منوعات

شكرا سيادة الوزير

ليث السعد

كاتب وصحفي عراقي
عرض مقالات الكاتب

في البداية أشكرك يا سيادة الوزير ليسى على رفع سعر الدولار أمام الدينار، وليس بسبب إنهاك الشعب العراقي في ظل قراراتكم المجحفة بحق الفقراء والمستضعفين، بل أشكرك على صراحتك في تشخيص الازمة قبل استقالتك.

ليس ما قلته مجرد تشخيص عادي من رجل عادي، لأننا أمام ظرف يوجب المصارحة والمكاشفة، مثل التي جاهر الوزير علاوي بها خصوصًا أن الكلام يخلو من الثأرية أو محاولة تسجيل موقف ضد أي حزب أو جهة محددة بحد عينها، وهذا يعني أن رجال الدولة مثل علاوي حين يخرجون ويتحدثون باتزان واعتدال حول بعض القضايا، نكون قد وصلنا إلى ما هو أهم من الاعتراف بالأزمات، أي السبب الضمني على ضرورة الخروج من هذه الأزمات المركبة، التي سوف تشتد كلفتها على هذه البلاد.

هذه المرة لن يخرج علينا الطرف الثالث ويتهموك أنك مدعوم من السفارة الأمريكية أو البريطانية، أو يطل علينا رجال الدين من هذه الطائفة أو تلك ويدعون عليك أنك سبب خراب ودمار العراق، وستسكت الجماعات المسلحة ولن تخرج بمظاهرات مسلّحة، ولن يتهمك أحد أنك مدعوم من كوكب المريخ أو عطارد هذه المرة سيصمت الجميع لأن ما قلته ليس من رجل فقير وعادي من الناصرية أو البصرة أو بغداد بل من رجل (ابن السلطة) و من داخل جسم الدولة ،وليس خارجه ومن قلب المنطقة الخضراء.

و يحتضن الكثير من العراقيين هذا الخطاب وتتزين به صفحات نوافذ التواصل الاجتماعي، ويرسل في المجموعات والمنتديات والمراسلات العامة والخاصة، لا لشيء إلا لأن الكلمات صادرة من مصدر مسؤول يلقيها من على كرسي السلطة بكل وعي وإدراك.

لم يرض علاوي ان يكون بيدقًا بيد أصحاب الكروش الكبيرة أو الزعامات المزيفة، أو أن يأخذ الراتب ويصمت، ويكون مثل باقي الوزراء مجرد مزهريات لا أكثر ولا أقل ولا قرار لهم ‏سوى الجلوس على الكراسي ليكونوا أمام عدسات الكاميرات فقط ولا يستطيعون تحريك كرسي في الوزارة إلا بعد أخذ الموافقة من زعمائهم.

وقال علاوي أيضا وأنا اقتبس:

‏”الفساد مثل السرطان الذي يقتل الجسم، ويزدهر الفساد في العراق لأن النظام يتسامح معه، ويسمح له بالازدهار والنمو، إن معالجة الفساد غير كافية من خلال زيادة الكلام ضده”

بكل أسف أصبح حال العراق من سيىء إلى أسوأ ؛فالفساد مثل السرطان يبدأ بخلية واحدة ‏لو استؤصل مبكرًا يتم الشفاء

‏ولو تُرك سوف ينتشر وينخر في الجسد إلى أن يفتك به ولن يفيد معه أي علاج!

الجسد العراقي أصبح ميتًا سريريًا ولم يعد تفيده أي محاولات أو علاجات لإحيائه، وعلى الرغم من أنَّ العِراق هو ثاني أَكبر مُنتج للنفط في العالم ،ويتلقى عشرات المليارات من الدولارات سنوياً من بيع الخام، بيد أنه في مقدمة الدول الأكثر فسادًا في العالم حتى ظل ارتباط الفساد بالعِراق محل اهتِمام المؤَسسات الدولية قبل المحلية والإقليمية. ومِن أَكثر مظاهر الفساد انتِشارًا في العِراق هي الواسطة والمحسوبية والرشوة وسوء استغلال الوظيفة والمنصب ،والاعتِداء على المال العام وهذه المظاهر لا تقتصر على فئة مُعينة وإِنما تبدأَ مِن كبار موظفي القطاع العام والخاص إِلى صغار الموظفين، وهذا ما يجعل مُكافحة هذه الآفة في غاية الصعوبة وبِحاجة إِلى أُطر منهجية صحيحة وعادِلة بعيداً عن المُحاباة والمحسوبية.

ويستحق علاوي فعلاً ان نرفع له قبعاتنا احتراماً وتحية على ما قام به الوزير علي علاوي، بتصريحه لم يسبق ان قام بها وزير عراقي أو حتى عربي، وفي قلب المنطقة الخضراء قد يختلف البعض سياسيًا معه، لكنه بتصريحاته أعاد تعريف الكارثة التي تعرض لها شعبنا منذ سقوط النظام السابق عام 2003 إلى أن حالة الصمت السياسي على التصريح تؤشر على مدى علو سقف هذا التصريح.

 من المفترض أن نشكر الوزير علاوي لأنه تعالى على مصالحه الخاصة وضحى بكرسي الوزارة ومصالحها وشخّص الخلل الذي تعاني منه الدولة والحكومة والشعب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى