مقالات

السوريون.. واضطراب ما بعد الصدمة!

زهير سالم

مدير مركز الشرق العربي
عرض مقالات الكاتب


يعيش كثير من السوريين وأنا واحد منهم، هذه الأيام، حالة من الاضطراب يسميها الخبراء النفسيون اضطراب ما بعد الصدمة…
أقول: كثير من السوريين لأنني ما زلت أتلقى مقالات ورسائل للبعض يقولون إنهم غير مصدومين، وأنهم كانوا يتوقعون، والأعجب فيهم الذين يرسلون لي مقالات قديمة ، تنادي على الناس ويحكم أين تذهبون؟؟ لا أتكلم عن أناس كانوا ضد الثورة، بل أناس كانوا من صميمها…
أخطر تجليات ما بعد الصدمة التي يعيشها السوريون منذ تسعة أيام بالضبط، هي حالة الإنكار …
هي نفس حالة الطفل الذي يظل ينتظر أباه الميت، واء باب البيت في موعد عودته، تقول لي والدتي رحمها الله أنني ظللت أفعل ذلك لمدة شهرين، وإذ لم يعد… أظل أبكي وأبكي البواكيا…
حالة الإنكار التي يعيشها السوريون المعولون أو المأملون تتجلى، في رفضهم الاعتراف أنهم كان لهم أب – يزعمون- ومات، كما قُتل مليون شهيد سوري، وأنهم يجب أن يتوقفوا عن التعويل والتأميل، وعن انتظار غودو الذي لن يعود، وأنه قد آن الأوان لييعيش اليتيم ابن العاشرة حقيقة يتمه، فقد أصبح اسمه” الأخ الكبير” وأن عليه أن يفكر كيف يدبر ثمن علبة الحليب لأخيه الرضيع، حيث بعد أيام ستنفد آخر علبة اشتراها والده الفقيد..آن الآوان، لأقوام لا أوان لهم، ولم يصلحوا قط لا للصيف ولا للضيف ولا للسيف ولن يصلحوا بعدُ لغدرات الزمان ..
أكتب هذا وأنا أعيش الصدمة ويعيشها معي كثيرون، وكلنا كما قيل يوما لسيدنا يعقوب “تالله إنك لفي ضلالك القديم” ننكر أن يوسف قد فقد، وأننا نستطيع أن ننام كل واحد منا قرير العين هانيها. ونعلي الصوت ونحن لا نمسك السوط : بلاءاتنا العربية الشهيرة: لا صلح ..لا اعتراف ..لا تفاوض.. التي عمرها منذ 1967..
من تداعيات ما بعد الصدمة التي يذكرها المختصون بعد الإنكار…
التعلق بإعادة التفسير ..
هل كتبوا في تحليل النسج: كنسر ..أو سرطان … أو ورم ..
فالأمر يختلف،يقولها المعلق المكلمدان الضليع .. ولا تنسوا أن في الورم ورما حميدا غير خبيث، وتبحر سفن الأحلام في شبر من الماء، ويكثر متتبعو علم اللغة في الفروق الدلالية، وكأنهم أمام نص مقدس، أو أمام قصيدة “الأرض اليباب” ” ت . س . إليوت “أو يحكون عن الرمز الصوفي عند أصحابه ، وحين تسأله : ماذا تريد بليلى، يقول لك “الكعبة” ، فإذا سألته ماذا تقصد بالكعبة نادى من عمق الأعماق في وجدانه “يا هو”..
التقرير الطبي، والحدث السياسي، واقعة كان أو تصريحا، ليس مثل حلم ليلي، تعيد تكييف تأويله على طريقة ابن سيرين، أو على طريقة فرويد.. إنه تعبير عن حقيقة صلبة، ومن نزلت الحقيقة الصلبة على رأسه ” أمّته أو شجته” والآمة من الشجات التي تصل إلى الدماغ، وتصيب أم الرأس. الانشغال بمحاولات إعادة التفسير الرغبوي، هو نوع من الهرب من مواجهة الحقيقة، والاسترخاء في حضن قارئة الفنجان تنادي علينا: يا ولدي طريقك مسدود مسدود…
ومن تداعيات ما بعد الأزمة عملية ” التحويل “
أن ينشغل بعض الناس في تحويل معاركهم عن مقصدها، تقول العامة، “ما قدر على حماتو فرّط بمراتو” مهما يكن حجم الطعنة الجانبية ، وعمقها، وحتى لو كانت من النوع الذي يصفه العربي”يغيب فيها الزيت والفُتُل” فإنها لا يجوز أن تشغلنا حين نصحو من صدمتنا، أن الذي قتلنا ودمرنا وشردنا وأخرجنا من ديارنا واحد ..
وعلى الرغم من الحقوق الكثيرة التي رتبها الشرع، ورتبتها المروءة ، ورتبتها قواعد الجوار لليتيم والمستضعف وابن السبيل… إلا أن هذا المعني ينبغي أن لا يرى لنفسه حقا على الناس واجبا… بل يجب أن يكل الناس لدينهم، ولمروءاتهم، ولما علمهم آباؤهم وأجدادهم.، ويمضي في الطريق القويم.
وينشأ ناشئ الفتيان منا ..على ما كان عوده أبوه ..
أيها السوريون…
لقد كانت صدمتنا عنيفة عاصفة مدمرة، وجاءتنا من حيث لا نحتسب، في اللحظات الأصعب من عمر هذه الثورة المباركة..
إن أكبر ثقل يجب أن نستشعره هو دماء مليون شهيد، وثقلها يجب أن يجعلنا نصحو من دوار أو من خوار. يقول جمهور شعبنا: راحت السكرة وجاءت الفكرة. ويا ويلنا إذا لم تأتِ
في ظل رعاة السوء الذين يحكمون العالم ، تكون المعركة في صف الذئاب أجدى من معركة الدفاع عن الأغنام. فاعلموا هذا ولا تنسوه. من اصطف مع الذئاب كان له من غنائمهم شلو …
تعدو الذئاب على من لا كلاب له … وتتقي مربض المستنفر الحامي
أيها النوام ويحكم هبوا …
لا وقت لدى السوريين اليوم لبكاء ولا لعزاء …والعرب لا تبكي قتلاها حتى تثأر لهم.
إن الذئاب قد اخضرت براثنها …والناس كلهم بكرٌ إذا شبعوا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى