منوعات

مسجد (السليمانية) في مدينة اسطنبول بجمهورية تركيا

أ.د فؤاد البنا

أكاديمي ورئيس منتدى الفكر الإسلامي
عرض مقالات الكاتب

ظل أكبر مساجد اسطنبول طيلة بضعة قرون حتى أزاحه قبل بضع سنوات مسجد تشامليجا الذي بناه أردوغان. يقع المسجد على التلة الثالثة من تلال اسطنبول السبع، وذلك في حي الفاتح ضمن الشق الأوروبي من اسطنبول، وهو مجمع متكامل يتكون من: مكتبة تضم الآن أكثر من ٧٠ ألف مخطوطة، أربع مدارس، مستشفى، فندق للدراويش الذين يتنقلون بين المناطق، ومطبخ للفقراء، ودكاكين، وحمّامات، ومدرسة قرآنية، مقبرة.ويوجد في أكناف المسجد ضريح أعظم مهندس معماري في تاريخ الدولة العثمانية، وهو سنان آغا الذي صمم هذا المسجد بأمر من السلطان سليمان القانوني الذي يعد أعظم سلاطين الدولة العثمانية.بني المسجد من الحجر المنحوت بطريقة متقنة ويعتبره كثيرون أعظم مساجد الدولة العثمانية وأعظم عمل للمعماري سنان. يزخر المبنى الداخلي بزخارف بالغة الروعة وتمتلك مقدرة فائقة على إدهاش الناظرين، كما رأيته بأمّ عيني، ومن هنا فقد وُصف المسجد بأنه “المسجد الذي سيبقى إلى الأبد”!تم البدء بالتأسيس سنة ١٥٥٠م وتم الانتهاء منه سنة ١٥٥٧م، ويرتفع المبنى عن سطح الأرض بمقدار ٥٣م، ويتمدد مع توابعه في مساحة تزيد عن ١٢٢ ألف م٢.يمتلك المسجد قبة بالغة الضخامة، ويبلغ قطرها ٢٧.٥م وارتفاعها حوالي ٥٣م، ويزدان بعشرات القباب وأربع ماَذن باسقات وعشر شرفات، ويقال بأن الماَذن الأربع ترمز للسلاطين العثمانيّين الأربعة الذين تولّوا حكم الدولة العثمانية بعد فتح القسطنطينية، وأن الشُّرفات العشر تشير إلى ترتيب السلطان سليمان القانونيّ بين السلاطين العثمانيّين؛ إذ إنه السلطان العثمانيّ العاشر!ويمتاز تصميم المسجد بنظام إنارة طبيعية من خلال ٣٢ نافذة يتضمنها المبنى بطريقة تسمح للضوء بالنفاذ إلى جوفه طيلة ساعات النهار، وروعي كذلك أن يكون الصوت مسموعا للجميع رغم ضخامة المصلى!وفي الجنوب الشرقيّ من المدخل الرئيسيّ للمسجد توجد مقبرة صغيرة تحتوي على ضريح السلطان سليمان وزوجته روكسلانا.ولي حكاية مع هذا المسجد أود أن أختم بها هذا الموضوع، فقد وفقني الله لزيارة المسجد والتجول في أبهائه، واشتمام أعباق التأريخ المجيد المنبعث من كل حجرة وبَصمة فيه، وقد انبهرت عيناي بجماله الفتان وامتلأ قلبي بالذهول من عظمة كل شيء فيه!ولأنه يقع في منطقة تطل على جمال الخليج الذهبي وعلى الشطر الآسيوي من اسطنبول الساحرة، ولوفود ملايين الزوار عليه سنويا، فقد انتشرت بجواره عدد من المقاهي المتميزة، ودعاني لاعتلاء سقف أحدها عدد من الطلاب اليمنيين الدارسين في تركيا فسارعت للإجابة، وكان الوقت قبل المغرب باردا وأطلنا المقام، وبالنسبة لي فقد كان نهاية يوم حافل بالزيارات والتجول بين عدد من معالم اسطنبول الفاتنة، فتضافرت على جسدي عدد من العوامل، وهي: الإرهاق الناتج عن تجوال طويل، والشعور بالانقهار من هول المقارنة بين ما كنا عليه وبين ما آلت أوضاعنا إليه، ثم الريح الباردة التي تعرضت لها في سقف المقهى وكابرت في رفض ارتداء جاكيت أحد الشباب، وانضاف إلى ذلك أرق شديد يغلب عليّ في ليالي الأسفار، وحينما غادرت إلى مطار اسطنبول صباح اليوم التالي، وكان معي في الرحلة الإعلامي الشهير في قناة السعيدة أ. محمد العامري؛ فوجئنا بإشكال في رحلة طيران التركية ذلك اليوم إلى اليمن، وقبعنا منتظرين في المطار، وكانت الحمى قد بدأت تهاجم جسمي بعنف، وبعد بضع ساعات أوجدوا لنا حلا ولكن عبر مطار المنامة في البحرين والذي نزلنا فيه لساعات امتدت كأنها أيام؛ إذ كانت الحمى قد وصلت إلى عظامي فنخرتها من دون رحمة، وكان تكييف المطار من القوة لدرجة أني أحسست كأن موجة من الصقيع هبت على بدني من القطب المتجمد الشمالي!وبالطبع لست آسفاً على ما حدث، فإن السلطان سليمان القانوني ومدينته يستحقان أكثر من ذلك، ثم إن الحمى قد غادرت جسمي بعد بضعة أيام وبقيت في قلبي حرارة الفخر بما اجترحه أجدادنا من مآثر وما حققوه من أمجاد، بفضل فهمهم الواعي لمبادئ الإسلام والتزامهم الصارم بقيمه العظيمة!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى