج الإيراني للنَّفط بعد 120 يومًا من توقيع الاتِّفاق، على أن تنتج إيران خلال تلك الفترة 50 مليون برميلًا. وبرغم التَّفاؤل الأمريكي بشأن إمكانيَّة إحياء الاتِّفاق النَّووي مع إيران، حذَّرت كلوديا تيني، العضو الجمهوري في مجلس النُّواب الأمريكي، إدارة بايدن من إبرام الاتِّفاق، معتبرةً أنَّ بلادها “في ورطة” نتيجة للموقف السَّلبي لإدارة بايدن حيال التَّهديدات الإيرانيَّة للأمن الأمريكي، ومصرِّحةً بقولها “النِّظام الإيراني يريد الحصول على مليارات الدُّولارات للإفراج عن الرَّهائن الأمريكيين، لكنَّه غير مستعد للتَّوقُّف عن استهداف المواطنين الأمريكيين”، كما نشَر موقع إيران إنترناشونال. في حين أعرب رئيس الوزراء الإسرائيلي، يائير لابيد، في حديثه له مع المستشار الألماني، أولاف شولتس، قبل أيَّام عن استيائه من إمكانيَّة إحياء الاتِّفاق النَّووي، حيث قال “حان الوقت للجلوس والتحدث عما يجب القيام به في المستقبل من أجل منع إيران من الحصول على سلاح نووي”، وفق تصريح دبلوماسي إسرائيلي بارز.

ونتساءل: كيف سيكون الرَّد الإسرائيلي على إحياء الاتِّفاق النَّووي؟ وكيف ستتعامل إدارة بايدن مع التَّقارب السَّعودي-الصِّيني وتخلِّي المملكة الخليجيَّة عن تسويق نفطها بالدُّولار الأمريكي في مقابل اليوان الصِّيني؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى