اقتصاد

الجنيه يفقد رُبع قيمته…وسدُّ النَّهضة يهدِّد بمزيد من الغلاء !

د. محمد عبد المحسن مصطفى عبد الرحمن

أكاديمي مصري.
عرض مقالات الكاتب

برغم مشروعات الإصلاح الاقتصادي، وبرغم ضخِّ دول الخليج مليارات الدُّولارات سواءً بشراء الأصول أو بإقامة مشروعات استثماريَّة جديدة أو في صورة مساعدات عاجلة، يعاني الاقتصاد المصري في هذه الآونة ضعفًا غير مسبوق، ينعكس على الانخفاض المتواصل لقيمة الجنيه المصري بما يقرب من 20 بالمائة من قيمته خلال الأشهر القليلة الماضية. فقد اضطرَّت الحكومة المصريَّة إلى تحرير سعر صرف الجنيه في مارس الماضي؛ لمواجهة موجة الغلاء العالميَّة الَّتي خلَّفتها الحرب الرُّوسيَّة-الأوكرانيَّة منذ اندلاعها في 24 فبراير من العام الجاري وأدَّت إلى رفْع أسعار الوقود؛ ممَّا أدَّى إلى زيادة حالة التَّضخُّم وارتفاع أسعار الموادِّ الأساسيَّة. فقد الجنيه المصري بعد التَّعويم الأخير ما لا يقلُّ عن 17 بالمائة من قيمته، ويبدو أنَّ ذلك الانخفاض في القيمة سيزداد خلال الفترة المقبلة، نزولًا على رغبة صندوق النَّقد الدُّولي، الَّذي يشترط تحرير صرف الجنيه من جديد أمام الدُّولار الأمريكي، دون سقف من البنك المركزي المصري، في مقابل منْح مصر قرضًا جديدًا؛ ليفقد الجنيه بذلك ما لن يقلَّ عن 23 بالمائة من قيمته. ويتزامن التَّآكل الاقتصادي الَّذي يصيب مصر مع فقدان مزيدٍ من مقدار حصَّتها في مياه نهر النِّيل، بعد اكتمال الملء الثَّالث لسدِّ النَّهضة الإثيوبي، مع توقُّعات بتفاقُم الأزمة في البلاد؛ من جرَّاء تعطُّل كافَّة الأنشطة الاقتصاديَّة نتيجة لشحِّ المياه.

إلى أين سيصل الجنيه المصري أمام الدُّولار الأمريكي؟

تكثر الأقاويل في الآونة الأخيرة عن اضطرار مصر إلى تحرير سعر صرف عملتها الرَّسميَّة، الجنيه المصري، أمام الدُّولار الأمريكي، للمرَّة الثَّانية خلال عام 2022م، ليفقد الجنيه بذلك رُبع قيمته، ليصل سعر الدُّولار الواحد بذلك إلى ما بين 23 و25 جنيهًا، إرضاء لصندوق النَّقد الدُّولي لتمرير صفقة القرض الجديد. وتتوقَّع شبكة بلومبرغ إيكونوميكس الاقتصاديَّة الأمريكيَّة أن الجنيه المصري ستتراجع قيمته بنسبة 23 بالمائة أمام الدُّولار، في محاولة جدِّيَّة لسدِّ فجوة التَّمويل ومساعدة الاقتصاد المحلِّي على تحسين أوضاعه في ظلِّ التَّحدِّيات العالميَّة. ويشير خبراء اقتصاديون إلى أنَّ الجنيه المصري قد سجَّل خسائر متتالية على مدار 11 أسبوعًا، في تراجُع غير مسبوق لقيمة العملة المصريَّة، حتَّى أنَّ وكالتا دويتشه بنك إيه جي وغولدمان ساكس غروب إنك الاقتصاديتين أكَّدتا على أنَّ قيمة الجنيه الَّتي يطرحها البنك المركزي أقلُّ من قيمته الحقيقيَّة بما يتراوح بين 5 و10 بالمائة. وقد علَّق زياد داود، كبير الاقتصاديين المعنيين بأسواق الدُّول النَّاشئة لدى شبكة بلومبرغ، على ذلك بقوله “قد يشعر صانعو السِّياسة بالقلق بشأن الآثار الجانبيَّة لتخفيض قيمة العملة، مثل ارتفاع التَّضخُّم عندما يكون بالفعل في خانة العشرات، وخطر الاضطرابات الاجتماعيَّة. وقد ينتهي الأمر بمصر إلى تخفيض قيمة عملتها، لكن بأقل مما يحتاج إليه الاقتصاد”.

تحذير من احتجاجات شعبيَّة في مصر نتيجة للغلاء المتزايد

أفاد تقرير بلومبرغ بأنَّ مصر تسعى حاليًا لسدِّ فجوة انخفاض الاحتياطي النَّقدي الأجنبي من خلال اقتراض 2.5 مليار دولار من البنوك؛ من أجل توفير العملة الصَّعبة اللازمة لشراء الغذاء والدَّواء والوقود، بعد خروج المليارات من الدُّولارات من مصر في أعقاب اندلاع الحرب الرُّوسيَّة-الأوكرانيَّة. ونتيجة لرفع البنك الفيدرالي الأمريكي قيمة الفائدة، فضَّل مستثمرون أجانب الاستفادة من ارتفاع الفائدة الأمريكيَّة على الدُّولار؛ فرجوا برؤوس أموالهم من مصر يقينًا منهم بأنَّ الاقتصاد المصري يمرُّ بأسوأ حالاته. وقد تساءل تقرير نشره موقع الجزيرة نت تحت عنوان “من وراء استمرار خفض الجنيه المصري الحكومة أم صندوق النَّقد الدُّولي؟” عن المتسبِّب الفعلي في تراجُع قيمة العملة الرَّسميَّة، ملقيًا الضَّوء على توجُّه الحكومة المصريَّة إلى صندوق النَّقد الدُّولي باستمرار لطلب القروض الجديدة، حتَّى حصلت على 7 أضعاف القيمة المحدَّدة من المساعدات الَّتي يقدِّنها الصُّندوق التَّابع للأمم المتَّحدة إلى الدُّول الفقيرة. يلزم مصر تدبير ما قيمته إلى 41 مليار دولار حتَّى نهاية العام المقبل؛ لسدِّ عجز الحساب الجاري وسداد الدُّيون المستحقَّة، وفق تقرير الجزيرة نت، الَّذي ذكَّر بأنَّ أكثر من ثلث الشَّعب المصري حاليًا يرزح تحت خطِّ الفقر، وفق لإحصاءات تعود لعام 2019م، لم تأخذ في الاعتبار تداعيات حالة الرُّكود الاقتصادي النَّاتجة عن تفشِّي فيروس كورونا، ولا آثار الحرب الرُّوسيَّة-الأوكرانيَّة. ويحذِّر الخبراء من انجرار البلاد إلى موجة من الاحتجاجات الشَّعبيَّة في مواجهة الغلاء واتَّساع رُقعة الفقر، باتِّهام السُّلطات الحاكمة بسوء الإدارة أو بغضِّ الطَّرف عن عبث المفسدين بمقدَّرات الشُّعوب الآمنة. هذا، ويعبِّر نشطاء عبر شبكة تويتر عن حالة الاستياء الشَّعبي من الأوضاع المتفشِّية في مصر بنشر وسوم، منها “مصر مليانة غضب” و “مش هيرحل غير بالقوَّة”، في تلميح إلى إمكانيَّة اندلاع احتجاجات واسعة النِّطاق.

استمرار ملء سدِّ النَّهضة يهدِّد بتفاقم الأزمة في مصر

برغم احتجاج الحكومة المصريَّة على استمرار الحكومة الإثيوبيَّة في ملء سدِّ النَّهضة، وبرغم توجُّهها إلى مجلس الأمن لمنع تعدِّي إثيوبيا على حصَّة مصر في مياه نهر النِّيل، أعلنت رئيس الوزراء الإثيوبي، أبي أحمد، في 12 أغسطس من عام 2022م عن اكتمال الملء الثَّالث للسَّدِّ المقام على النِّيل الأزرق بتخزين 9 مليارات مترم مكعَّب من مياه النِّيل. وباكتمال الملء الثَّالث، وهو الأكبر على الإطلاق، يصل إجمالي مقدار المياه المخزَّنة إلى 22 مليار متر مكعَّب. وقد دعا أبي أحمد مصر والسُّودان، الدَّولتين العربيَّتين الَّلتين يدين السَّواد الأعظم من السُّكَّان فيهما بالإسلام، إلى مواصلة التَّفاوض من أجل إيجاد حلٍّ يُرضي كافَّة الأطراف المعنيَّة، مصرَّحًا بأنَّ الهدف الأكبر من إقامة السَّدِّ هو “توليد الطَّاقة بحيث تتمكن البلاد من إخراج شعبها من الظَّلام”. من ناحيتها، تقدَّمت الحكومة المصريَّة بشكوى إلى مجلس الأمن، حذَّرت فيها من خطورة وصول مستوى المياه في قسم التَّدفُّق السُّفلي من السَّدِّ إلى 600 متر بعد الملء الثَّالث، الَّذي أكلمته إثيوبيا متجاهلةً قرار مجلس الأمن لعام 2021م واتِّفاق إعلان المبادئ لعام 2015م. وقد أعرب وزير الرَّي والموارد المائيَّة المصريَّة في تلك الشَّكوى عن مخاوفه من احتماليَّة انهيار السَّدِّ، بعد ظهور تشقُّقات في الواجهة الخرسانيَّة للسَّدِّ الفرعي المرتبط بالسَّدِّ، حيث قال “هذا الأمر مثير للهلع بشكل خاص، بسبب فشل إثيوبيا في الامتثال لواجب إجراء دراسات الأثر البيئي والاجتماعي الاقتصادي المطلوبة الَّتي تقع على عاتق إثيوبيا، بموجب القانون الدُّولي وتزويد مصر بها، فضلًا عن فشلها في تزويد مصر بتفاصيل تصميم المستوى الثَّاني لسدِّ النَّهضة”. ويردِّد الوزير المصري بذلك ما يُثار عن احتماليَّة انهيار السَّدِّ بسبب تصميمه المعيب، ولذلك تداعياته الكارثيَّة على مصر والسُّودان.

ونتساءل: هل يتحقَّق سيناريو خراب مصر الَّذي تخبر عنه نبوءات العهد القديم باندلاع حرب أهليَّة نتيجة شحِّ الموارد وانتشار العوز وضيق العيش بعد جفاف نهر النِّيل (اشعياء 19-20)، الَّذي يتبع حدوث فيضان عارم يُغرق البلاد (حزقيال 32: 2-8)؟

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. عدنانعبدالولي ناشر العبسي من المهاجرين الذين أنضموا إلى حركة الأحرار اليمنيين وهو من أبناء قرية حارات عزلة الأعبوس مديرية حيفان تعز في اليمن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى