سياسة

قُرب إحياء الاتِّفاق النَّووي يعصف بأسعار النَّفط عالميًّا

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب

أثمر استئناف مفاوضات فيينا بشأن إحياء الاتِّفاق النَّووي لعام 2015م، بين الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة والجمهوريَّة الإسلاميَّة الإيرانيَّة”، قبل أسابيع قليلة عن نتائج إيجابيَّة توحي بقُرب إعادة إحياء الاتِّفاق، بعد مفاوضات متعثِّرة استمرَّت لأكثر من عام ونصف، تبادَل خلالها طرفا النِّزاع الاتِّهامات بعرقلة المحادثات من خلال فرْض شروط معجزة. ومن المفارقات الواجب لفت الانتباه إليها الوصول إلى اتِّفاق شبه نهائي بين الولايات المتَّحدة ونظام ملالي الرَّافضة في أعقاب فشل زيارة الرَّئيس الأمريكي، جوزيف بايدن، إلى المنطقة العربيَّة منتصف يوليو الماضي، في إقناع زعماء دول الخليج المنتجة للنَّفط بضرورة رفْع الإنتاج بهدف خفْض أسعار الوقود، بعد ارتفاعها الجنوني بعد اندلاع الحرب الرُّوسيَّة-الأوكرانيَّة نهاية فبراير الماضي. بالطَّبع، لم يكن الوصول إلى مرحلة نهائيَّة في المفاوضات بدون تنازلات من الجانبين، بعد أن تراجَع نظام الملالي عن شرط رفْع الحرس الثَّوري الإيراني من قوائم الإرهاب الأمريكيَّة، كما غضَّت إدارة بايدن الطَّرف عن اشتراط نظام الملالي عدم إخضاع بعض معامل تخصيب اليورانيوم إلى رقابة الوكالة الدُّوليَّة للطَّاقة الذَّريَّة، في خطوة محيِّرة للمراقبين؛ لما فيها من تهديد للأمن القومي لدولة الاحتلال الإسرائيلي. غير أنَّ التَّفسير الوحيد لاضطرار إدارة بايدن إلى تقديم تنازُل مثل ذلك هو أنَّ بإبرام اتِّفاق نووي جديد سينطوي على رفْع العقوبات عن القطاع النَّفطي الإيراني؛ ممَّا سيفضي إلى خفْض أسعار الوقود مع زيادة الإنتاج. وبالفعل، تراجَعت أسعار النَّفط عالميًّا إلى مستوى ما قبل الحرب الرُّوسيَّة-الأوكرانيَّة، في ضربة موجعة للاقتصاد الخليجي الَّذي انتعش بفضل الزِّيادة الكبيرة في أسعار النَّفط في الأشهر القليلة الماضية.

الاتِّحاد الأوروبِّي يبشِّر بقُرب إحياء الاتِّفاق النَّووي

تقدَّم الجانب الإيراني في أولى ساعات الثُّلاثاء 16 أغسطس 2022م إلى الاتِّحاد الأوروبِّي، المعني بتنسيق المفاوضات النَّوويَّة، بردِّه على مقترح الاتِّحاد لإحياء الاتِّفاق النَّووي، الَّذي انسحبت منه إدارة الرَّئيس الأمريكي السَّابق، دونالد ترامب، عام 2018م، متَّهمة إيران باستغلال برنامجها النَّووي في تطوير أسلحة دمار شامل. وتعليقًا على الخطوة الإيرانيَّة، صرَّح ناطق باسم مسؤول السِّياسة الخارجيَّة في الاتِّحاد الأوروبِّي، جوزيب بوريل، بأنَّ دراسة الرَّد الإيراني تجري حاليًا، حيث قال “نقوم بدراسته ونتشاور مع باقي الشُّركاء في خطة العمل الشَّاملة المشتركة، والولايات المتَّحدة بشأن طريقة المُضيِّ قدمًا”. من ناحيتها، ردَّت إدارة بايدن على لسان نيد برايس، المتحدِّث باسم الخارجيَّة الأمريكيَّة، الَّذي صرَّح بأنَّ الولايات المتَّحدة “ستكون جاهزة للعودة إلى سياسة العقوبات، إذا لم تقبل إيران بالعودة الكاملة للاتِّفاق النَّووي”، مكرِّرًا تأكيده على تعهُّد بلاده بعدم السَّماح لنظام الملالي بامتلاك سلاح نووي. في حين أشار المتَّحدث باسم الخارجيَّة الإيرانيَّة إلى أنَّ بلاده على استعداد لإبرام الاتِّفاق في صيغته الأخيرة، إذا ما تحلَّت إدارة بايدن بالمرونة في الاستجابة لشرط إيران الأحدث، هو ضرورة إلزام الإدارات الأمريكيَّة المتعاقبة بتعويض إيران، في حالة الانسحاب مستقبلًا من الاتِّفاق الجديد، كما فعلت إدارة ترامب قبل 4 سنوات، وفقًا لما نشرته شبكة CNN الإخباريَّة الأمريكيَّة. جدير بالذِّكر على أنَّ نظام الملالي سبق وأن اشترط الحصول على ضمان بعدم انسحاب الإدارات الأمريكيَّة الجديدة من الاتِّفاق النَّووي، ويبدو أنَّه تمسَّك بذلك الشَّرط، برغم تغاضيه عن شرط رفْع الحرس الثَّوري من قوائم الإرهاب الأمريكيَّة.

التَّكهُّن بقُرب إحياء الاتِّفاق النَّووي يضرب سوق النَّفط عالميًّا

مع إعلان الاتِّحاد الأوروبِّي عن إيجابيَّة المباحثات الأخيرة مع الجانب الإيراني واحتماليَّة الوصول إلى إحياء الاتِّفاق النَّووي قريبًا، تراجعت أسعار النَّفط على مستوى العالم إلى مستوى ما قبل اندلاع الحرب الرُّوسيَّة-الأوكرانيَّة، بهبوط العقود الآجلة للنَّفط إلى 94 دولارًا لخام برنت و88 دولارًا لخام غرب تكساس، بعد أن تجاوز سعر البرميل 120 دولارًا في خضمِّ الأزمة النَّفطيَّة الَّتي خلَّفتها العقوبات الأمريكيَّة على روسيا، بحظر تسويق إنتاجها النَّفطي في أوروبَّا. وإلى جانب ترقُّب عودة إنتاج النَّفط الإيراني بما لن يقلَّ عن 2.5 مليون برميل يوميًّا، أعلنت إدارة معلومات الطَّاقة الأمريكيَّة عن زيادة إنتاج النَّفط الصَّخري إلى ما يزيد عن 9 ملايين برميل في اليوم في سبتمبر المقبل، وهي زيادة كبيرة تقارِب مستوى إنتاج أمريكا من النَّفط قبل أزمة تفشِّي فيروس كوفيد-19، قبل عامين ونصف. ومع إعلان الصِّين مؤخَّرًا عن ركود اقتصادي نسبي يُعزى إلى عودة القيود الصِّحِّيَّة للوقاية من فيروس كوفيد-19 وغيره من الفيروسات الآخذة في الانتشار عالميًّا، أصيب سوق النَّفط بضربة إضافيَّة تنذر بمزيد من انخفاض السِّعر.

ونتساءل: كيف ستتعامل دولة الاحتلال الإسرائيلي مع تساهُل إدارة بايدن في سماحها باستمرار النَّشاط النَّووي الإيراني؟ وكيف سينعكس انخفاض أسعار النَّفط على موقف المملكة العربيَّة السَّعوديَّة في سجالها مع إدارة بايدن؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى